من الأمور البديهية المعترّف بها، أن الإمام الحسين عليه السلام تعرض للظلم بأشد درجاته، مع أنه يشكل امتدادا للدوحة المحمدية، وكان جده النبي محمد (ص) يوصي المسلمين بسبطيه (الحسن والحسين) خيرا، وطالبهم بالمودة في القربى، كما ورد ذلك في نص قرآني مبارك، لكن الذي حصل فيما بعد رحيل الرسول الأكرم هو عكس ما أوصى به تماما، فقد استبيحت دماء الحسين وذويه وصحبه (حتى الطفل الرضيع) لم يسلم من سيوف ونبال جيوش يزيد المجرم الذي ألحق ظلما عظيما بآل الدوحة المحمدية.
لكن الظلم لم يتوقف على ذلك العهد فهنالك من واصل ظلم الإمام الحسين، من الحكام الطغاة أو من الناس العاديين، فكل من حاول منع الزوار من زيارة مرقد أبي عبد الله في كربلاء المقدسة ارتكب ظلما بحق الإمام، وكل من منع إحياء الشعائر وضايق أتباع الإمام ولاحقهم وطاردهم وقام بتعذيبهم، كل هؤلاء واصلوا ظلمهم للإمام الحسين وهم جميعا سوف يتلقون العقاب الذي يوازي أفعالهم الشنيعة.
وقد لا نستغرب إذا قلنا أن بعض محبي الإمام يواصلون ظلمه؟ كيف؟، إنهم بعدم التزامهم بمبادئ الحسين (ع) يقومون بظلم الإمام، وكل من عليه واجب إزاء الإمام ويتخلى عنه فإنه يشارك بهذا النوع من الظلم، لهذا هنالك مسؤوليات ينبغي مراعاتها تجاه إمامنا الحسين (ع)، من باب الالتزام بمعنى النص القرآني (المودة في القربى)، ومن بين هذه المسؤوليات، مهمات التبليغ التي تقع على عاتق المبلغين، وهي مسؤولية كبرى، وواجب ينبغي أن يؤديه المبلغون على أكمل وجه.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية مباركة له: (إن مسؤولية المبلّغين كبيرة، وفي هذا الشهر تكون مضاعفة، ومسؤولية العلماء أكبر بحيث إذا صلحوا صلح العالم كلّه، وإذا فسدوا فسد العالم كلّه). وهناك قضية مهمة مرتبطة بالتبليغ، لا تقل أهمية عن الالتزام به، وهي أن يكون المبلّغ عارفا بالقضية الحسينية بصورة جيدة حتى يكون دقيقا وأمينا ومقنعا للناس عندما يقوم بمهمته في نشر مبادئ الفكر الحسيني.
لذلك: (دعا سماحته الفضلاء والطلاب إلى التدبّر بشكل جيد في روايات المعصومين صلوات الله عليهم حول قضية الإمام الحسين سلام الله عليه).
ويذكّر سماحته بالحذر من إلحاق الظلم بالإمام الحسين (ع)، فيقول المرجع الشيرازي: (لا شك أن الله تبارك وتعالى لا يغفل عمّن يلحق الظلم بمولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه وبقضيته المقدسة وبما يرتبط بها أبداً وإن كان ظلمه بمقدار ذرة).
الإفتاء يخص الفقهاء
وثمة قضية أخرى على قدر كبير من الأهمية، وهي قضية الإفتاء، أو المبادرة لتفسير قضية دينية أو نص قرآني، أو حديث شريف وما أشبه، فليس من حق أي شخص أن يفتي بهذا الرأي أو ذاك، لأن هذا الأمر يتطلب معرفة كبيرة متخصصة، وإطلاعا واسعا في العلوم الدينية والفقهية، لذلك من غير الجائز أن يجيب شخص ما عن سؤال يتعلق بالشعائر الحسينية وهو لا يعرف الإجابة الصحيحة والدقيقة، وعليه أن يلتزم الصمت ويعلن أن الإجابة ليست من اختصاصه، بل من اختصاص الفقهاء المتبحرين في علوم الفقه.
كما ينبّه الى ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (من الصحيح أن يكون إبداء وجهات النظر والإفتاء حول الشعائر الحسينية خاصاً بالفقهاء والمراجع الأعلام فقط؛ فهم أعلم من غيرهم بها. فإذا سئل أحد حول عزاء مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه فعليه على الأقل أن يسكت إن لم يكن يعلم بالجواب الصحيح).
