يصفو المجتمع ويتفرّغ لتوفير مسببات التقدم، حين ينبذ الصدامات في حلّ المشكلات، وينحو إلى السبل والوسائل السلمية العادلة التي لا تغفل أحدا ولا تميل لصالح أحد، ومما أثبتته التواريخ والواقع على حد سواء، أن المشكلات التي يتم حلّها بوسائل القوة وليّ الأذرع، تستنزف المجتمعات وتذهب بها إلى هدر مواردها البشرية والمادية، وتشغلها عن مواكبة التطور الهائل والسريع في عصرنا الراهن، ومن ينشغل بالعنف والتصادم سوف يجد نفسه مركونا في آخر الركب...
يصفو المجتمع ويتفرّغ لتوفير مسببات التقدم، حين ينبذ الصدامات في حلّ المشكلات، وينحو إلى السبل والوسائل السلمية العادلة التي لا تغفل أحدا ولا تميل لصالح أحد، ومما أثبتته التواريخ والواقع على حد سواء، أن المشكلات التي يتم حلّها بوسائل القوة وليّ الأذرع، تستنزف المجتمعات وتذهب بها إلى هدر مواردها البشرية والمادية، وتشغلها عن مواكبة التطور الهائل والسريع في عصرنا الراهن، ومن ينشغل بالعنف والتصادم سوف يجد نفسه مركونا في آخر الركب.
حينها تبدأ الملامة والندم، بعد أن يصحو قادة المجتمع على أنفسهم، وبعد أن يصطدم المجتمع بالخراب الذي خلفته المواجهات غير المبررة، إذ هناك ألف طريقة وطريقة لمعالجة أشد المشكلات استعصاءً غير العنف والصدام والقتال الذي يستنزف الجميع، الهازم والمهزوم، فكما يُقال في القتال والحروب لا يوجد غالب ولا مغلوب، حتى المنتصر سوف يجد أن نصره لا يعدو كونه شعور (فارغ) بالعظمة، ولو أن الحكماء في الجانبين المتقاتليْن بحثا بجدية عن السبل السلمية واللجوء إلى مبدأ اللاعنف لحلّ الخلاف، لكان ذلك أنجع وأنسب لهما، خصوصا في مجال التفرغ للبناء والتطور.
وينطبق ذلك في حفظ اللحمة المجتمعية الواحدة، أي داخل المجتمع الواحد الذي يتكون من عدة أعراق وأديان وأثنيات كما هو الحال في العراق، فليس من مصلحة مكونات المجتمع أن تتصارع بسبب اختلاف الهويات الفرعية، لأن ذلك يعد خرقا لمتانة السلم الأهلي وحالة التعايش المجتمعي.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته القيّمة، حول رفض العنف ومساهمة ذلك في حل المشكلات المختلفة وإقرار حالة التعايش وحفظ السلم الأهلي:
(لمبدأ اللاعنف دور كبير في إقرار حالة التعايش بين أفراد الأمة، مما يشكل قاعدة رصينة لبناء النظام الاستشاري).
ومما يسهم بصورة فعالة في متانة السلم الأهلي حصر الخلافات القبلية والفئوية، والحرص على سلامة النسيج الاجتماعي وتماسكه، والاحتكام إلى العقل والتشريعات الدينية والقانونية التي تسعى لحفظ حقوق الجميع بلا تحيّز أو محاباة للقوة على حساب الضعف أو للجاه والنفوذ والسلطة مقابل البسطاء من الناس.
رصّ الصفوف ووحدة الكلمة
لذا ينبغي أن تحرص الدولة والجهات التنفيذية ذات العلاقة على نقطة في غاية الأهمية، وهي تتعلق بنبذ الصدامات القبلية وعدم قبول التبريرات، أو الانصياع إلى الحجج التي بسوقها هذا الطرف أو ذاك، فهي بالنتيجة مثل صبّ الزيت على النار، والمهم في هذا الجانب، أن يسهم أهل الحل والعقد، بكل مسمياتهم، بمنع هذا النوع من الصدامات حماية للسلم الأهلي وترصين التعايش القائم على العدالة الاجتماعية.
كذلك من المسلمات الخاطئة أن ندع الخلافات القبلية تخلخل ثوابت السلم الأهلي، أو الخلافات الفئوية ذات الطابع النفعي الاستحواذي المتعجّل، فجميع أفراد الأمة والشعب لديهم حقوق وعليهم واجبات، لذلك من غير المجدي أن يسمح علية القوم ونخبه باستفحال الخلافات القبلية أو الفئوية أو حتى الفردية، لأنها بالنتيجة تنتهي إلى تصادمات مؤذية تلحق أشد الضرر بالناس، حتى أولئك الذين لا ينجرّون لمثل هذه الخلافات سوف يطولهم الضرر، ولكن بالنتيجة سوف يتضرر الجميع بسبب زرع الفرقة بين أبناء الجلدة الواحدة، فمهمة القادة والنخب والعقلاء والوجهاء محاصرة أسباب اندلاع الخلافات القبلية وحلّها بطرق التراضي المعروفة والضامنة لحقوق الجميع بصورة عادلة ومتساوية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي: (من أهم ما يجب القيام به، نبذ الخلافات القبلية والفئوية، وغيرها).
ولابد من الحفاظ على وحدة الشعب ورص الصفوف ولمّ الشمل، إذ يعدّ هذا الإجراء من أهم العوامل المساعدة على تخفيف الصدامات وتجفيف بؤر الاحتقان، التي عادة ما تنتج عن اختلاف في الرؤى حيال الأهداف والمشاغل التي تستحوذ على اهتمام طبقات وشرائح المجتمع، نعم للجميع حرية النظر للأمور وقضايا الخلاف من زاوية معينة، ولكن هذه الحرية لا ينبغي أن تنتهي إلى التصادمات الدامية بين أبناء الأمة أو الشعب الواحد، ولا ينبغي للرؤى المتباينة أن تُحدث حالة من الانشقاق تسمح بإضعاف لحمة المجتمع وتمزيق وحدته أو خرق نسيجه وبث الفرقة بين مكوناته وأبنائه.
ومن الأهمية بمكان أن يحرص قادة القبائل والنخب على ترويض الخلافات بألف طريقة وطريقة، وأن لا يمل الناس الحوار والتفاهم حتى لو كانت المعوقات كبيرة، والمشكلات مستعصية، لأن النتيجة ستكون الحفاظ على بنية المجتمع سليمة وحالة الوئام تصنع نوعا من التناغم والانسجام المجتمعي المريح، لننتهي إلى تحقيق متانة الصف ووحدة الكلمة.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب:
لابد من (رص الصفوف والشمل، وعدم فسح المجال للرؤى المختلفة، أن تتسلل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزق وحدة الصف والكلمة).
عوامل ومقترحات لكبح الأضرار النفسية
أما الأضرار التي تنتج عن الصدامات القبلية وكل مظاهر العنف بين الجماعات أو المكونات، فهي أضرار كما يشير معناها، وهي في كل الأحوال ليست في صالح أحد، فالصحيح هو السعي الحثيث لمكافحتها، وثمة إجراءات وشروط ينبغي البحث عنها وتطبيقها للحد من ظاهرة الخلافات القبلية أو سواها، ومن أهم وأقوى هذه الإجراءات الكابحة للتصادمات نشر ثقافة اللاعنف، على أن يتم إفهام الجميع بأن لغة وأساليب الصدام نار لا تبقي ولا تذر، وأن الجميع مستهدّف بضراوتها ولهيبها، ولن ينجو من ذلك كل الأطراف المتقاتلة.
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على الأضرار الجانبية الأخرى التي تنتج عن الصدامات القبلية وسواها، فهناك مظاهر تعنيف نفسية خطيرة تطال المختلفين المتحاربين وتشلّ قدراتهم العقلية والنفسية وحتى الإيمانية، فالدين بصيغته الفردية والجمعية يمكن أن يتضرر أيضا بسبب المواجهات التي تؤدي بالنتيجة إلى شق وحدة المجتمع وتمنع حالات الوئام والانسجام بين أفراده ومكوناته.
وهنا يقترح سماحة المرجع الشيرازي حزمة من الحلول الإجرائية والعقلية التي يمكن اللجوء والاحتكام إليه لمعالجة الصدامات القبلية أو سواها كما يؤكد سماحته في قوله:
(يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحدا، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية).
وثمة قضية ينبغي التنبّه إليها والتعاطي معها وإقرارها بجدية وذكاء وإرادة حازمة، ونعني بها (حرية المجتمع)، فهذا الاشتراط الهام يسهم بصورة فعالة في إنهاء ومحاصرة مظاهر الاستبداد بكل أشكاله، فالعنف في الحقيقة هو نتاج ضعف أو غياب الحرية، بالنتيجة يكون الكبت المنتِج الشرعي للإرهاب والتطرف وإثارة الفتن والخلافات بين مكونات المجتمع ومنها الصدامات القبلية، فإذا كنّا نرغب بنزع فتيل هذه الخلافات، لا ينبغي السماح للاستبداد أن يستمر، مع أن المستبدين لديهم الحجج والأسباب التي يغطّون بها مآربهم.
ولكن على أهل الحكمة والحل والعقد في القبائل وفي مكونات المجتمع المتعددة أن يفهموا الصورة المعقدة للواقع، وأن يعرفوا جذور المشكلة التي تزعزع السلم الأهلي، وأن يسهموا بقوة وفاعلية في رفض القمع وتوفير أجواء الحرية لمقارعة الكبت والإرهاب، فمثل هذه الخطوات إذا كانت جادة وصحيحة، فإنها تقود المجتمع كله إلى حالة من الصفاء والسلام تحلم بها جميع الشعوب والأمم.
لذلك من عوامل كبح الصدامات في المجتمع كما يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(توفير الحرية للمجتمع، فإنه في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والدكتاتورية، تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية).
اضف تعليق