يدعو سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، الكبار إلى مخاطبة الشباب بألسنتهم ومستوياتهم، حتى يكون استيعابهم للأفكار والمبادئ والعقائد التي نعلّمهم إياها ممكنا وصحيحا في نفس الوقت، وعلينا أن لا ننسى بأن الغاز مادة سريعة الاشتعال وعلينا أن نحتاط بجدية وحرص واهتمام كي لا تحرقنا...
التركيز على الشباب، توعيةً وتثقيفاً، صار الهدف الأول والأهم لدى الأمم والمجتمعات التي تروم الانتقال من خانة التخلف إلى نقيضه، ووجدت في تطوير مهارات الشباب طريقها الصحيح، ولأن شريحة الشباب تعدّ من النسب العالية في البلدان الإسلامية، صار الآخرون المعادون للمسلمين يركزون على هذه الشريحة ويخططون لتعطيل طاقاتها وقدراتها!.
ما يقدّمه الأعداء من أموال لكي تنمو الظواهر المنحرفة بين الشباب يصل إلى مبالغ كبيرة، والهجمات الشرسة التي تُشنّ ضد الشباب المسلم كبيرة وغير مسبوقة، كلّ هذا يتم وفق برامج وخطط مسبقة، يضعها متخصصون، وتأتي في سبل ووسائل وأساليب مبتكرة، تبغي زرع ونشر ظواهر الانحراف المختلفة، بين الأوساط الشبابية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيمة:
(من الأمور المهمّة جدّاً اليوم، للجميع، هي قضية الشباب وتربيتهم. فالهجمة شرسة وواسعة وبمليارات من الأموال، لتحريف شباب الشيعة في العالم كلّه).
وطالما عرفنا بطبيعة الهجمة الشرسة التي ترمي إلى شل طاقات الشباب، وتحييد مواهبهم، وزجّهم في أتون الفراغ والموت، عبر تدمير قدراتهم، فهذا الواقع المفروض على شبابنا يستدعي وقفة من جميع المسؤولين، بدءاً من الآباء، وقادة النخب المختلفة، وأصحاب المؤسسات الخيرية وغيرهم، على أن تتم هذه الوقفة على شكل حملات مبرمجة ومتخصصة، تمنح شبابنا فرصا لحماية أنفسهم وأدمغتهم من حملات التشويه والتسطيح التي تشنها جهات معادية، لا يروق لها تقدّم الشباب المسلم وتميزه، وامتلاكه زمام المبادرة للنهوض بالأمة.
ولكن هذه الأفعال التثقيفية يجب أن لا تكون عشوائية، ولا ينبغي لها الانجراف في منحدرات الفوضى الفكرية أو العقائدية، بل لابد أن تجري هذه النشاطات وفق خطط يتم تصميمها والبرمجة لها مسبقا.
أولويات البرامج الإرشادية للشباب
على أن تقوم ركائزها على فكر وعقائد أئمة أهل البيت ومبادئهم، بالإضافة إلى الأخلاق التي تبثها سيَر أهل البيت عليهم السلام، فالبرامج الإرشادية للشباب ينبغي أن تُستمَد من منابعها الأصيلة حتى تكون نتائجها مضمونة، ومن الأهمية بمكان أن يراعى في ذلك الموازنة، وعدم الإفراط أو التفريط في مهمة إرشاد الشباب ومضامينها وأهدافها.
هذا ما أكّد عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(يجب الاهتمام بقضية إرشاد الشباب عبر أمرين، الأول: عقائد أهل البيت صلوات الله عليهم. والثاني: أخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم. بلا إفراط وبلا تفريط، وبلا زيادة وبلا نقصان، أي في إطار أهل البيت صلوات الله عليهم).
ولا يصحّ النظر إلى المهمة الإرشادية على أنها سهلة المنال، بل العكس هو الصحيح، ذلك أننا إذا استسهلنا الأهداف فلا يمكن أن نحققها بالسهولة نفسها، لذا علينا أن نهيّئ أنفسنا وقدراتنا وحتى توقعاتنا لصعوبة نيل الهدف المُرام، حتى نكون على أهبة الاستعداد لبلوغه، بأسرع وأدق وأنضج السبل.
الجدية يجب أن تكون المرتكز الأول الذي ننطلق منه نحو أهدافنا الإرشادية للشباب، ولابد من تطوير الاجتهاد وجعله في مستوى ما ننشده من معالٍ، وهذا ما يستدعي تضافرا فعليا كبيرا لجميع الجهود المتاحة لنا، كي ننقذ شبابنا، ونضع خطواتهم في جادة الإرشاد السليم، منطلقين في ذلك من المنبع الأصيل للعقائد والأخلاق ونقصد به ما ينضوي في إطار فكر ومبادئ أهل البيت عليهم السلام.
لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن:
(قضية إرشاد الشباب بحاجة إلى تضافر الجهود، وبحاجة إلى الجدّ والاجتهاد، وبحاجة إلى تطوير البرامج في إطار أهل البيت صلوات الله عليهم).
ومن بين أهم الأساليب التي تستخدم في توعية الناس من أية فئة عمرية كانت، هو أن تأتي المضامين والأفكار والعقائد، واضحة سهلة ومفهومة من الطفل والشاب والرجل الكبير والمرأة، فالأسلوب الجاف أو المعقد أو المتعالي لا يؤتي أُكُلُه، بل على العكس من ذلك، تذهب كل المساعي والجهود سدىً.
لذلك حين تتحدث مع الطفل وتريد أن ترتفع بوعيه وأفكاره، عليك أن تقدر حجم طاقته الاستيعابية، وهل يمكن لذهنه أو عقله هضم الكلمات والجمل والأفكار التي نسعى أن نوصلها لعقل الطفل حتى يستفيد منها، وهذا يُلزم الكبير أن ينزل إلى مستوى الصغير وليس العكس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(من كان عنده طفل فليتكلّم معه بلسانه، لا أن يقوله له اصعد وكن بمستواي أنا).
الاستيعاب العقائدي الفكري المتدرِّج
من البديهيات المعروفة، إن تدرّج الاستيعاب الفكري يبدأ من سن الطفولة، ثم يرتقي إلى الشباب، ومن ثم يرتفع منسوب الاستيعاب لدى الكبار بحكم التجارب وسعه الإطلاع ورزانة العقول، لذلك على المعلمين بمختلف مسمياتهم وعناوينهم أن يفهموا الشباب أولا ويغوصوا في دهاليز عقلياتهم، ومن ثم يتصرفوا وفقا لهذا الفهم المسبق لعقول الشباب وطرق تفكيرهم، وقدرتهم على الفهم.
علما أن الكبار مطالبون بقضية أخرى عليهم إدراكها، وهي طبيعة نظرة الشباب إلى الكبار، فمن غير الممكن ولا المنطقي أن تطالب الشباب بفهم عقلية الكبير وما يضمره من أفكار وأهداف، ولكن الكبار عليهم أن يفهموا الشباب.
هذه المهمة تقع على عاتق الكبار بحكم المسؤولية أولا، ومن ثم بحكم الخبرات وتراكمها لدى الكبار، ورجاحة العقل التي تُكتسَب من تقادم العمر، بالإضافة إلى تعدد وتراكم التجارب والخبرات التي يكتسبها الكبار، وهذا يجعلهم أكثر قدرة على الشباب، باعتبارهم قد مرّوا في هذه المرحلة العمرية وخبروها جيدا، لذلك علينا (الكبار) أن نعامل الشباب كما نفهمهم وليس كما يفهمونا، ويجب علينا أن نخاطبهم بلسانهم ومستواهم في الفهم والخبرة والتجربة والاستيعاب.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:
(الكبير يفهم الصغير، ولكن الصغير لا يفهم الكبير. والكبار يفهمون الشباب، والشباب لا يفهمون الكبار. وهذا أمر يجب معرفته جيّداً، وأن نعامل الشباب كما نحن نفهمهم).
ويشبّه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) كل الشباب من الجنسين، بأنهم أصحاب تطلعات متنوعة، ولديهم أيضا شهوات مختلفة، ومرحلتهم العمرية هذه تتيح لهم نوع من الحماسة المتأججة، وتوقد طاقاتهم، وتجعلها كفتيل النار من الممكن أن يشتعل في أي لحظة، حيث يمر الشاب في مرحلة الحماس، وتأجيج الرغبات، وتزاحم التطلعات وتكاثر الأحلام، فيجعلهم كل هذا في حالة من الاستعداد للاشتعال والانحراف.
لدرجة أن سماحته يصفهم كـ (الغاز) الذي يمكن أن يشتعل لنستفيد منه في طبخ طعامنا، ويمكن أن ينحرف إذا أسأنا استخدامه فيشتعل ويحرق أجسادنا ويزهق أرواحنا ويدمر ممتلكاتنا، لذلك علينا أن نضبط حركة الشباب، وأن نساعدهم كي تكون هذه التحركات والأنشطة في الاتجاه والميدان الصحيح، فالخطأ في توجيه الشباب لا يختلف عن الخطأ في كيفية الاستفادة من الغاز بشكل صحيح.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الشباب لهم تطلّعات وشهوات وأفكار، بنين وبنات. وهؤلاء كلّهم بمنزلة الغاز. فإذا ضبطنا الغاز فسنستفيد منه في التبريد وفي التدفئة وفي غيرها من الأمور الإيجابية والجيّدة، ولكن إذا لم نضبطه، فسيحرق كل شيء).
ومما تقدّم، يدعو سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، الكبار إلى مخاطبة الشباب بألسنتهم ومستوياتهم، حتى يكون استيعابهم للأفكار والمبادئ والعقائد التي نعلّمهم إياها ممكنا وصحيحا في نفس الوقت، وعلينا أن لا ننسى بأن الغاز مادة سريعة الاشتعال وعلينا أن نحتاط بجدية وحرص واهتمام كي لا تحرقنا.
اضف تعليق