يتفق الجميع على أن الثروات والموارد الطبيعية التي تزخر بها ارض المسلمين، بإمكانها ان تجعلهم من اغنى امم وشعوب العالم، ولكن ما يحدث في الواقع المعيشي والاقتصادي للمسلمين، هو عكس ذلك تماما، فالمسلمون في دولهم الاسلامية التي تتوزع بقاعا واسعة من الارض، يعيشون في حالة من العشر والفقر واضحة ومؤلمة، على الرغم من انهم يعيشون في بلدان تطفو على موارد معدنية هائلة كالنفط على سبيل المثال.
فأين يكمن السبب في ذلك، لاشك أن فشل الحكومة في ادارة موارد المسلمين في اية دولة اسلامية يقع في مقدمة الاسباب التي تضاعف من فقرهم، ولعله من الاسباب الأساسية التي جعلت الدول الاسلامية والمسلمين عموما، يعيشون في حالة العسر والضيق والاقتصادي، أن حكوماتهم فشلت في ادارة ثرواتهم ومواردهم، وأن حكامهم في الغالب لا يعملون وفق الضوابط الاستشارية التي أقرّها الاسلام في تعاليمه الواضحة، وكان على المسلمين محاربة ومكافحة الفساد السياسي وعزل السياسي الفاسد عن العمل في السياسة، لكي تتخلص الساحة السياسية تماما من الفساد السياسي بكل انواعه، حتى تنعم الدول الاسلامية بعدالة السلطات، وبالنظام الذي يتيح لهم حياة أفضل مثلما تعيش الدول المتقدمة.
ويذهب المعنيون الى أن هناك نقطة او صفة مشتركة بين معظم الحكام الفاسدين والفاشلين في ادارة السلطة، أنهم يجيدون الكلام المعسول، ويتقنون بث الامنيات بين الناس، ويكررون مفردات وجمل تتحدث عن (الخير الآتي)، ولكن ما يفضح هذا الاسلوب المحتال هو الجوهر المخادع للحكام، حيث تفضحهم ساحة العمل الملموس دائما.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب (من عبق المرجعية)، بهذا الخصوص: (لا يكفي للحاكم ان يقول انني حاكم اسلامي، بل لابد ان يكون مستندا الى القرآن والسنة، فما لم يؤيده القرآن والسنة والمعصومون عليهم السلام، ويقولون انه من عند الله، فهو في واقعه غير اسلامي، وإن تسمى بالاسلام)، فلا شك أن هناك تمسكا كبيرا بالشكل من لدن السياسيين الفاسدين، من خلال لجوئهم الى اساليب فاسدة في ادارة معظم شؤون الدولة، وذلك طمعا بالمكاسب والمنافع التي تكون في الغالب مادية بحتة تخص الحاكم نفسه وحاشيته وعائلته، كما ثبت ذلك بالأدلة القاطعة.
توكيل السلطات لمن يستحقها
في تجارب المسلمين مع السلطة، انهم قد يمنحون السلطة لبعض الساسة غير المؤهلين لقيادتهم، لأسباب كثيرة، لأن ادارة السلطة بصورة سليمة تستدعي توافر مؤهلات قيادية، تتقدمها الحكمة والعلم والتوازن والذكاء والعدالة وما شابه من صفات، تساعد صاحب السلطة على ادارتها بصورة سليمة ومفيدة في نفس الوقت، لذا لا يصح أن تُعطى السلطة لكل من هبّ ودب، إذ ينبغي أن تكون هناك مواصفات وضوابط مهمة ومعروفة ومشرّعة تتواجد في شخص الحاكم ومعاونيه، لكي يصلح لإدارة شؤون المسلمين وفقا للمبادئ والتعاليم والصفات التي أقر الاسلام بضرورة تواجدها في شخصية الانسان لكي يصلح لقيادة الناس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (مواصفات الحاكم الاسلامي انه رجل مؤمن متفقه في الدين تماما يعرف شؤون الدنيا ويتحلى بالعدالة التامة فمهما توفرت في الانسان هذه الشروط ورضي به اكثر الناس صار حاكما واذا فقدت احدى هذه الشروط عزل عن منصبه فورا ولكن اذا لم ترض الامة ببقائه رئيسا حق لهم تبديله الى غير ضمن جمع الشرائط).
علما أننا نتفق جميعا أن قلة خبرة السياسي ستقوده الى الفشل في ادارة موارد الدولة، ومن ثم زيادة الفقر للشعب على الرغم من ان موارد الدولة كبيرة وواسعة، من هنا لابد من اعطاء السلطة للمؤهلين لها فقط من السياسيين، لذلك في ضوء المواصفات السليمة التي يجب أن يتحلى بها السياسي او القادة عموما، ستكون هناك دولة مدنية قوية، قائمة على سلطة المؤسسات وقدرتها على ضبط ايقاع الحكم، وجعله لا يتعلق بقرارات فردية طائشة او متسرعة، كما يحدث دائما في ظل الانظمة الفردية والحكام الطغاة.
من هنا في الغالب نجد أن قوة الاقتصاد مرتبطة بالنظام الاستشاري للدولة، بمعنى كلما اقترب النظام من الاستشارية كلما كانت القدرة على بناء اقتصاد متطور، حاضرة بقوة، الامر الذي يساعد على تنقية السياسة من الفساد، فيتم مكافحة فساد السياسة والساسة الفاسدين في اطار دولة يسودها النظام الدستوري الاستشاري المنضبط، هنا تتحقق الركائز الاقتصادية القادرة على محو الفقر، وبناء الانسان ماديا ومعنويا، فيغيب الفقر كليا، كما حدث في ظل حكومات اسلامية قوية يؤكدها التاريخ الاسلامي في حلقاته المشرقة.
لهذا السبب يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور اعلاه: (حتى الكافر في الاسلام، حين يسأل الناس... يكون هذا أمرا غريبا!)، وتقل حالات الفقر في دولة كهذه، بل تنتفي حالات الفقر كليا، بسبب حركة الاقتصاد الفاعلة والمتنامية، حيث تتاح فرص العمل للجميع، ويسود نظام تكافؤ الفرص، مع الحفاظ على القدرات والمهارات الفردية، بمعنى أن المساواة وتكافؤ الفرص لا تمحو التفوق المهاري للفرد، بل هناك رعاية للجميع وفقا لقدراتهم ومهاراتهم، في مجالات الحياة كافة.
مكافحة السياسات السلبية
من الامور التي يتفق عليها الخبراء في السياسة، هي قضية عزل السياسي العاجز، وغير القادر على ضبط نفسه ومعيته من معاونين ومستشارين واداريين، من التجاوز على المال العام، لاسيما ان هناك طرقا وسبلا ما انزل الله بها من سلطان، للتحايل والاختلاس وعقد الصفقات الوهمية والمشبوهة، كل ذلك سيؤدي الى زيادة مساحة الفقر وتقليص مساحة الرفاهية بطبيعة الحال.
فلا شك ان مكافحة الفساد وعزل الساسة الفاسدين، تتطلب جهدا استثنائيا تخوضه النخب ضد الفساد السياسي، وعندما يتحسن الاقتصاد، فإن فرص القضاء على الفساد تكون أفضل بكثير، ولعل المفارقة الكبيرة تتمثل بالارتباط والتداخل القسري بين السياسة والاقتصاد، بمعنى ان الاقتصاد وتحسينه يرتبط بقرارات الساسة أنفسهم، لذا قلما نجد حاكما او سياسيا فاسدا يقدم على اتخاذ قرار اقتصادي سليم، بل دائما يحاول مثل هؤلاء الحكام تقزيم الاقتصاد وتحجيمه لكي يحصر الفوائد به وعائلته وبطانته والمقربين منهز
أما عامة الشعب فإنهم دائما معرضون للفقر مضافا الى القمع وسواه، لهذا ينبغي أن يتحسن الاقتصاد لكي تصبح حالة مقارعة الفساد السياسي أفضل، وحينذاك سوف ينعدم او يقل الفقر شيئا فشيئا، بسبب السياسة الاقتصادية السليمة والعادلة.
وهنا تحديدا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل؟). بمعنى أن السياسة العادلة تقود دائما الى انتفاء الفقر.
وسوف يتحقق هذا عندما تصبح الحكومات في الدول الاسلامية (إستشارية) وهذا مصطلح اورده الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتاباته الكثيرة بهذا المجال، وهو مصطلح يقابل (الديمقراطية) ويتفوق عليها من حيث التطبيق، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه، على أن: (الحكومة الاسلامية حكومة استشارية). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي ايضا: إن (الاستشارية نظام متفوق على نظام الديمقراطية، على ما أوضحه الامام الشيرازي - رضوان الله عليه- في كتبه)، لذلك من اجل القضاء على الفقر، وفسح المجال امام رفاهية الامة، لابد أن يكون العاملون في السياسة مؤهلين لاستلام السلطات وادارتها، بعيدا عن الفساد وأكثر قدرة على بناء الدولة القوية، من خلال القدرة على مكافحة الفساد السياسي، وتقليل نسبة الفقر الى اقصى حد ممكن.
اضف تعليق