q

ينأى الإصلاحيون في إيران بنفسهم عمّا يجري من احتجاجات في الشارع بعكس ردود فعلهم على الاحتجاجات التي اندلعت نتيجة الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009.

مع استمرار الاحتجاجات في مختلف المدن الإيرانية، يدعو الإصلاحيون الناس إلى ضبط النفس في التعبير عن سخطهم. وعمومًا، لم يرحب الإصلاحيون داخل إيران بهذه الاحتجاجات التي رُفعت فيها في البداية مطالب اقتصادية ثم اتسع نطاقها لتشمل مطالب أخرى.

بدأ الاحتجاج ضد سلوك السلطة التنفيذية ليطال تدريجيًا بعدها ركائز أخرى من النظام. وقد أطلق المتظاهرون هتفات ضد الإصلاحيين وشخص الرئيس أيضًا.

اندلعت الاحتجاجات في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي في مدينتي مشهد ونيشابور في شمال شرقي البلاد، مما دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد أن المنافس الرئيسي للرئيس حسن روحاني في انتخابات أيار/مايو 2017 إبراهيم رئيسي وحماه أحمد علم هدى كانا وراء تنظيم الاحتجاجات من أجل الضغط على الإدارة.

يشغل رئيسي منصب مدير منظمة آستان قدس رضوي الخيرية في مدينة مشهد بينما علم هدى هو قائد صلاة الجمعة في المدينة. وفي الإطار نفسه، صرّح النائب الأول للرئيس الايراني اسحاق جهانغيري أن من يقف وراء الاحتجاجات هم معارضي الإدارة، مما أكّد أكثر نظرية المحللين.

وقال جهانغيري: "يستغلّ بعض الأشخاص الأحوال الاقتصادية لمهاجمة الإدارة. ثمة أمور تجري وراء الكواليس يجب ضبطها".

ولكن للنائب الإصلاحي في البرلمان الإيراني محمود الصادقي وجهة نظر أخرى في هذا الخصوص. فقد كتب الصادقي على صفحته في التويتر في اليوم نفسه أن: "حتى لو تم التخطيط مسبقًا لهذه الاحتجاجات، من الأفضل للمسؤولين أن يحاولوا إيجاد حل لمشكلة الناس بدلًا من البحث عن نظريات المؤامرة".

لام بعض الإصلاحيين منافسيهم الأصوليون على الاحتجاجات التي اندلعت وكانوا عمومًا ينظرون إلى ما يحدث من منطلق نظرية المؤامرة. ولكن بعضهم الآخر دافع عن حق الشعب بالتظاهر في الشارع. فيما اعتبر آخرون بينهم أن سياسات محمود أحمدي نجاد خلال فترة رئاسته من 2005 إلى 2013 هي أساس المشاكل الحالية والسخط الاجتماعي. وعلى الرغم من اختلاف وجهة النظر في ما بين الإصلاحيين إلى أنهم اتفقوا على أمرٍ واحدٍ وهو حثّ الناس على تجنب العنف أثناء الاحتجاج.

مصطفى تاج زاده، السياسي الإصلاحي ورئيس مكتب الانتخابات في إدارة الرئيس محمد خاتمي للفترة ما بين 1997 و2005، دافع على حسابه الخاص في تويتر يوم 29 كانون الأول /ديسمبر الماضي عن حق الناس بالتظاهر، الذي اعتبره حق ثابت للشعب الإيراني منصوص عليه في المادة 27 من الدستور الإيراني.

ولكن مع استمرار الاحتجاجات وتصاعد العنف فيها، بدأ المزيد من الإصلاحيين بإدانة العنف عبر المنصات العامة.

فقد كتب عبدالله رمضان زاده، وهو كان أحد المتحدثين باسم الحكومة في عهد خاتمي، على تويتر بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي : "يمكننا تحقيق الازدهار والحرية من خلال الوسائل القانونية ومن دون أي عنف".

