الأزمات المزدوجة غالبا ما تحملُ في طيَاتها قطبين يتداخل أحدهما مع الآخر بفروعهما، فتتمخض عنهما مشكلة أو عدة مشاكل معقدّة، والأزمة قد تطول الأفراد على حدة، وقد تكون مشكلة جماعية أو مشكلة مجتمع بأكمله، والعراق من الأمثلة التي يمكن أن تصلح للبحث في الأزمات واستكشافها...
الأزمات المزدوجة غالبا ما تحملُ في طيَاتها قطبين يتداخل أحدهما مع الآخر بفروعهما، فتتمخض عنهما مشكلة أو عدة مشاكل معقدّة، والأزمة قد تطول الأفراد على حدة، وقد تكون مشكلة جماعية أو مشكلة مجتمع بأكمله، والعراق من الأمثلة التي يمكن أن تصلح للبحث في الأزمات واستكشافها، ودراستها، ومن ثم الشروع في إيجاد سبل المعالجة المناسبة.
إن تأريخ العراق بأبعاده المتدرجة، البعيد، المتوسط، المنظور، والقريب، تُفصح للمدقق، أو المتابع الباحث، عن مشكلات تعرّض لها العراق والعراقيون عبر أزمنة وأحقاب مختلفة، فلطالما كان العراق ساحة للأزمات، حيث تتوالد من أزمة إلى أخرى، وفي المجالات المتنوعة منها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وسواها، وقد تلقي ظلالها الثقيلة على عموم الشعب، وهناك أزمات فردية تختص بوضع الأفراد تحت سطوة الأزمة المزدوجة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بحث في هذا النوع من الأزمات عبر الكتاب القيّم (من عبق المرجعية)، فقال سماحته عن هذا الموضوع:
لقد (أُبتليَ العراق اليوم، رجالاً ونساء وشباباً، بأزمات مزدوجة, فهو ومنذ خمسين عاماً ينتقل من أزمة إلى أزمة، ومن أمر شديد إلى أمر أشدّ، ومن صعب إلى أصعب).
وخير دليل على الأزمات التي تعصف بالعراق والعراقيين، ما يحدث اليوم في كثير من الأصعدة، فلو أخذنا الميدان السياسي ووضعناه تحت مجهر التشريح والتحليل، سوف نستنتج، ونكتشف الكثير من المشكلات الناتجة عن هذا النوع من الأزمات، وقد وضعت الفرد العراقي أمام حزمة من التعقيدات التي يصعب تجاوزها، وتحتاج إلى المزيد من التخطيط العلمي الذهني العضلي لفك اشتباكها والقضاء على تداعياتها التي تطول الفرد وتضعه تحت وابل من المشكلات التي تبدو أحياناً عصيّة على الحلّ.
لدرجة أن هذه الأزمات المتلاحقة اتخذت طابعا مزدوجا، إذ في الوقت الذي تطول الفرد العراقي وتطيح بآماله وطموحاته كإنسان، فإنها في ذات الوقت تصبح مشكلة مجتمعية يعاني منها المجتمع برمته، وهنا يكمن خطرها وعنصر تهديدها المزدوج أيضا، فطالما أنها لا تكتفي بتهشيم متبنيات الفرد ومخططاته، وتفوق ذلك لتهشيم طموحات المجتمع كله، فإنها والحال هذه ستصبح من الأزمات المزدوجة التي لا ينبغي إهمالها، أو النظر إليها من منظار اللامبالاة، وانتظار الحلّ الآلي أو الزمني الذي لا يحصل قط، لأن المشكلات حدثت تحت أسباب معروفة، ولا يمكن إبطالها ما لم يتم إبطال أسبابها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(في الوقت الحاضر تضاعفت الأزمة بالنسبة إلى كل فرد عراقي، والجميع يعلم سواء عن طريق وسائل الإعلام العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمرّ بأوضاع معقّدة جدّاً، لا يعلم مداها ومنتهاها إلاّ الله).
التعايش ووحدة الصفوف
بالطبع كل المشكلات لم تخرج من (فَطْرِ الحائط) كما يُقال، فليست هناك مشكلة بلا سبب، لذلك هناك من صنع هذه التعقيدات، وهناك من يديمها، ويزيد من سعتها وحجمها وتأثيراتها على العراقيين، إن العقود الأخيرة تفصح عن نيّات مبيّتة قام بها أعداء العراق لوضعه تحت وطأة المشاكل والأزمات المزدوجة، ولكن شعب العراق خبر مثل هذه الأساليب وطالما واجهها بقوة وتدبّر ورفض المحاولات الأثيمة التي سعت إلى تدمير أحلامه، وإضعاف قدرته على الصبر والتحمّل، ولكن غالبا ما كانوا يفشلون في تحقيق مآربهم.
والأسباب التي تُفشل ذلك المسعى الظالم هو التعايش ووحدة الكلمة ورصّ الصفوف، هذا هو جواب العراقيين لمن سعى ولا يزل لزرع التفرقة والفتن بين مكونات هذا الشعب الطيب الأصيل، لذلك ظلَّ العراقيون يطالبون بحقوقهم بلا هوادة أو خوف أو تردد، تلك الحقوق التي كفلتها له مبادئ وتعاليم الإسلام، بالإضافة إلى القوانين الوضعية السليمة، والمتَّفق عليها محليّا ودوليا.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أنَّ: (شعب العراق الطيّب وعبر تاريخه الطويل كان وسيبقى شعب الصمود والصبر والفداء والتضحية، وخاصّة في هذه العقود السوداء الأخيرة، فهو شعب لا تثنيه كثرة المحاولات الأثيمة عن عزمه، ولا يستلب منه المنحرفون والمنافقون الصبر والحلم، والتعايش ووحدة الصفّ، والمطالبة بحقوقه العادلة التي ضمنتها له مبادئ الإسلام, وأقرّتها القوانين الوضعية).
لهذا فالجميع يرون أن عليهم مسؤولية لا يجوز تجاهلها أو إنكارها أو عدم تحمّلها إزاء حقوق العراق المختلفة، فنحن جميعا مسؤولون عن صيانة هذه الحقوق، وإن شعرنا بنقصها في أي جانب كان، فإننا قادرون على استردادها بالأساليب التي يكفلها الدستور والقوانين والأعراف الضامنة لمشروعية حماية الحقوق واستردادها في حال التجاوز عليها أو انتهاكها من أية جهة كانت، داخلية أو خارجية.
لذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هل من الممكن أن يتصوّر أحد منّا أننا لسنا قادرين أن نفعل شيئاً حيال مستقبل العراق؟!).
الصبر والتقوى والتوكّل على الله
ونظرا لصعوبة هذا النوع من المشكلات المعقّدة والأزمات المزدوجة التي تواجه العراقيين، فإن سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يطالب كل العراقيين بالتزام الصبر والتقوى والتوكّل، كخارطة طريق للمعالجة التي تنبع من فهم المشكلات وتدارس أسبابها بمهنية عالية، وعلمية ثاقبة، كي يكون معالجتها ممكناً، فالصبر ركن أساس في حلّ أية أزمة مهما بلغ نوعها أو حجمها أو درجة تعقيدها، ولكن الصبر رغم أهميته لا يكفي إذا لم يكن هناك إيمان، وسعي نحو الحلول من خلال التقوى واعتماد المشروعية في الحلول.
فالنواقص كثيرة وكبيرة، وهي تتسبب بالكثير من المآزق للعراقيين، لذلك ينبغي التخطيط لمعالجتها، لاسيما تلك الجهود الجمعية التي تبذلها اللجان الخيرية وكل من له القدرة على الإسهام في المعالجات، لأن قضاء الحوائج ثقافة أهل البيت، هم عليهم السلام أوصوا بها، وهو ما يحدث بالفعل، حيث تقوم بعض الجهات واللجان الخيرية ورجال مؤمنون أثرياء بمثل هذه المهمات، التي قد تبدو ليست كبيرة، لكنها تسد جانبا من الحاجات وتعالج جزءاً من المشكلات، لهذا ينبغي الاستمرار بها والتشجيع عليها وتبيان أهميتها ودورها في إسناد العراق والعراقيين إزاء الأزمات المزدوجة التي تحيط بهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(على أحبّتنا في العراق أن يلتزموا الصبر والتقوى والتوكّل على الله, والسعي في سبل الحياة طلباً للرزق, كما على المؤمنين واللجان الخيرية أن يسعوا في قضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم).
وحتى تكون قضية حصر الأزمات المزدوجة ممكنة، والتقليل من تأثيراتها ممكن أيضا، هذا يستدعي أن تتوحد كلمة المؤمنين، وأن تتم الإطاحة بالفتن، وأن تتم محاصرة الخلافات القبلية التي ازداد منسوبها فوق المعتاد، وطفح الكثير من العادات البالية على سطح المجتمع، مما أثر على سمعة العشائر ذات التاريخ الناصع، فالجميع مطالبون برصّ الصفوف، والسعي الجاد على توحيد الشعب، وتقليل الخلافات إلى أدنى حد ممكن، وترصين السلم الأهلي، وجعل التعايش السلمي مأرب ومبدأ جميع العراقيين لتفويت الفرصة على المتربصين به من جهة، و وأد الأزمات المزدوجة في مهدها.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
إنّ (من أهم ما يجب اليوم على الجميع في العراق، جمع كلمة المؤمنين، وذلك بنبذ الخلافات القبلية والإقليمية والفئوية، وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه).
اضف تعليق