العراقيون اليوم يتعقبون خطوات النجاح من خلال صبرهم ومثابرتهم وإخلاصهم وإصرارهم على تجاوز المحنة، وعبورها إلى الـ (سستم) الجديد الذي سينظّم حياتهم في جميع المجالات، ويجعلهم أكثر حنكة وقدرة على إدارة مواردهم وثرواتهم بعيدا عن الفساد والإهدار المقصود أو سواه، فعراق المستقبل هو عراق الأمل...
أزمة الاحتجاج غير المسبوقة بنوعها وأعداد المشاركين فيها، يعدّها مراقبون نوعاً من اليقظة الجماهيرية التي أسهمت بتغيير المسار السياسي وتعديله، أو هي بداية تصويب كانت العملية السياسية ولا تزال بحاجة لها، نظرا لفرص التقدم الكثيرة التي أضاعتها الأحزاب والكتل السياسية بسبب غياب النظام العام، أو ما يسمى بالـ (سستم) الضابط لإيقاع الحياة في العراق.
على الرغم من خزين الخبرات والثقافة المتجذرة، والوعي الذي اكتسبه العراقيون على مرّ القرون، إلا أن الظروف التي أحاطت به على الصعيدين الداخلي والخارجي، أضاعت على قادة العهد الديمقراطي (ما بعد نيسان 2003)، فرصة بناء دولة قوية، ذات مؤسسات مستقلة، قادرة على نشر العدالة الاجتماعية، وراعية للحقوق وضامنة للحريات.
ولو كان السياسيون ما بعد 2003 على وعي بما تعنيه الفرصة التي مُنحَت لهم، ولو أنهم تخلّقوا بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، لما وصل حال العراق والعراقيين اليوم إلى ما هو عليه، لذلك حتى يكون هناك مخرج سليم للأزمة الحالية، وحتى يعبر العراق محنته الجسيمة اليوم، مطلوب عقول وإرادات مخلصة مثابرة مؤمنة زاهدة بالسلطة وامتيازاتها.
ولعل الخطأ الأكبر الذي وقع فيه سياسيو العهد الديمقراطي، أنهم لم يتعلموا من تاريخهم السياسي المشرق، ولم يتمكنوا من دراسة تجربة الحكم للإمام علي عليه السلام، الذي قاد المسلمين في أحرج مرحلة من تاريخهم وأدار شؤون المسلمين ودولتهم التي تعادل اليوم ما يقرب من 50 دولة، ومع ذلك كانت حرية الناس هي الأهم وكان الصوت الآخر محميّاً ومُصانا، وكانت العدالة والإنصاف والضمير هي الركائز التي تقوم عليها سياسة الدولة، السبب الأساس هو الإخلاص الذي كان يتحلى به قائد المسلمين وأعضاء حكومته آنذاك.
ما يحتاجه العراقيون اليوم ظهور مجموعة من القادة المخلصين الذين يقودون البلد إلى مرفأ الأمان، بعد أن يدرسوا جيدا تجربة الإمام علي عليه السلام في الحكم ويتعلموا من تلك الحكومة المتّزنة صناعة النظام أو الـ (سستم) الذي تسير عليه الدولة، وتدار في ضوئه مؤسسات الدولة المختلفة.
سماحة المرجع الديني الكيبر، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيمة:
(العراق بحاجة إلى مجموعة مخلصة تتعلّم من علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فنهج الإمام علي صلوات الله عليه موجود بين أيدينا. وهذا الأمر بحاجة إلى مثابرة، وبحاجة إلى حلم كبير، وبحاجة إلى صبر طويل).
عراقُ أئمة أهل البيت عليهم السلام
ومن بين الأمور المهمة التي يجب أن يراعيها العراق والعراقيون كافة، هي تلك الطاقة الكبيرة على التحمّل والحلم والأمل، فالمطلوب أن يكون العراق قادرا على تحمّل الأصدقاء، وقد يكون هذا مطلوبا قبل تحمّل الأعداء، فالصديق لا يمكن العثور عليه بسهولة في زمن المصالح المادية الذي غزا عالم اليوم، ومثلما يصح ذلك مع الأعداء، فليس من السهل أن تواجه أعداءك من دون أصدقاء، لهذا يُطالَب العراقيون اليوم بتحمل الصديق قبل العدو، وهو المعروف بإرثه العظيم الذي ورثه كمهبطٍ للأنبياء ومضيف لأشرف وأطهر المراقد المقدسة لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
يرى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أنّ: (العراق قبل كل شيء بحاجة إلى تحمّل الأصدقاء أكثر وقبل تحمّل الأعداء).
ومما يجعل نوافذ وأبواب الأمل مفتوحة أمام العراق والعراقيين، أنه يمتلئ بطاقات ومواهب كبيرة وكثيرة، بل من المؤكّد أنه لا يخلو من العقول المتفردة المدعومة بركائز الإخلاص والمثابرة والإصرار على البناء وتحدي المصاعب أيّا كان نوعها أو حجمها، وهذه ميزة العراق التي تصب في صالح الشعب الجريح الصبور.
فأرض العراق مشهورة على مرّ التاريخ بصفتها المثمرة ورحمها الولود، لذلك لا يُخشى على أرض بهذه المواصفات، ولا على شعب جرّب المحن، ولعل أقربها ما تعرّض له العراقيون على أيدي جلّادي الأنظمة الدكتاتورية التي ألقت بثقلها ورعبها وتعذيبها وسجونها على كواهل العراقيين، لكي تحدّ من إصرارهم على التحدي والنجاح في التخلّص من الظلم والفساد.
واليوم هم قادرون أيضا من تعديل الانحرافات، وإعادة المسار على السكة الصحيحة، نظرا لما يتحلى به الشعب العراقي من عقول محنكة، ولما يتمتع به العراقيون من قدرات هائلة على التحمّل والصبر المدعوم بالأمل بالخلاص من جوقات الفساد التي سعت قديما وتسعى حاضرا إلى إلحاق الأذى بالعراقيين، لكن الخلاص يكمن في العقول الخلاقة وفي الجَلَد والمثابرة العظيمة التي تعدّ واحدة من أهم صفات العراقيين، وهم يسعون دائما وأبدا لبناء بلدهم وأنفسهم.
لسماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، هذه الرؤية الثاقبة التي يقول فيها بأن: (العراق لا يخلو من الأدمغة ومن الإخلاص ومن المثابرة).
عراق الصبر والمثابرة والأمل
ومما يثلج صدور العراقيين ويجعلهم أكثر تفاؤلا وتشبثا بالخير والأمل، تلك التنبؤات الباهرة التي تستجلي بواطن الأمور والمآلات قبل بلوغها أو حدوثها، فسماحة المرجع الشيرازي شخصيا يقول بأنه (متفائل بمستقبل العراق)، وهذا الكلام لا يمكن أن يأتي من فراغ، فمن يقوله هو مرجع ديني له امتداده وتاريخه العريق في التبصّر والتنبّؤ واستجلاء القادم من الحوادث، وحين يقول سماحته بأنه متفائل بالعراق والعراقيون، إنما ينطلق من رؤية عميقة ودراية باتّة بمعدن العراقيين وإمكانياتهم وصفاتهم التي سوف تتيح لهم التغلّب على جميع المصاعب بكل ما تتجسد به من تعقيدات.
ولا يمكن أن يكون الواقع الراهن وما يتعرض له العراقيون هو الصورة الوحيدة التي تجسدهم أو تمثلهم، فالإنسان العراقي لا ينكسر، ولا يتراجع ولا ينكفئ حتى لو كان في أشد الظروف وأحرجها، بل عُرِف عن العراقيين صبرهم وتجلّدهم وتمسكهم بحبال الأمل، وسعهم لمواصلة المسير في اتجاه الخلاص من الظلم والفساد والقهر، وهو ما ثبت في قرون وعقود الاستبداد.
وما يظهر اليوم من معدن أصيل لدى الشباب العراقي، لم يأتِ من فراغ، إنهم امتداد للإمام الحسين الثائر عليه السلام، وهم أبناء علي عليه السلام، هؤلاء هم الذين يتصفون بالحلم والصبر والتحمّل متمسكين بالأمل متفائلين بالقادم الأفضل دائما، وتلكم القيم والصفات التي ورثها شباب العراق عن أئمتهم عليهم السلام، هي التي ستنهض بالعراق من محنته الكبيرة، وهي التي ستنقذه منها، رغم المآسي الهائلة التي أصابت العراقيين، لكن المستقبل مكفول لهم وهم أهلٌ لهذه المهمة الكبيرة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (أنا شخصيّاً متفائل جدّاً بمستقبل العراق، رغم كل المآسي ورغم ما يحدث فيه اليوم).
وطالما الشعب العراقي وشبابه يتميزون بالأمل، فهذه إحدى أهم الاشتراطات لتجاوز المحن، والعبور إلى مستقبل قريب يتميز بالثقة والأمن والسلام والتطور، وانبلاج قيم التقدم التي تهز أركان الفساد والظلم، من هنا فإن عاقبة العراق خير ونجاح، لسبب بالغ الوضوح، يكمن في أن العراقيين متمسكون بالأمل ومتفائلون بالقادم الأفضل كونهم يسعون إلى ذلك بقوة، لاسيما أن الأمل سيقودهم إلى ما يرومون بعيدا عن الشروط والضغوط التي لا طائل من ورائها.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول: (إن شاء الله عاقبة العراق إلى خير. علماً أنّ الإنسان يوفّق بالأمل، وليس بالشروط والضغوط).
العراقيون اليوم يتعقبون خطوات النجاح من خلال صبرهم ومثابرتهم وإخلاصهم وإصرارهم على تجاوز المحنة، وعبورها إلى الـ (سستم) الجديد الذي سينظّم حياتهم في جميع المجالات، ويجعلهم أكثر حنكة وقدرة على إدارة مواردهم وثرواتهم بعيدا عن الفساد والإهدار المقصود أو سواه، فعراق المستقبل هو عراق الأمل والنجاح والسعادة ومواكبة العصر الجديد بكل استحقاقاته.
اضف تعليق