ترتقي الأم والشعوب بأخلاقها، قول أثبت صوابه بما لا يقبل الجدل، فالأمة أو الشعب أو الجماعة، تتقدم وتؤكد فعلها وحضورها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى بالأخلاق، وهي وسيلتها الأنجع والأدقّ لتبوّء المكانة اللائقة، وتعرّف الأخلاق بأنها منظومة قيم يعتبرها الناس بشكل عام جالبة للخير وطاردةً للشر...
ترتقي الأم والشعوب بأخلاقها، قول أثبت صوابه بما لا يقبل الجدل، فالأمة أو الشعب أو الجماعة، تتقدم وتؤكد فعلها وحضورها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى بالأخلاق، وهي وسيلتها الأنجع والأدقّ لتبوّء المكانة اللائقة، وتعرّف الأخلاق بأنها منظومة قيم يعتبرها الناس بشكل عام جالبة للخير وطاردةً للشر وفقاً للفلاسفة والمصلحين وهي ما يتميز به الإنسان عن غيره، وقد قيل عنها إنها شكل من أشكال الوعي الإنساني كما أنها مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة وتصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين.
ويُطلق على الأخلاق أيضا حزمة السجايا والطباع والأحوال الباطنية التي تُدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس يمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاته، فأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخُلُق يكون قلبياً ويكون ظاهرا أيضا، أي أنه ينعكس على واقع الناس فتكون حياتهم ومصالحهم قائمة على قواعد المنافسة الشريفة وليس الخداع أو الغلبة الناتجة عن الغدر.
وهناك معايير تحكم الأخلاق، حيث يقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات ومبادئ يمشي عليها وأيضا واجبات تتم بداخلها أعماله أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق، وجعله عنصرا مكيّفا، أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي، والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية، ومجردة، ولذلك يبذل علماء ومصلحو ومفكرو الأمم المتطلعة للارتقاء جهودا كبيرة لإرشاد الناس وتعضيد القيم الحميدة وزرعها في نفوسهم، ولا يُعفى غير العلماء أي الأقل علما ومعرفة منهم من مسؤولية نشر القيم الأخلاقية عبر الإرشاد المستمر.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيمة التي توجّه بها إلى جميع الناس:
(إنّ الإرشاد والنصيحة وهداية الآخرين هي مسؤولية الجميع).
ولا يُستثنى شخص معين من هذا الدور، إلا أولئك المصابون في عقولهم، فهؤلاء ليس لهم القدرة على القيام بهذا الدور تجاه أنفسهم ولا تجاه غيرهم، أما الآخرون فهم جميعا معنيون بترسيخ القيم الأخلاقية، ونشرها وجعلها في متناول الكل، عبر الإرشاد الدائم والمسؤول، وحين نرجع إلى الأمم التي تصدرت العالم بتقدمها الحقيقي وليس الشكلي أو المزيف، فإننا سنعثر على دور الإرشاد الأخلاقي الكبير في جعلها أمم ناجحة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في الكلمة المذكورة نفسها:
(على الجميع، رجالاً ونساء، على العمل على نجاة دنيا الإسلام من الانحرافات والمشاكل. وكل واحد منّا مسؤول في هذا المجال قدر استطاعته، وهي مسؤولية قد جعلها القرآن الكريم على الجميع).
العمل بالنصوص القرآنية بشمولٍ وكلّيّة
من القضايا المهمة التي ركز عليها القرآن هي منظومة الأخلاق، وكان الرسول محمد صلى الله عليه وآله، هو القدوة لجميع أفراد الأمة الإسلامية إبان انطلاق الرسالة النبوية، وقد أكدت الآية القرآنية الميزة الأخلاقية العظيمة حين خاطب النص القرآني النبي صلى الله عليه وآله: (إنك لعلى خُلُق عظيم)، وهذه الميزة العظيمة هي التي مكّنت قائد الأمة الإسلامية من كسب قلوب الجميع في غضون سنوات رغم حواجز التطرف والتعصب القبلي التي كانت سائدة آنذاك.
كما أن العمل بالنصوص القرآنية كان دقيقا لا يقبل الخطأ بالإضافة إلى الاستفادة من الأحاديث النبوية الشريفة الداعمة المرشدة للناس، يُضاف إليها سير أئمة أهل البيت والاطلاع عليها بشكل متكامل لا يقبل التجزئة، فالاستناد يكون على القرآن والسنة النبوية وسيرة أئمة أهل البيت بصورة متداخلة ومتكاملة، حتى تكون الفائدة مثبتة ومحسومة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(علينا العمل في إطار القرآن والنبي والعترة الطاهرة، وليس العمل ببعض القرآن وترك بعضه الآخر، أو كالذي يتبع القرآن والنبيّ ويترك العترة. فعلينا جميعاً أن نسير على نهج القرآن والنبيّ والعترة صلوات الله عليهم، وأن نعمل بنهجهم، حتى لا نقع في الخطأ والاشتباه والانحراف).
إن اكتمال المنظومة الأخلاقية للإنسان لا تتم بسماء النصائح من المعنيين كالخطباء أو غيرهم، لأن الأسلوب الصحيح لاكتساب الأخلاق يكمن في إطلاع الإنسان على مضامين النصوص القرآنية على أن ترافقها مواظبة في الإطلاع الجيد على السيرة النبوة وأئمة أهل البيت عليهم السلام، هذا الإطلاع المكتمل يساعد على بناء البنية الأخلاقية المتينة للفرد والمجتمع، حتى الشباب أنفسهم مطالبون بهذا الجهد والجدية في الفهم، لأنه السبيل إلى المعرفة وتثبيت الأخلاق بأساليب الإرشاد والمثابرة والفهم ومن ثم التطبيق الواقعي.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(نحن جميعاً مسؤولون، رجالاً ونساء وشيبة وشباب، وبالأخص الشباب الذين أمامهم مستقبل من العمر، علينا أن لا نكتفي بما يقال، بل علينا أن نرى ماذا يقول القرآن الكريم والنبيّ الأكرم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين).
إقران المعروف بأداء الصلاة
قد ينظر بعضهم إلى عصرنا بأنه تجاوز الاشتراط الأخلاقي لتحقيق النجاح، فهناك من يضع خاصية (الشطارة) أولا، وقد تعني الشطارة الذكاء، لكنها إذا لم تكن مدعومة بالأخلاق فإنها في هذه الحالة قد تكون نوعا من المخادعة أو التضليل، لهذا يُشترَط بكل عمل ناجح أن يكون أخلاقيا أو مراعيا للأخلاق، حتى العمل السياسي أو الاقتصادي يجب أن يستند إلى القيم والأخلاق، ويجب أن يقوم الجميع من دون استثناء بهذا الجهد أو هذه المهمة، فهناك دائما أناس ضعفاء أو مستضعفون، هؤلاء يوصي بهم الإسلام خيرا، ويجب تنويرهم ورعايتهم، التنوير الأخلاقي والمعرفي حق من حقوق هؤلاء والإرشاد سبيلهم إلى الحفاظ على حقوقهم، لذلك تقع علينا مهمة تنويرهم أخلاقيا حتى نحميهم من الوقوع في فخ الانحراف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(جعل القرآن علينا مسؤولية الدفاع عن المؤمنين والمسلمين والمستضعفين. والمستضعفون في القرآن الكريم وفي الروايات الشريفة لأهل البيت صلوات الله عليهم هم الذين لا يعرفون ولا يميزون بين الحق والباطل، فيقعون في الفخ).
على أن الجميع يجب أن يتنبّه إلى نقطة غاية في الأهمية، فحين يقوم الشخص المسلم بأداء فريضة الصلاة و الصوم، هذا لا يعني أنه مستثنى من مهمة الإرشاد الأخلاقي للآخرين، فالعمل بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ أخلاقي لا يمكن تجاهله والاكتفاء بأداء الفرائض، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتدعو صاحبها إلى تذكير وتثقيف من له قرابة معه أو صداقة، بالحتمية الأخلاقية التي تنجيه من مهالك لا حدود لها، لهذا يجب أن يقترن أداء الفرائض بالعمل الصالح ونبذ السحت الحرام والابتعاد عن كل عمل يشكل تجاوزا على حقوق الناس.
ولعل الدوافع الأخلاقية فيما لو اكتملت منظومتها في ذات الإنسان سوف تدفعه إلى العمل بالمعروف، وحتما أنه سيكون عدوّاً لدودا للمنكر بكل أشكاله ومعطياته التي قد يرى فيها بعضهم فائدة مادية تزيد من مكانتهم الاجتماعية ماديا، ولكن مثل هذا السلوك يبقى لا أخلاقيا وغير مقبول لأنه لا يستند إلى القاعدة الأخلاقية الإرشادية التي بنيت فيها الأمم وتفوقت فيها على سواها من الأمم.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:
(إن المسلم إذا صلّى وصام ولم يأمر بالمعروف ولم ينهِ عن المنكر، فسوف لا يفلح. علماً بأنه يجب أن يكون هو عاملاً بالمعروف ومنتهياً عن المنكر، أيضاً).
اضف تعليق