لماذا يجب علينا مضاعفة الإصرار على إيصال الفكر الحسيني إلى أبعد نقطة في العالم؟، إنّ المطلوب منّا جميعا هو جعل راية الإمام الحسين عليه السلام ترفرف في أرجاء العالم أجمع، وهذه مسؤولية جماعية لا يُعفى منها أحد، ولا ينبغي التخلي عنها أو إبداء التردد والتقصير فيها...
يُجمع المهتمون بالشأن العالمي، من علماء ومفكرين وغيرهم، على أن الواقع العالمي يتسم بالتشنج والاحتقان، كنتيجة حتمية للنظام العالمي القائم على قيم تتنافى مع فطرة الإنسان، وتتضارب مع العدالة والحرية والتكافؤ، وتقوم على قيم مادية تدفع بعالمنا إلى حافة الهاوية، نتيجة لظاهرة الجشع والاستحواذ وتكديس الثروات البشرية في أيدي أقلية، فيما النسبة الساحقة تعاني من الفقر وتفشي الجهل والجوع والأمراض.
ومما يؤسَف له أن هذا الواقع المحتقن للعالم، آخذٌ بالتصاعد والاستفحال، في ظل حزمة من القيم الرديئة التي أثبتت فشلها وعجزها عن تنظيم حياة الناس وفق معايير عادلة ومتكافئة، الحل يكمن في الاستفادة من ثقافة عاشوراء التي تنبثق من القيم الحسينية المناسبة لتحييد مشكلات العالم، والتمايز الطبقي الذي يفتك به، وانتشار الوباء المادي الذي يسعى لتحويل الأكثرية البشرية إلى آلات تطيع ما تؤمَر به من قبل أقلية (شركات وأفراد وحكومات)، تحت شعارات مزيّفة.
عالمنا اليوم بحاجة إلى قيم عاشوراء، ولكن هناك نسبة ليست قليلة من سكان الأرض لا يعرفون هذه القيم، بل هناك في الدول الإسلامية من لم تصل إليه القضية الحسينية، والنهوض ضد الظلم ومقارعة الطغيان الأموي، توجد أسباب كثيرة ساعدت على عدم وصول الفكر الحسيني إلى بقاع العالم المختلفة، منها المصاعب والمشاكل التي تواجه العاملين في هذا الهدف، فكل من يسعى لنشر النهضة الحسينية سوف يواجه مصاعب جمّة بعضها قد يقوده إلى السجن أو حتى لفقدان حياته، ولكن في المقابل هنالك ثواب ربّاني كبير لمن لا يتراجع عن هذا الطريق.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمته التوجيهية القيّمة لمناسبة شهر محرّم الحرام 1441 للهجرة: (إنّ قضية الإمام الحسين عليه السلام فيها مشاكل ومصاعب منذ نشأتها وحتى اليوم، وقد وعد الله تعالى بالثواب العظيم والدرجات العالية لكل من يخدم في طريق الإمام الحسين عليه السلام، فأيّة مشكلة نواجهها وأي بلاء يحلّ بنا وأي صعوبة تنزل لا تكون من دون أجر وثواب).
خطوات لنشر قيم عاشوراء
لماذا يجب علينا مضاعفة الإصرار على إيصال الفكر الحسيني إلى أبعد نقطة في العالم؟، إنّ المطلوب منّا جميعا هو جعل راية الإمام الحسين عليه السلام ترفرف في أرجاء العالم أجمع، وهذه مسؤولية جماعية لا يُعفى منها أحد، ولا ينبغي التخلي عنها أو إبداء التردد والتقصير فيها، ربما بعض العاملين في طريق النهضة الحسينية ينتابهم التردد أو الخجل وهم ينشطون في التبليغ أو غيره من الوسائل والأفعال التي تسهم في نشر الفكر الحسيني عالميا، ولكن علينا جميعا أن نعرف بأن الثواب الإلهي يتناسب طرديا مع ما نقدمه من مساهمات في هذا المجال.
يُضاف إلى ذلك إن العمل في ترويج القيم الصحيحة، وإيصالها إلى المناطق والمجموعات البشرية التي تجهلها، يعد من الأعمال الكبيرة التي تستحق أفضل الجزاء، كون هذه النشاطات تساعد على تغيير القيم عالميا وتجعل حياتنا أقل احتقانا وتشنجا، لأن قيم النهضة الحسينية تجعل الجميع يعتمدون العدالة والحرية والإنصاف في التعاملات المتبادَلة سواء بين الدول والحكومات وحتى بين الأفراد مع بعضهم البعض، لذا يجب أن نُسهم جميعا في نشر الفكر الحسيني عالميا.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (إذا لم ترفرف راية الإمام الحسين صلوات الله عليه في العالم كلّه سنكون أنا وأنت من المقصّرين وتبقى المسؤولية قائمة، وحتى القصور في ذلك الذي نتيجته الخجل، هذا القصور يقلّل من الدرجات في يوم الآخرة).
ولكن ونحن نحثُّ الخطى قُدُما في طريق الإمام الحسين عليه السلام، هناك معايير وحدود وتوجيهات يجب علينا أن نلتزم بها، فالعمل من أجل تعميق ونشر وتعميم قيم عاشوراء، علينا أن نفهم ونعرف بأننا نعمل لتثبيت الإسلام، وهذا الأمر لا ينبغي أن يتم بقوة السلاح أو الإكراه، لأن قدوتنا في ذلك القائدان العظيمان النبي محمد صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام، فقد كانت سياسة نشر الإسلام في عهديهما تقوم على ما يختاره الآخر وليس بالقسر أو الإجبار.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (في طريق الإمام الحسين عليه السلام علينا ألّا نقوم بتثبيت الإسلام بالقوّة والسلاح لأنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل ذلك وحتى أمير المؤمنين، فقد كانوا صلوات الله عليهما وآلهما يبلّغون وينشرون الدعوة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
إثابة العاملين في طريق الحسين
ولكن علينا أن نفهم تمام الفهم، بأن الجزاء الكثير الوفير الذي يحصل عليه العاملون في طريق الحسين عليه السلام، سوف يكون كبيرا يوم يُجزي الله تعالى عباده الكرماء على أعمالهم وإخلاصهم للقيم الحسينية العظيمة، لدرجة أن الحسرة سوف تطول كل من قصّر في نشر هذه القيم، أو تردد في دعم الفكر الحسيني وتخلى أو عمل في خجل أو خوف، لأن (الأجر على قدر المشقّة) كما هو معروف، لذا على الأحياء أن يستثمروا فرصة بقاءهم على قيد الحياة، وعليهم أن يبادروا ولا يترددوا في جعل راية الإمام الحسين عليه السلام تصل إلى أبعد مكان مأهول في العالم، علينا أن نصبر ونتحمّل ونكافح البلاء لنمضي إلى الأمام في نشر الفكر الحسيني، لمساعدة العالَم اليوم على تغيير نظامه وسياساته الفاشلة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (في يوم القيامة سوف نرى أشخاصاً عملوا أكثر منّا – للإمام الحسين- وتحمّلوا المصائب ونزل عليهم البلاء وكانت لهم منزلة عالية فنغبطهم ونتحسّر على ما فاتنا).
من الأساليب والخطوات الواجب أن يلتزم بها كل من يعمل في طريق الإمام الحسين عليه السلام، هو عدم منع أي إنسان يريد أن يخدم في هذا الطريق، وقد ناشد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) جميع العاملين المخلصين المؤمنين والساعين في طريق الإمام الحسين، أن يتجنبوا طرد أي إنسان يسعى لتقديم الخدمات في المواكب والحسينيات وسواها، حتى لو كانت هناك مؤشرات غير جيدة عن هذا الشخص أو ذاك، فمجرد إعلان رغبته في إبداء الخدمة والعمل في طريق الحسين، على الجميع قبول عمله هذا وعدم التعرض له أو منعه مما يريد أن يقدمه في هذا المجال.
هذه هي وصية سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حيث يقول في هذه الوصية: (الكلمة الأخيرة أوجّهها إلى جميع العاملين في شهري محرّم وصفر، والموفّقين للخدمة، سواء كانوا من الأساتذة والطلبة الفضلاء أو أساتذة الجامعات أو الأعزّة الغيارى الخادمين في طريق الإمام الحسين عليه السلام أو أصحاب المواكب وأصحاب الحسينيات وأصحاب المجالس، هؤلاء أوصيهم بأن لا يطردوا أحداً من أماكن الخدمة وإحياء الشعائر الحسينية، على الإطلاق، حتى إذا كان يسبب مشاكل بحسب نظرهم).
وبهذا بات من الواضح أن الفكر الحسيني وقيم عاشوراء، لم يصلا إلى كثيرين، وأن عالمنا اليوم بحاجة ماسة إلى نظام عالمي بديل، ينبذ القيم المادية الصرفة، ويجعل من القيم التي تراعي الجانب المعنوي والروحي نسبة متوازنة من الاهتمام، حتى تسود العدالة بين الدول والجماعات والأفراد، ولا تنحصر الثروات العالمية في مجموعة قليلة قياسا إلى عدد سكان الأرض الذي فاق الـ 7 مليارات نسمة، ورغم التقدم المادي التكنولوجي الهائل في الميدان الصناعي والإلكتروني، لا يزال العالم يعاني من الفجوات الطبقية ويتسبب ذلك بالمجاعات وانتعاش الفقر، وفي هذا تناقض صارخ، فكلما تقدم العالم تكنولوجيا زادَ الفقر وعمّ الظلم، وهذا ما يعزز التوجّه نحو القيم الحسينية التي تُنصف الناس جميعا.
اضف تعليق