السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة بشأن أوضاع العراق، وخطوات المعالجة، كيف وماذا نفعل لانتشال العراق من مأزق الأوضاع الراهنة التي فُرضَت عليه؟، ومن هو المسؤول عن المشاركة في إنقاذ العراق والعراقيين مما يمرّون به من مآسٍ وويلات؟؟، الجواب، ليس هناك أحد مُستثنى من المسؤولية...
ما يمر به العراق والعراقيون اليوم من أوضاع صعبة، يتطلّب تدبّرا وتبصّرا وقراءة علمية تفكك التداخلات المعقدة في الوضع العراقي، والجهود التي تجيء في هذا الإطار، يجب أن تكون استثنائية، تضاهي بقوتها وعلميتها وجديتها درجة الاستعصاء والتعقيد في الأوضاع العراقية.
شعب العراق يشهد له التاريخ القديم والمنظور والحديث أيضا، فشعبه كما تُفصح سجلات التاريخ، شعب نادر، وقف بوجه أكبر إمبراطورية في مطالع القرن العشرين، بريطانيا التي كانت تحكم العالم، وكان يخضع لها جيوش كبرى من البشر كما في الهند والصين، وكان في حينها نفوس العراق لا تتجاوز 5 ملايين نسمة، ومع ذلك لقّن العراقيون الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها، درسا لا يُنسى، فكل من قرأ التاريخ يفهم هذا الدرس ويقرّ باستثنائية هذا الشعب، إعادة الأمور إلى نصابها، ليس سهلا، يستدعي جهودا جبارة على الأصعدة كافة، الكل مسؤول عنها، تبعا لحجم مسؤولياته.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يؤكد في إحدى كلماته التوجيهية المهمة على:
إن (العراق بحاجة إلى شدّ حزام من قِبَل الجميع. فالعراق مظلوم، والشعب العراقي مظلوم. وقد ضرب هذا الشعب قبل قرن مثالا لا نظير له في التاريخ، وهذا يدركه ويفهمه من يعرف التاريخ).
ويضيف سماحته (دام ظله):
(في ثورة العشرين المجيدة، كان نفوس العراق خمسة ملايين، وكانت بريطانيا أقوى قوّة على وجه الأرض وكانت تسمّى بالتي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها. ولكن هذا الشعب الضعيف انتصر بإيمانه وقوّته على بريطانيا).
ما يعيشه العراق اليوم أمر محزن، فهذا الشعب صاحب الأمجاد المشهودة، وصانع التاريخ الاستثنائي، لا يستحق ما يتعرض له اليوم من ظلم، صنعتهُ آفات الفساد التي ما تفتأ تعيث به وتوغل في استنزافه، وهو بالمختصر وضع لا يليق بالعراقيين الذين لبثوا تحت مطرقة الانتهاك والتجويع ما يقرب من قرن أو يفوقه، هذا لا عني أنه شعب مستكين، فهو بملاينه الخمسة صنع ثورة العشرين التي هزمت بريطانيا العظمى وجيوشها من كل مشارب العالم.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة بشأن أوضاع العراق، وخطوات المعالجة، كيف وماذا نفعل لانتشال العراق من مأزق الأوضاع الراهنة التي فُرضَت عليه؟، ومن هو المسؤول عن المشاركة في إنقاذ العراق والعراقيين مما يمرّون به من مآسٍ وويلات؟؟، الجواب، ليس هناك أحد مُستثنى من المسؤولية في مساعدة العراق على تجاوز أوضاعه العصيبة التي تحيط به وتشل قدراته، أما مستوى المسؤولية فهو يتبع ما مُتاح من صلاحيات ومشاركة في القرار، ولا يستثنى حتى المواطن البسيط من ذلك، فحتى المواطن العادي عليه المشاركة في انتشال العراق من أوضاعه الراهنة بحسب قدراته ومؤهلاته.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يرى:
(إنّ الشعب العراقي اليوم لا يستحقّ الوضع الموجود حالياً، والكلّ مسؤول، كلّ بمقداره، وفي إطاره، في انتشال هذا الشعب الذي كان قرابة قرن تحت المطرقة وتحت المظالم).
من هو المسؤول عمّا يجري؟؟
الجدير بالذكر هنا، أن العراق اليوم يحفل بحريات لم تتوافر له في العهود والأنظمة السابقة، خصوصا في ظل حقبة الأنظمة السياسية التي فرضت نفسها على الشعب بأسلوب الانقلابات العسكرية، أو تلك التي حكمت العراق طوال عقود وفق نظام الحزب الواحد كما فعل البعثيون، لقد مرّ العراق بعقود عصيبة من التكميم وضرب الحريات ومصادرة الرأي، وفُرضَت الأفكار الشوفينية بالقوة، وصار الإنسان بلا قيمة تُذكر، وصار إزهاق روح الإنسان أسهل الأفعال التي يرتكبها الحاكم وحكومته وأجهزته الأمنية التي تعلن شعار (خدمة الشعب)، لكنها واقعا تقوم بقتل الشعب!.
اليوم يعيش العراقيون حريات غير مسبوقة، وهو واقع لا يستطيع أحد أن يكذّبه أو ينفيه، فقد بات المواطن قادر على قول ما يريد، ويمكنه انتقاد الحكومة من أعلى الهرم حتى قاعدته، وتوافرت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي ساهمت بقوة في إيصال صوت المواطن العراقي إلى الجميع، لذلك هذه الميزة يجب الاستفادة منها بقوة وتنظيم وتخطيط علمي مدروس، حتى يكون بالإمكان إدراج وتوظيف ميزة هذه الحرية لصالح قضية انتشال العراق والعراقيين من أوضاعه التي لا تسرّ إلا أعداءه.
استثمار هذا المنسوب العالي من الحرية، مطلوب أن يوضع بالشكل الصحيح، وأن تكون الاستفادة منه لإنقاذ العراق كبيرة وواضحة، فالمطلوب من أهل الفكر، وأهل الشيمة والعزيمة أن يتعاونوا بقوة وتخطيط وتنظيم وتنسيق مسبق، لكي يوظفوا منسوب الحرية الجيد لصالح انتشال العراق والعراقيين من الأوضاع العصيبة التي تحيط بهم وتحاصرهم كالوباء.
بالطبع المشاركة هنا في جهود الإنقاذ مطلوبة من الجميع، لكن كلّ بحسب قدراته وإمكانياته المادية والمعنوية، لكن المهم هو عدم التردد أو التلكّؤ في المشاركة والمساعدة على مد يد العون للعراقيين كي يكونوا في المكانة التي تليق بهم، والتي تتناسب مع مرتبتهم التاريخية، وماضيهم العظيم الذي مدّ الإنسانية بالعلم والحضارة والكتابة وصناعة فرص التقدم البشري.
حين يشعر الجميع بأنهم معنيون بإنقاذ العراق من أوضاعه الرديئة، فهذه هي الخطوة الصحيحة الأولى، وإن توافرت العزيمة، وحسم القرار، فهذا يصب أيضا في اتجاه تخليص العراق من شرنقة الفساد التي ضُرِبت وحيكت حول جسده، وتوغلت إلى روحه وشلّت الكثير من نقاط القوة فيه، بالنتيجة إذا تعاضد العراقيون ومناصروهم في كل مكان، لعبور هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق، فإن النتائج لن تكون مخيّبة للآمال.
تضافر الإرادتين السياسية والشعبية
النجاح والتوفيق في الوصول إلى نتيجة مشرفة لانتشال العراق، يتوقف على تعاون وتنسيق بين الجميع، على أن تتوافر الإرادة السياسية والشعبية لتجاوز المحنة الراهنة، الجهد تشاركي فردي وجمعي، رسمي وأهلي، مدني وحكومي، نخب ومن عامة الناس، وصولا إلى المطلوب في جعل العراق والعراقيين في المكانة التي يستحقونها من الرفعة والعلمية والتقدم ورفاهية العيش.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الآن بوجود الحريّة في العراق، هو بحاجة إلى استفادة جيّدة من هذه الحريّة. فعلى أهل الشيم، وأهل الفكر، وأهل العزيمة أن يتعاضد بعضهم مع بعض، بالمقدار الممكن ولا أقول مئة بالمئة لأنه قد يصعب هذا الشيء، حتى يوفّقوا في انتشال العراق مما هو فيه الآن).
وما أن يقرر شخص أو جماعة ما، مؤسسات أو منظمات أو شخصيات أو أفراد، بالعمل الحقيقي المخلص لإخراج العراق من شرنقة الفساد التي تكبل روحه وجسده، فإن جزء من هذا الهدف سوف يتحقق، ولكن المطلوب بقوة عنصر الإصرار والعزيمة على إنجاز الهدف بعد الاتكال على الله، أما الهدف فهو واضح وضوح الشمس، وهو تنقية العراق من شوائب الفساد بكل أنواعه وأشكاله.
ولكن الجانب الأهم بعد التخطيط بعلمية والتنسيق المتبادل، هو معرفة وإيمان الجميع، أفراد أو مؤسسات أو منظمات، بأن العزيمة هي المرتكز والمنطلق الأقوى لتحقيق هدف انتشال العراق من وباء الفساد والتخلف، وكلما كان الإصرار والعزيمة أكبر، كان الاقتراب من تحقيق الهدف أسرع وأدقّ، بمساعدة من الله تعالى الذي يضاعف عزيمة من يقرر ويعزم على إنجاز ما ينوي عليه ويقرّره بإيمان وفهم وإدراك تام.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يطالبنا قائلا:
(عليكم أن تعلموا انّه على قدر عزمكم، وسعة عزمكم، وعمق عزمكم، تأتيكم العزائم من الله جلّ وعلا).
الخلاصة يعاني العراق من أوضاع مؤسفة، وشعب العراق لا يستحق ما يحدث له، وسماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، ألقى الضوء على هذه الأوضاع، ونصح واقترح خطوات عملية سهلة التنفيذ لانتشال العراق من أوضاعه المعقدة، وما على المعنيين، قادة، ساسة، أحزاب، وغيرهم بالإضافة إلى عامة المواطنين، إلا العزيمة والاتكال على الله لإنقاذ أنفسهم وبلدهم.
اضف تعليق