q
ان هذه الدولة او تلك، جاءت بجيوشها من اجل اقامة ديمقراطية في بلد معين او تحريره من نظامه، وغيرها من هذه الترهات، مقولات لا يصدقها الا المغفلون السذج، وان الذي يعتقد ان هناك تخادماً يمكن ان يحصل بين الساعين لتغيير النظام وتلك الدولة، فعلى هؤلاء ان يعرفوا ان ضريبة ذلك...

مطلع الستينيات، وعندما كانت الثورة الجزائرية فِي أوجها، اقدمت حكومة كوبا الثورية على تقديم دعم كبير الى الثوار الجزائريين، تسبب بالحاق الاذى بالقوات الفرنسية، المستعمرة للجزائر، وقد عرفت الحكومة الفرنسية بمصدر الدعم، فما كان من ديغول، الرئيس الفرنسي، وقتذاك، الا ان اصدر امراً الى سلطات الطيران في بلاده، بأن تمنع مرور الطائرات التابعة لشركة الطيران الكوبية "كوبانا" فوق الاجواء الفرنسية، كاجراء عقابي ضد كوبا!

قد يبدو الاجراء طبيعياً في سياق الظرف الذي جاء فيه، اي الحرب، لكن قراءة معمقة لهذا الاجراء، تجعلنا نقف عند حقيقة مهمة، هي ان الدول، مهما كانت مكانتها الحضارية، تبقى مصالح شعبها فوق اي اعتبار، وفرنسا الديغولية، التي تقف على ارث حضاري كبير ميّزها عن اغلب دول العالم، باعتبارها صاحبة الثورة الاشهر في تاريخ البشرية الحديث، التي نادت بحقوق الانسان، اختلفت تماما باجرائها هذا مع مبادئها، لا سيما ان هذه "العقوبة" طالت أناساً ابرياء، لاعلاقة لهم بالصراع السياسي الذي استدعى هذا القرار المتعسف، وان الحكومة الفرنسية تدرك ذلك جيداً، اي انها لم تعر حقوق الانسان اية اهمية عندما تعلق الامر بمصالحها، وان كانت غير مشروعة، وهي ايضا تعرف ذلك بالتأكيد!

في عام 1990 وبعد احداث الكويت، اتخذت الحكومة البريطانية اجراء لا يقل تعسفا عن قرار فرنسا، المشار اليه، عندما اقدمت على طرد طلبة عراقيين من الجامعات البريطانية كاجراء عقابي ضد العراق! وكأن هؤلاء الطلبة هم الذين وقفوا خلف الحدث الذي احتجت عليه واتخذت هذا الاجراء بسببه! والامثلة كثيرة بهذا الصدد، وقد قامت بها حكومات دول متحضرة، لكن اقسى تلك الاجراءات، هي التي اتخذتها السلطات الاميركية ضد طبيب اميركي، دفع ثمن موقف انساني يستحق ان نقف نحن العراقيين له اليوم وبعد اليوم احتراماً ونستذكره له، عندما اقدم على ارسال معدات طبية الى المستشفيات العراقية خلال فترة الحصار الاجرامي في التسعينيات، بحجة انه تعامل مع دولة تعاملها حكومة بلاده كدولة عدو، مع انه لم تكن هناك حالة حرب رسمية بين البلدين، لان الحرب التي حصلت في العام 1991 لم تكن من الناحية القانونية بين العراق وبين اي من الدول التي شاركت فيها، لانها جاءت بتخويل من مجلس الامن، ولهدف محدد، تعود بعده الجيوش لبلدانها، اي ان هذا الطبيب لم يرتكب جرماً يستحق العقاب، اصلاً، لكنها المصالح، او بالاصح المطالح، التي تعد بالنسبة لبعض الدول مقدسة، وان جاءت على حساب الآخرين ومصالحهم المشروعة.

ما نريد قوله في هذه السطور، وبعد هذه الاقتباسات، هو ان الحديث الذي نسمعه عن ان هذه الدولة او تلك، جاءت بجيوشها من اجل اقامة ديمقراطية في بلد معين او تحريره من نظامه، وغيرها من هذه الترهات، مقولات لا يصدقها الا المغفلون السذج، وان الذي يعتقد ان هناك تخادماً يمكن ان يحصل بين الساعين لتغيير النظام وتلك الدولة، فعلى هؤلاء ان يعرفوا ان ضريبة ذلك لا يحددونها هم بل الاقوى، وهي ضريبة باهظة بالتأكيد، اي ان مبدأ التخادم ساقط من الناحية العملية، ولا يعدو كونه خدمة، وان الذي لا يصدق ذلك، ليرى ما يحصل اليوم في بلداننا العربية التي تتنعم بربيعها المخملي، بفعل هذه الخدمة الذليلة، ومن ثم يحكم!.

...............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق