q

الغدير وحفظ كيان الدين والأمة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

أيةُ مدرسة عظيمة تلك التي ورثها المسلمون عن الإمام علي عليه السلام، بل ورثتها الإنسانية جمعاء، وتعلمت فيها ومنها مبادئ العدل والإنصاف وكل القيم التي تحترم وتحافظ على قيمة الإنسان ومكانته وحرياته، وكل هذه القيم العظيمة تتمحور بمضامينها في اللحظة التي تم فيها تنصيب أمير المؤمنين خليفة للمسلمين بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وهو أستاذ الإمام علي والمدرسة التي نهل منها العلوم والقيم الإسلامية الإنسانية العظيمة...

أيةُ مدرسة عظيمة تلك التي ورثها المسلمون عن الإمام علي عليه السلام، بل ورثتها الإنسانية جمعاء، وتعلمت فيها ومنها مبادئ العدل والإنصاف وكل القيم التي تحترم وتحافظ على قيمة الإنسان ومكانته وحرياته، وكل هذه القيم العظيمة تتمحور بمضامينها في اللحظة التي تم فيها تنصيب أمير المؤمنين خليفة للمسلمين بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وهو أستاذ الإمام علي والمدرسة التي نهل منها العلوم والقيم الإسلامية الإنسانية العظيمة.

إن عيد الغدير يعني في أعظم ما يعنيه، ذلك الكنز الفكري النادر والفريد من نوعه للإمام علي عليه السلام، وهو الذي كان ولا يزال وسيبقى المنبع الأساس للسعادة البشرية بعمومها، لسبب بالغ الوضوح أن هذا الفكر يصدر من قلب متفرد بإنسانيته وروح متوقدة ومشبعة بالعدالة والإيمان، وقد دلّت على ذلك سنوات حكم الإمام القليلة للمسلمين حيث ظهرت بوادر العدالة الاجتماعية في أسمى معانيها، وهي مستقاة من مدرسة أستاذه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى محاضراته القيمة:

إن (الغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين (سلام الله عليه) التي تصلح لإسعاد البشر جميعاً).

كما أكد سماحته على أن الإمام علي عليه السلام بكل الملَكات والخصال التي ازدان بها، يأتي بعد النبي محمد (ص) كأعظم آية خلقها الله تعالى ولا تضاهيها آية أخرى، وهذا ما جعل الإمام الصادق (عليه السلام)، يؤكد على خسران أي إنسان يسعى إلى استحصال العلم والتنوير عن غير طريق الإمام علي عليه السلام، فمهما فعل هذا الإنسان، وكيفما حاول أو توسّل بكل الوسائل والسبل الأخرى المغاير لطريق الإمام علي فإنه لن يحصد سوى الخسارة والفشل.

يقول سماحة المرجع الشيرازي عن ذلك:

إن (أمير المؤمنين (سلام الله عليه) هو ــ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ــ أعظم آيات الله عزّوجلّ، ولا تضاهيه آية، ولذلك يقول الإمام الصادق (سلام الله عليه) عن الذي تخيّل أنه يبلغ معرفة الله عن غير طريق أمير المؤمنين (فَلْيُشَرِّقْ وَلْيُغَرِّبْ)، أي لن يبلغ غايته ولو يمّم وجهه شرقاً وغرباً).

الغدير هو المكارم بعينها

واستنادا لما تقدّم في أعلاه، فإن الغدير هو روضة الفضائل والأخلاق، وهو يحتوي المكارم كلّها، وكل ما حصلت عليه البشرية من تطور حضاري ومعنوي إنما ينبع من الغدير الذي يمثل مدرسة الإمام علي في القيم والأخلاق وكل المبادئ التي تنصف الإنسان وتعدل فيما بين البشر، حيث الحفاظ على الدين كنبع أخلاقي فكري سلوكي ينهل منه جميع المسلمين وتغتني به الإنسانية في المعمورة برمتها.

أما من يذهب إلى إنكار الغدير والتنصّل عن فضائل هه المدرسة العظيمة، فكأنه ينزع بذلك إلى إلغاء الدين والتنكّر لكل القيم الإسلامية التي غرستها ونسجتها وزرعتها في تربة الإنسانية كلها، لهذا فإنه لمن تعاسة الإنسان أن ينكر الغدير وأن يتغاضى عمّا قدمته مدرسة الإمام علي عليه السلام من قيم وأخلاقيات عالية المضمون قابلة التطبيق ساعدت ولا تزال في صنع السعادة للمسلمين والناس أجمعين.

وما القيم العظيمة التي سيَّرت حياة المسلمين وشذَّبتْ أفكارهم وعدّلتْ سلوكياتهم وأنضجتْ عقولهم ووعيهم، إلا حصيلة مؤكدة للمدرسة العلوية التي استقت علومها ومعارفها وقيمها ومبادئها من المدرسة المحمدية العظيمة، وهكذا نجد أن يوم الغدير بكل ما يعنيه على المستوى الديني والأخلاقي هو النبع الأصيل لأعظم الفضائل والمكارم والمحاسن التي يتحلى بها كل من أتقن حيثيات وتفاصيل هذه المدرسة الخالدة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(الغدير روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن، بل هو المكارم بعينها، والتطوّر الحضاري والمعنوي كلّه يدين له بذلك؛ لاعتباره أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكاره بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية).

لذلك فإن كل الحقائق تؤكد على التفرد الفكري المبدئي للغدير، وتعظّم المنهج الذي يستقي أفكاره وعلومه من الإمام علي عليه السلام الذي اغتنى في تجاربه وتشكلاته الفكرية والمبدية من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لهذا فإن المسلم الذي لا يستقي علومه ومعارفه من طريق أو نبع غير الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع)، فإن خسارته ستكون منجزة لا ريب في ذلك، وقد يتساءل أحدهم لماذا تحدث هذه الخسارة، وسيأتي الجواب أن كل من يبحث عن العلم والمعرفة خارج إطار هذين المدرستين، سيكون خاسرا كما سبق ذكره لأن كل ما يستقيه سيكون خاليا من القيم الأخلاقية، ضعيفا من حيث المستوى المعنوي.

إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في محاضرته القيمة:

(إنّه لمن تعاسة الإنسان وسوء حظّه أن يطلب العلم والمعرفة من غير طريق محمّد وعلي وآلهما (سلام الله عليهم). ومهما كان العلم المستحصل من غيرهم فلا قيمة له، لأنه مفرّغ من القيم الأخلاقية والمعنوية، وبعيد عن روح الشريعة).

غدير العدل والإنصاف

ولذلك فإن يوم وعيد الغدير له مرتبة عليا لا تطولها كل الأيام الأخرى، لذلك يصفه سماحة المرجع الشيرازي بأن (روح جميع الأيام)، من هنا فإن إحياء هذا اليوم وهذا العيد يعبّر عن المبادرة القويمة لإحياء جميع الأعياد التي يبادر المسلمون لإحيائها، كعيد الفطر وعيد الأضحى، ويوم الجمعة، وجميع الأعياد التي تحييها أمة الإسلام.

أما لماذا هذا التميّز الكبير والمتفرّد، فإنه حتما يأتي من عظَمة أحداث الغدير، كونه تم فيه تنصيب الإمام علي عليه السلام بأمر من الله تعالى وبواسطة رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله، خليفة للمسلمين، ونظرا لقرب شخصية الإمام من الكنوز الفكرية لرسول الأمة الأكرم كونه اغترف العلوم والمعارف والمبادئ منها، فهو عليه السلام الأحق من غيره بهذه المكانة وهذا المنصب الذي أعلنه الرسول صلى الله عليه وآله بلسانه الكريم في جمع المسلمين في غدير خم.

لها يقول سماحة المرجع الشيرازي:

إن (يوم الغدير في الحقيقة هو روح جميع الأيام، وإحياؤه إحياء لعيد الفطر والأضحى والجمعة بل كلّ الأعياد).

وثمة منحى آخر للغدير، يتعلق بالحاكم الذي سيحكم أمة المسلمين والخصال التي يتحلى بها، فكما هو مثبت واقعيا إبان حكومة الإمام عليه السلام، وتاريخيا كما هي الحوادث والوقائع المدوّنة في هذا الشأن، فإن العدل والإنصاف قيمتان عظيمتان تسودان حياة المسلمين وتُدار وفقهما كل الشؤون الحياتية المتعلقة بهذه الأمة، فالغدير يعني في أعمق وأوضح ما يعنيه (العدل والإنصاف)، مضافا إليها جميع القيم العظيمة التي خلق الله الإنسانية من أجلها وبعث لهم الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وهذا يعني فيما يعنيه أن الغدير هي نبع القيم ومدرسة الأخلاق، وهي التي تطالب حكام اليوم بوجوب العدل والإنصاف كقيمتين يحكمون من خلالهما الناس، ويديرون شؤونهم بالعدل والمصداقية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.

لذا فإن الغدير هي مدرسة إسلامية إنسانية عظيمة، يتوجب على حكام اليوم (بالأخص أولئك الذين ينتمون بالقول والقلب بالإمام علي عليه السلام)، أن يدخلوها من أوسع الأبواب ويأخذون منها كنوز القيم والأخلاقيات فيما يتعلق بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأن يدرسوا ويتعلموا ويطبقوا جيدا ما يتعلموه من مدرسة الغدير كيفية إنصاف الأمة والعدل فيما بين الناس.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:

إن (في الغدير استمرار العدل والإنصاف، وكلّ القيم التي خلق الله من أجلها الإنسان وبعث إليه الأنبياء والرسل (عليهم السلام).

اضف تعليق


التعليقات

زهراء محمد صادق
النجف
متباركين بهذا العيد الأعر.. وإن شاء الله الثبات على ولاية أمير المؤمنين2018-08-30