ان الشباب شريحة مهمة في جميع الأزمنة والأمكنة، وفي كل المراحل، إلا أنّ ما يمر به العالم اليوم من أزمة وجائحة تمتد وتتسع لتدمير مرتكزات الحياة، يفرض على من يهمهم الأمر التنبّه أكثر من ذي قبل، والنظر إلى الشباب بعين مختلفة، تمنحهم ما يستحقونه من اهتمام...
الصدَمات أحجام ومستويات من حيث قوتها ونوعها والنتائج التي تتمخض عنها، وما يتعرّض له اليوم من جائحة أو وباء كورونا ما هو إلا صدمة غير محسوبة للعالم أجمع، وتباينت ردود الأفعال على مستوى العالم، والشعوب، وحتى على الفئات العمرية، فدول العالم المتقدمة (إيطاليا، أمريكا، فرنسا.. مثلا) صدمتُها وحيرتُها أكبر بكثير من صدمة دول العالم الثالث، وحتى على مستوى الشعوب جاءت الصدمة متباينة.
على مستوى الفئات العمرية، هناك تلقٍ مختلف لهذه الصدمة، وتعامل متغاير، فالشباب هم أكثر المتضررين من هذه الجائحة لأسباب عديدة، في المقدمة منها تحديد نشاطات الشاب المختلفة، خصوصا العضلية الجسدية منها، وإن قيل بأن عالم الإنترنيت ومواقع التواصل عوّض الشباب في جانب العلاقات الاجتماعية والعاطفية والتعليمية وسواها، لكن هذا لا يكفي ولا يعوّض عن طبيعة الحركة الجسدية وفاعلية الحواس الواقعية.
الشباب حوصِروا بين جدران أن، وقد يكونوا في أماكن دائرية تُشبه الزنازين، ولا يمكن لمحادثة إلكترونية تعوّض الشاب، لا معنويا ولا نفسيا ولا بايولوجيا، إنه كالفرس الجَموح ليس لطاقاته حدود، ويجب أن يجد منافذ صحيحة لتفريغها واستثمارها على النحو الأصحّ، هذه حرب تُخاض ضد الشباب لم تكن محسوبة ولا متوقَّعة لا من قبلهم ولا من قبل المسؤولين عنهم!
وإذا أضفنا لهذا الحصار الكوروني المتوحش المفروض على الشباب، حرب (الفراغ)، فإننا سوف نجد حربا مزدوجة يخوضها الشباب ضد كورونا وضد الفراغ، وهي حرب قاسية لم يجرب الشباب مثلها أو قرين لها من قبل، فما هو الحل؟ ومن هو المسؤول عن إيجادهُ وتطبيقهُ؟؟
أهمية هذه التساؤلات والإجابة عنها بشكل واقعي متعقّل ووافٍ، أمر في غاية الأهمية، لاسيما أن شبابنا هم القاعدة الأقوى والأهم والأكثر فاعلية في صيرورة المجتمع وديمومة الحياة، وبقاء كيان الدول قائم كما هو متعارف عليه، فالحفاظ على الشباب يعني الحفاظ على المجتمع والدولة والحياة معا.
التعامل العلمي الواقعي مع الشباب
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيّمة:
(الشباب هم رجال الغد، وبُناة المستقبل، وهم وصية النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم).
حتى على مستوى إدارة الدولة، لا يمكن إتمام هذه المهمة والنهوض بالأمة، وبمسؤوليات الإدارة الناجحة، إلا في حالة التعامل العلمي الواقعي الجاد مع طاقات وقدرات ومواهب ومهارات الشباب الإدارية أو غيرها، بل حتى على مستوى نقل العلم وترسيخ القيم والعقائد، وتنوير العقول المختلفة في مستوياتها، فلا مجال لعزل الشباب وإهمالهم، أو التفكير الأجوف في إهمالهم.
ومن لا يعطي للشباب مكانتهم التي يستحقونها، ومن يهمل طاقاتهم، إنما يخسر متعمدا فرصا عظيمة للبناء والتنوير والتطوير، وتحكي لنا تجارب تاريخنا المشرقة، أن هنالك قادة مسلمين عظماء اعتمدوا في إدارة دولتهم بأسلوب ناجح على الشباب الوعي المدرَّب.
وينبغي أن يكون هذا السلوك القيادي التاريخي الحكيم درسا لقادة اليوم الذين يهملون الشباب ويضعونهم في العربة الخلفية للقطار، غير آبهين بما تعنيه عملية إهمال الشباب أو تركهم عرضة في موجهة الصدمات والأزمات كما يحصل اليوم لهم في ظل حرب مدمِّرة لكورونا والفراغ.
يذكّر سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بتجارب قادة المسلمين العظماء، عسى أن يتعظ بها قادة اليوم، فيقول سماحته:
(كان حول الإمام أمير المؤمنين وسائر الأئمة الأطهار سلام الله عليهم شباب مؤمنون أتقياء، أقوياء نشطاء، انتقلت عبرهم حقائق الإيمان، وأحكام القرآن إلى الأجيال التالية، والأزمان المتعاقبة... وفي ذلك أسوة وقدوة).
لذلك ليس من صالح الحكومات الآن أن تدير ظهرها للشباب، بل ليس من صالح المجتمعات والدول، وقد يقول قائل، الشباب حالهم حال الجميع، يتعرضون لما يتعرض له الآخرون من مصاعب، وإذا كان لهذا الرأي جانبا من الصحة، فإن فارق الحيوية والطموح والانطلاق الشبابي يجعل من حبسه بين أربعة جدران قضية في غاية الخطورة، بالطبع نحن لا ندعو لترك الشباب يسرحون ويمرحون في الشوارع والمتنزهات والأسواق، كلا هذا غير وارد.
ولكن هنالك معالجات تقف إلى جانب الشباب في حربهم المزدوجة ضد كورونا والفراغ، ومن مسؤولية الدولة والمنظمات الرسمية والمدنية البحث الجاد في توفير السبل والأساليب التي تساعد الشباب في محنتهم هذه، ومنها التعامل القائم على الإنسانية والأخلاق مع الجميع من دون استثناء.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(ينبغي على المؤمنين والمؤمنات العزم على ملازمة حسن الخلق مع الشباب، القريب والغريب، والمؤمن، والرجل والمرأة، والصديق والعدوّ، وغيرهم).
حلول لمشكلات تواجه شبابنا
ليس الشباب شريحة مفضّلة عن سواها من الشرائح إذا تعلق الأمر بالصحة مثلا، أو الملبس، أو التسهيلات الأخرى الواجب توافرها للإنسان في أي عمر كان، ولكن ليس من المعقول أن يهتم المسؤول بمصالحه ومنافع مؤيديه ويعدّها من أولوياته، في حين يُترَك الشباب بمفردهم، يواجهون الصدمات والأزمات ويعانون من الإهمال والنواقص وهدر طاقاتهم بسبب سوء الإدارة أو سواها.
في ظل الظروف الحالية وحصار كورونا قد تكون هنالك مصاعب جدية لمعاونة الشباب من قبل الحكومات أو المنظمات المعنية الأخرى، ولكن يجب أن يكون هنالك حلول تخص الشباب كطلاب الجامعات مثلا، فالمعروف أن دراستهم بسبب كرونا أصبحت عن بعد، أي يعطي الأستاذ محاضرته بطريقة إلكترونية ويستلمها الطلاب ويقرأونها، حتى الامتحان اليومي أو الشهري يتم بهذه الطريقة، لكن هل فكرت الحكومة بمصاعب هذا الأسلوب التعليمي وهل فكرت بتقليل المشكلات التي تعرض لها الشباب والتي يمكن الإشارة إلى بعضها هنا:
- ضعف شبكة الإنترنيت وصعوبة تحميل المحاضرات.
- هناك عدد كبير من الشباب لا يمتلك موبايل حديث ما يعني حرمانه من التعليم عن بعد.
- تقديم بعض المحاضرات بأسلوب غير علمي ينقصه الاهتمام ويصعب فهمه من قبل الطلاب.
- هذه نماذج من المصاعب التي قد يواجهها الشباب، الأمر الذي يستوجب معالجتها وسواها بشكل جاد، والتعامل مع الشباب باهتمام واضح ولائق ويتّسم بالحكمة، لأن الشباب هم مستقبلنا المشرق.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يشير إلى هذه النقطة المهمة فيقول:
(إذا اعتنينا اليوم بالشباب عناية خاصة، واهتممنا بهم اهتماماً مناسباً ولائقاً، من تربية صالحة، وهداية بحكمة، وإرشاد إلى الفضيلة والصواب، فإنه ينشأ فيهم القادة الأبرار، والزعماء الأخيار، والرؤساء الصالحون، والأمناء المصلحون).
مع أهمية التأكيد على أن المسؤولية في مساعدة الشباب لتجاوز كورونا والفراغ والمصاعب الأخرى، ليس مسؤولية الجهات الرسمية وحدها، بل الجميع هنا يشتركون بتحمل العبء بصورة جادة وتعاونية، تقوم على التنسيق العلمي الإداري الصحيح.
وإذا قُيِّضَ لنا الالتزام بمساعدة شبابنا بالطرائق الصحيحة والممكنة، وفق قيم الأخلاق والإخلاص والنوايا الصادقة، والتصدي للمسؤولية بأمانة، فإن النتيجة هي صناعة جيل شبابي مقتدر، له إمكانيات هائلة في بناء الدولة والمجتمع، والتمهيد لحضارة المستقبل على أسس إنسانية عظيمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(يلزم على الجميع: الآباء والأمّهات، والأهل والعشيرة، وعامة رجال المجتمع ونسائه، الاهتمام التام بالشباب والشابات، لينشئوا جيلاً صالحاً، ويبنوا حضارة المستقبل على أسس الفضيلة والتقوى، والرفاه والخير، والعدل والقسط).
نحن نعرف جميعا أن الشباب شريحة مهمة في جميع الأزمنة والأمكنة، وفي كل المراحل، إلا أنّ ما يمر به العالم اليوم من أزمة وجائحة تمتد وتتسع لتدمير مرتكزات الحياة، يفرض على من يهمهم الأمر التنبّه أكثر من ذي قبل، والنظر إلى الشباب بعين مختلفة، تمنحهم ما يستحقونه من اهتمام واستحقاق يضمن لنا جميعا حياةً ومستقبلا أفضل.
اضف تعليق