وفي اليوم السابق، كتب الإصلاحي محمد على أبطحي الذي شغل منصب نائب رئيس خاتمي على حسابه في إنستاغرام: "الأمر لا يتعلق بكوننا إصلاحيين أو أصوليين أو معارضين للثورة. إذا يتعين على الجميع بدءًا من أحمدي نجاد إلى أعضاء جبهة ثبات الثورة الإسلامية (المتشددة)، مرورًا بمختلف المواقع والقنوات ووصولًا إلى مؤيدي روحاني ومعارضيه، أن يدرك أن إثارة المشاكل الاجتماعية وتشجيع الاحتجاجات في الشارع ستأتي، أكثر من أي شيء آخر، على حساب الأشخاص الذين يعيشون في إيران والذين يعانون بسبب التمييز والوضع الاقتصادي والبطالة. وإذا استمر هذا الوضع، سيؤدي ذلك إلى نشوء دولة بوليسيّة وإلى مزيدٍ من الصعوبات الاقتصادية وإلى عدم توفر الامكانيات والمنافع المتاحة حاليًا".

وبينما يقرّ الإصلاحيون بوجود المصاعب في البلد ويدافعون عن حق الشعب بالتظاهر في الشارع، إلا أنهم يجمعون على أنه اذا استمرت الاحتجاجات على هذا المنوال سيؤدي ذلك إلى شلّ البلد وإلى تفاقم الوضع القائم.

في الإطار نفسه وفي يوم 29 كانون الأول/ ديسمير الماضي كتب حامدريزا جاليبور، أستاذ في علم الاجتماع، وأحد كبار السياسيين الإصلاحيين، على حسابه في قنوات تلغرام: "لقد انتُقد الإصلاحيون لتشجيعهم الناس على التصويت واتُهموا بأنهم لا يعرفون شيئًا سوى دفع الناس إلى مراكز الاقتراع. وجوابي هو أننا سنواصل القيام بالأمر نفسه. فالتصويت هو عمل مدني ومسؤولية يجب القيام به. فلو لم يكن لدينا مشاركة مستنيرة في المجتمع لكنّا أسوأ حالًا من باكستان ومصر وسوريا. ودعوني أقول لكم بصراحة إن الإصلاحيين لا يبحثون عن حلول للمشاكل الاجتماعية في الشوارع".

وقد دفعت هذه التصريحات وردود الفعل ببعض مستخدمي الانترنيت وخاصة أولئك المقيمين خارج إيران إلى انتقاد الإصلاحيين واتهامهم بأنهم انتهازيون ومتعطشون للسلطة يرغبون في البقاء فيها مهما كان الثمن. وفي الواقع، إن أيديولوجية الإصلاحيين قائمة على معارضة أي تغيير في النظام وأي تحولات الجذرية. فالإصلاحيون لم يسعوا إلى الإطاحة بالحكومة في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2009 بل طالبوا بإلغاء نتائج الانتخابات ولن يسعوا اليوم إلى إيجاد حلول مفاجئة وجذرية ويفضلون تخطي التحديات من خلال الإصلاح التدريجي.

وقد صرّح سعيد لايلاز وهو محلل سياسي إصلاحي بارز وأستاذ جامعي، للمونيتور قائلًا: "على الرغم من وجود المشاكل التي تسبب أزمات مختلفة في البلاد والصعوبات التي يواجهها الشعب، إلا أنه علينا أن نتذكر أنه لا يمكن إلقاء اللوم على الإدارة لأن بعض المؤسسات الأخرى تتحمل بعض المسؤولية أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، هذه الصعوبات ليست عذرًا للدفاع عن العنف والفوضى في بالبلاد".

وأضاف: "وبحسب تحليلي الشخصي، سيقوم المزيد من الشخصيات الإصلاحية في الأيام المقبلة بالدفاع عن الإدارة وتوضيح مواقفهم من الاحتجاجات وحق الشعب في التجمع السلمي وضرورة تجنب العنف. فلطالما عارض السلوك الإصلاحي التحركات العنيفة".

في النهاية، يبدو أن روحاني وإدارته يواجهان مهمة كبيرة: السيطرة على البلد والحفاظ على استقراره من دون اللجوء إلى العنف.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق