إذا كان الهدف بناء مجتمع راقٍ، متماسك، مزدهر، فإن دعم الشباب في المجالات كافة، سوف يكون له التأثير الحاسم في إنجاز هذا الهدف، أما الكيفية التي يُنجَز فيها هذا الاهتمام، فإنها تكمن في توفير فرص العمل لهم، وتيسير تزويجهم، ودعمهم في الجوانب الفكرية والإيمانية، وتحصينهم من الانزلاق في موجات الإلحاد...
كما يعرف الجميع أن الشباب هم الشريحة الأكثر نشاطا في المجتمع، حتى قيل أن المجتمعات التي تكثر فيها نسبة الشباب تعد من الأمم الفتية النشيطة، أما حين تضمر أو تقل نسبة الشباب في المجتمع، فهذا دليل على إصابته بالشيخوخة، وقلّة النشاط ومن ثم هبوط الإنتاجية بأنواعها كافة.
لهذا السبب تركّزت دعوات المصلحين على الاهتمام بالشباب، وتيسير العقبات التي تواجههم في حياتهم، ومن بين أهم القضايا التي تشكل اختبارا صعبا للشباب، قضية الدين والإيمان، وقضية الزواج وإتمامه بطريقة ميسّرة، فطالما اعترفنا بأن المجتمع ينهض وينشط ويتميز بشبابه، فما علينا إلا إيجاد كافة السبل الكفيلة بضمان حياة لائقة بهم من خلال مساعدتهم على تسهيل المصاعب التي يواجهونها وفي مقدمة ذلك فهم الدين بصورة صحيحة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة توجيهية قيمة بهذا الخصوص:
(على الشباب المؤمنين أن يصرفوا أوقاتهم لغيرهم من سائر الشباب، لكي لا يبتعد عن الدين حتى شاب واحد. علماً أنّ قسماً من مصائب ابتعاد بعض الشباب عن الدين، هو بسبب القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي المنحرفة).
إذاً لا يصح ترك الشباب عرضة لموجات التضليل والانحراف التي باتت تنتشر في بعض الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، فهناك حملات منظمة للإفساد، يتم التخطيط لها لتوسيع الفجوة الفاصلة بين الشباب والدين، وقد لوحظ ذلك في التشجيع المعلن والمبطن على الإلحاد.
ولابد من تحديد المسؤولية تجاه الشباب بشكل واضح، حتى يتحمل كل طرف مسؤول، ما عليه من وسائل دعم للشباب، فالعلماء تقع عليهم مسؤولية توعية الشباب لاسيما في قضية تقليص الفجوة بينهم وبين الدين، وتوعيتهم إزاء الحملات التضليلية الداعية للإلحاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالهدف من ذلك هو إضعاف هذه الشريحة المهمة وتشتيت أفكارها، وتشويه معتقداتها وصولا إلى تحييد قدراتها التي تنتهي إلى إضعاف قدرات المجتمع بأكمله.
وسائل التصدي لخلخلة القيم
أكد علماء الاجتماع أن إضعاف الشباب وتشويه أفكارهم، يؤثر بشكل مباشر على شخصية الشباب وطريقة تفكير، ويؤدي ذلك إلى تضخيم سلوكيات مرفوضة تلتصق بالشباب بسبب خلخلة القيم والأفكار وحتى العقائد، كذلك هناك دور كبير يقع على عاتق الحكام، فهؤلاء هم الطرف الآخر الموازي للعلماء في مسؤولية ترصين المجتمع عبر دعم الشباب وحمايتهم، والحكومات قادرة على القيام بهذا الدور الذي يقع في لبّ مهامها ومسؤولياتها.
لذلك يؤكد سماحة المرجع (دام ظله): (بخصوص ابتعاد بعض الشباب عن الدين هناك مسؤوليتان كبيرتان تقع على عاتق اثنين: العلماء والحكّام. ففي الحديث الشريف عن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله: (صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلَحَ اَلنَّاسُ وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ اَلنَّاسُ اَلْأُمَرَاءُ وَاَلْعُلَمَاءُ).
وهكذا فإن حماية شبابنا من أية مشاريع خبيثة عبر الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعي، أمر في غاية الأهمية، ولعل المسؤولية الأكبر في رعاية الشباب وحمايتهم وترصين التماسك المجتمعي، تقع بالدرجة الأولى على طرفين معروفيْن سبق ذكرهما (العلماء والحكام)، ولكن هل تنتهي حدود مسؤولية مساعدة وتقويم الشباب عند حدود هذين الطرفين فقط؟؟
كلا بالطبع، لأن مهمة توعية الشباب ليس بالأمر السهل أو الهيّن، لهذا فإن المسؤولية تشمل الجميع، حتى الشباب أنفسهم مسؤولون عن حماية عقولهم وأفكارهم من خلال دعم بعضهم للبعض الآخر، بمعنى أن الشاب لا يجب أن يتخلى عن أقرانه، ولابد أن تكون هناك موارد دعم شبابية متبادَلة، لانتشال من ينحرف أو يتوه في ظلمات الموجات المنحرفة التي يتم إطلاقها بين الحين والآخر عبر السوشيال ميديا.
