خُلق الإنسان وخُلِقَتْ معه طاقات، يتوقَّف نجاحه على طريقة وأسلوب استخدامه لهذه الطاقات، فإن استثمر ما مُنح له من مواهب وإمكانات بطريقة صحيحة، فإنه سوف يقطف ثمار هذه الاستخدام الجيد، والعكس سوف يصحّ حتما، ولكن كيف للإنسان أن يستثمر طاقاته بالصورة الدقيقة التي تمنحه نتائج باهرة...
خُلق الإنسان وخُلِقَتْ معه طاقات، يتوقَّف نجاحه على طريقة وأسلوب استخدامه لهذه الطاقات، فإن استثمر ما مُنح له من مواهب وإمكانات بطريقة صحيحة، فإنه سوف يقطف ثمار هذه الاستخدام الجيد، والعكس سوف يصحّ حتما، ولكن كيف للإنسان أن يستثمر طاقاته بالصورة الدقيقة التي تمنحه نتائج باهرة، هل هناك عوامل مساعدة في هذا النوع من الاستثمار أو شروط أو ضوابط بعينها؟
علّمتنا تجارب الماضي والحاضر، أن هناك عوامل ومرتكزات أساسية يمكنها أن تساعد الإنسان على بلوغ الدرجة المطلوبة من التميّز والتوفيق، وهناك عوامل أخرى تلحق بالإنسان أشد درجات الإحباط، فما هو أهم عامل أو صفة يجب أن يتحلّى بها الإنسان حتى يكون بمقدوره استثمار طاقاته على النحو الأجود؟
لكل إنسان قابلية ضمن مواصفات وحدود، وكل ما كانت قابليته عالية وقادرة على التوظيف الأعلى والأدق لطاقاته ومواهبه وخبراته، كان التوفيق حليفه، لكن يبقى هناك مرتكّز هو الأقوى والأهم الذي يضمن للإنسان استخدماً باهراً لطاقاته، ونعني بهذا المرتكز أو الشرط هو (الإخلاص)، فمَن يخلص في حياته ويجعل الإخلاص رديفا قائما لأعماله ونيّاته ومشاريعه المختلفة، فإنه سيكون ضامنا لدرجة عالية من الاستثمار الجيد لطاقاته.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يؤكّد في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة على: (إنّ التوفيق من الله عزّ وجلّ. ولكن هذا التوفيق، ومقدار التوفيق، وحجم التوفيق، يأتي ويناله الإنسان بمقدار قابليته).
الجميع حين يولدون، تولَد معهم طاقاتهم، ويبقى على الإنسان أن يستثمر هذه القدرات، هناك من ينجح، وآخر يفشل، الأخير لم يفشل لأنه ليس لديه طاقات، بل السبب يعود إلى طبيعته الخاملة، أو الكسولة، أو عدم التشبث بالمعرفة، حتى يكون قادرا على تشغيل قابليته بالصورة الصحيحة، ليس هناك إنسان بلا مواهب وطاقات، لكن الفارق بين شخص وآخر، يعود إلى مدى استعداد الإنسان نفسه لتوظيف وتحريك إمكانياته التي وهبها الله تعالى له، هذه النقطة بالذات هي التي تجعل شخصا ما ناجحاً متميزا، وتجعل من قرينه فاشلا ومحبطا.
نجاحنا مرهونٌ بإخلاصنا واستثمار طاقاتنا
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول):
(الله تعالى منح الناس، قابليات وطاقات، وبقدر استفادة الإنسان من الطاقات التي منحها الله تعالى له، وعلى قدر ما يبذله منها، يأتي التوفيق من الله تبارك وتعالى).
كذلك هنالك النيّة في استخدام قابلية الإنسان وقدراته، فهناك من يستخدمها لأهداف تخدم البشرية، وآخرون ربما لا يفكرون إلا بأنفسهم، أي أنهم ينطلقون من رؤية ونظرة أنانية لاستثمار طاقاتهم، وهذا النوع من البشر لا يمكن أن ينال التوفيق في نهاية المطاف، بل هؤلاء الذين لا يضعون في حسبانهم إلا مصالحهم، وبعضهم يتجاوز حتى على حدود الآخرين، هذا النوع من الناس لا يمكن لهم النجاح.
فمن يبتغي التوفيق عليه أن يبدأ بنيّة صالحة، ولابد أن يضع في خريطة العمل التي يسير عليها، ماهيّة ودرجة الرضوان الإلهي عن نتائج أعماله وطاقاته، هل هي في صالح الناس، هل يرضى الله تعالى عنها، هل الإخلاص يتقدّم هذه الأعمال؟، هذه الشروط لابد أن تتوافر في الأعمال التي يروم الإنسان القيام بها، وينتظر منها النجاح في حياته، أما إذا كان هدفه غير ذلك، ولا تعنيه حقوق الناس، ولا يعنيه الإخلاص لله ولأئمة أهل البيت عليهم السلام، فلا يمكن أن ينجح في مسعاه ولا في أعماله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه):
(على الإنسان أن يهتمّ بنيّته، وبإخلاصه، وبتوجهه، ويعرف جيّداً كم، وبأية نسبة، وبأي مقدار، يتوجّه في الأمور المذكورة، إلى الله تبارك وتعالى، وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم، في أعماله وأقواله).
بطبيعة الحال نحن جميعا، لاسيما أصحاب العقول الراجحة والمعارف الرصينة، هؤلاء تقع عليهم مسؤولية التوضيح والإرشاد والنصح، كما إنهم مطالبون دائما برفع معنويات الناس الذين يتلكّأون لسبب أو لآخر في أعمالهم، لابد لنا أن نساعدهم، وندعمهم معنويا وإرشاديا حتي يكون في مقدورهم الالتحاق بالناجحين المتفانين في عملهم، أولئك الذين لا يتوانون في وضع قدراتهم وخبراتهم ومواردهم في خدمة الآخرين، تحسينا وتطوراً وإرشادا.
ينصح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(حاولوا أن تصعّدوا المعنويات عند الناس، حتى يكون لكم أجر أكبر وأكثر عند الله جلّ وعلا، وعند أهل البيت صلوات الله عليهم).
أعمالنا بين الثواب والعقاب
ولعل النقطة الأهم التي يجب علينا جميعا أن نتنبّه لها ونلاحظها بدقة واستمرار، هي ما نؤديه من أنشطة وحركات وأفكار وأعمال في حياتنا، مهما كانت طبيعة تلك الأنشطة والفعاليات الفكرية أو العملية، وأيّاً كان حجمها، صغيرا أو كبيرا، فالإنسان محاسَب على كل ما يقوم به من أعمال، وعلى كل ما يتفوّه به من أقوال، وعلى كل ما يطرحهُ أو يدوّنهُ من أفكار.
لا شيء من الأفعال، والأقوال، والأفكار، يذهب في حال سبيله بلا حساب، ففي الآخرة نحن سنقف في محكمة الحق الإلهي، هناك سوف تُعرَض علينا أعمالنا، أقوالنا، أفكارنا، وسوف نجزى عليها بحسب النتائج التي أبرزتها، فإن كانت من الطراز الحسن الجيد سننال ما نستحق عليها، وإن كانت العكس – لا سمح الله- فعلينا أن نعلم بأنها لن تمرّ من دون حساب.
كما أن كل هذه الأعمال والأقوال والأفكار، مهما بلغت من الصِغَر، فإنها سوف يتم تكبيرها، لتصبح في غاية الوضوح لأصحابها أو القائمين بها، فلا شيء يضيع أو يذهب بلا ثوابٍ أو عقاب، بحسب النتائج التي يظهر منها في حياة الإنسان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في معرض إرشاداته القيّمة، مؤكّداً: (اعلموا إنّ كل صغيرة وكبيرة تقومون بها في الدنيا، يتمّ التركيز عليها في الآخرة، كما تركّز المكبّرة حرارة الشمس على الورقة الموضوعة تحتها فتحرقها. وقال الله تبارك وتعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). سورة الزلزلة: الآيتان 7و8.
وبعد أن عرفنا بأنّ لدينا طاقات مرافقة لخَلْقنا، وأن الإخلاص هو العامل الأعظم الذي يدفعنا للنجاح في استثمار طاقاتنا، وأننا محاسبون على كل صغيرة وكبيرة، شاردة وواردة، نفعلها في حياتنا، فبات علينا أن نتوخى الحذر بجدّية كبيرة في أعمالنا وأقوالنا وأفكارنا، لأننا محاسبون عليها.
وهذه الاستنتاجات الدقيقة، يجب أن تصبح خريطة طريق لنا في حياتنا، وعلينا أن نتأكد ونتقصَّد أيضا بأن تكون أعمالنا، وكل ما نأتي به من نشاط في حياتنا، يُضاف إلى حسناتنا، وهذا بالطبع يتأتى من خلال الالتزام الكبير بركيزة (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، وأن نسعى بكل ما نمتلك من خبرات ومؤهلات لإرشاد أقراننا والعاملين معنا، وذلك بعد أن نكتمل من إرشاد أنفسنا.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(إذن اجعلوا في ملفّ حسناتكم في الآخرة أن تكونوا سبباً في هداية وإرشاد أكبر عدد ممكن من أقرانكم من الشباب. هذه هي وصيّتي لكم جميعاً).
وهكذا بات من الواضح لنا، أننا نقف أمام مسؤولية نتائج رحلة الحياة التي نقطعها بدءاً من الولادة حتى الممات، هذه الرحلة ستكون لنا فيها نشاطات مختلفة، يجب أن تكون صالحة، محكومة بالإخلاص، والنيّة الصحيحة، حتى تكون خاتمة الإنسان مطمئنة وهو يلاقي أعماله ونواياه وأفكاره أمام عينيه عند الحساب الذي لا يمكن الخلاص منه، ما يعني أننا مطالبون برحلة صالحة في الحياة.
اضف تعليق