دور العلماء والحكام في دعم الشباب
كذلك باقي أفراد المجتمع، مشمولون بهذه المسؤولية، كالأب والأم والصديق والمعلم والمثقف وغيرهم، إنها مسؤولية جماعية بمعنى الكلمة، لأن مهمة التوعية والحماية الفكرية ليست بالأمر اليسير، لهذا يتطلب الأمر جهودا استثنائية يشترك فيها الجميع، على أن تكون واضحة سهلة دقيقة ومتقنة، لكي تكون جهود التوعية مؤثرة وتؤتي أُكُلُها كما ينبغي.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في هذا الشأن:
(الحكومات بيدها مصادر المال ولديها السلطة والقوّة الكبيرة، والعلماء لهم قدرة التأثير. وهذا ليس يعني انّ المسؤولية هي على العلماء والحكّام فحسب، بل على الجميع أن يهتمّوا بالشباب، وأن يجعلوا ما حولهم من الشباب في إطار الدين).
إذا لابد من إظهار الاهتمام اللائق بالشباب من كلا الجنسين، ومن القضايا المهمة بالنسبة للشباب تيسير زواجهم، وهذه مهمة يجب أن يشترك بها الجميع كالمؤسسات الخيرية والدينية ومنظمات المجتمع المدني المختصة في هذا الشأن، كذلك الأثرياء من تجار وغيرهم، مع وجوب تسهيل الزواج في جانب المهر والمتطلبات الأخرى التي تمهد للأسرة الجديدة بداية جيدة.
يسهم تزويج الشباب بتقليل الانحراف والتحلل الأخلاقي، ويقلل من الخطايا التي تنخر النسيج المجتمعي، لذلك يتوجب الاعتناء الكبير بالشباب وتوفير فرص عمل لائقة تؤمّن لهم أرزاقهم وتُسهم في تكوين شراكة أسرية تدعم التماسك الاجتماعي، وتضاعف من فرص تقدمه وازدهاره، والحرص على تقليل الانحراف إلى أقصى حد ممكن.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(على الجميع أن يهتمّ بقضية زواج الشباب، بنين وبنات. ويجب التعامل مع هذه القضية وأخذها بالسهل. فالإمام زين العابدين صلوات الله عليه قال ما مضمونه: إنّ من أسهل الأمور في الإسلام هو الزواج. ولذا يجب التساهل في هذه القضية لكي نحول دون انحراف الشاب والشابّة).
هناك دور كبير للآباء والأمهات في قضية تسهيل تزويج الشباب، يكمن هذا الدور في جانب تيسير المهور وتقليلها إلى أدنى حد، واتخاذ توصيات أئمة أهل البيت عليهم السلام بهذا الخصوص طرائق للتعامل مع قضية الزواج، فالحياة السعيدة لا يمكن أن تتأسس على المطالب المادية الباهظة، كما أن نزعة التفاخر بالمهور العالية يجب أن يضعها الآباء والأمهات خلف ظهورهم.
ولابد من إنعاش ثقافة التيسير والتسهيل في قضية تزويج الشباب بين العائلات، وعلى المجتمع أن يُنعش العادات والأعراف التي تُسهم بقوة في التطور المجتمعي وازدهاره، وأن تكف العائلات والمجتمع بشكل عام عن وضع العقبات المادية العالية أمام الشباب، فهذه الشريحة هي العمود الأساس الذي يتكّئ عليه التماسك المجتمعي، لذلك لابد من إبداء الاهتمام الكبير بهذه القضية.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(لقد كان مهر الزواج في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، لمن يريد الزواج وهو غير متمكّن مالياً، إما حلقة من حديد أو أن يقوم الزوج بتعليم عدد من سور القرآن الكريم للزوجة. ولكن اليوم صارت قضية الزواج من أعقد وأصعب القضايا. وهذا يبيّن لنا وبوضوح مدى وجوب الاهتمام بقضية زواج الشباب، والعمل على تيسيرها).
في الخلاصة إذا كان الهدف بناء مجتمع راقٍ، متماسك، مزدهر، فإن دعم الشباب في المجالات كافة، سوف يكون له التأثير الحاسم في إنجاز هذا الهدف، أما الكيفية التي يُنجَز فيها هذا الاهتمام، فإنها تكمن في توفير فرص العمل لهم، وتيسير تزويجهم، ودعمهم في الجوانب الفكرية والإيمانية، وتحصينهم من الانزلاق في موجات الإلحاد، فهذه الحماية تمثل وقاية من الانحدار الأخلاقي، فضلا عن كونها وسيلة فعالة لتمتين التماسك المجتمعي.
اضف تعليق