ولا يعني هذا أننا لا ننهض بمهمة التبليغ ونشر الفكر الحسيني في ربوع العالم أجمع، لأن نهضة الحسين (ع) أساسا قامت من أجل القضاء على الجهل وتوعية الناس، وتعريفهم بحقوقهم، وتشجيعهم على رفض الانتهاك وغمط الحقوق التي تقوم به السلطة أو سواها، فالإنسان حر كما خلقه الله، وإنتهاك حقوقه وحرمته ومكانته محرّمة إلهيا ونبويا ودينيا وإنسانيا، وجميع القوانين والسنن التي تتعلق بحقوق الإنسان ترفض رفضا قاطعا إلحاق الظلم بالناس مهما كانت الأسباب، نظرا لأهمية حفظ الكرامة الإنسانية وعدم التجاوز عليها لأي سبب كان.
هذه الأمور لا يفهمها كثيرون، وهذه المبادئ هي جوهر الثورة الحسينية، وعلى المبلغين إيصالها الى الناس جميعا، حتى يكونوا على معرفة تامة بها، ويدافعوا عنها، ويرفضوا إجراءات السلطان الجائر، حتى لو تطلب الأمر القيام بثورة، كما فعل الإمام الحسين (ع) بوقوفه المشرّف ضد الانحراف الأموي، لذلك كان الهدف الأول والأساس للإمام الحسين هو أن يهتدي الناس الى الحرية والدفاع عن حقوقهم مع الحفاظ على حقوق الله تعالى وحدوده.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لقد كان هدف مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه في نهضته إنقاذ الناس من الجهالة والضلالة. وقد نهض سلام الله عليه بإرادة نفسه من أجل هداية الناس).
إنقاذ الناس من الشبهات
ولابد أن يقوم الفقهاء المتخصصون بهذه المهمة، مهمة التبليغ، كل حسب قدرته واختصاصه ومؤهلاته، على أن يتم بذل أقصى الجهود في هذا المجال، فهناك من يحتاج الى فهم الدين جيدا ومعرفة أصول الإسلام، فضلا عن الحاجة الى رفع المستوى الثقافي للناس، ورفع مستوى وعيهم، خصوصا في ظل الأوضاع المضطربة التي تتطلب فهما متواصلا لما يجري من مستجدات في العالم، فمهمة المبلغين هي توضيح الأمور للناس وعدم بقائها مبهمة بالنسبة لهم.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أهمية هذه النقطة فيقول في كلمته نفسها: (إذن يجدر بنا جميعاً (المبلغين) أن نسعى ونبذل الجهود في تعليم الناس أصول الإسلام وفروعه وثقافته وننقذهم من الشبهات والانحرافات).
ولا شك أن هناك ركائز مهمة يرتكز عليها المبلغون ورجال الدين والفقهاء والخطباء، والحقيقة أن الجميع مشمول بتوفير وضبط هذه الركائز وقد ثبّتها سماحة المرجع الشيرازي بثلاث ركائز او شروط ينبغي أن يمتلكها المبلّغون وهي: (الالتزام بإخلاص النية، وبذل الجهود الكبيرة، وتفضيل الأعمال المثمرة).
وهي ركائز أو شروط مهمة وتساعد على التسريع بتحقيق الهدف المطلوب، كما أنها ستكون سببا في حصول المبلغين على التوفيق والنجاح في مهمتهم وحياتهم، وهم يقومون بمهمة كبيرة وغاية في الأهمية، ألا وهي هداية الناس وتوعيتهم، ونشر مبادئ الفكر الحسيني الإصلاحي فيما بينهم، كونه السبيل الأسرع لتحسين حياة الناس، وجعلها أكثر استقرارا وعدالة وموائمة لروح العصر الذي ينبغي أن يقوم على التوازن والاعتدال والسلام وحماية حقوق ال،سان وكرامته، وهي مبادئ حسينية قام الإمام الحسين (ع) بثورته من أجلها عندما انحرفت السلطة الأموية وتجاوزت على قيمة الإنسان وتجاوز على الإسلام المحمدي.
لهذا أكد سماحة المرجع الشيرازي في ختام كلمته القيمة هذه، قائلا: (إن نيل الموفقية في ممارسة الهداية ونيل رضا الله تعالى ورضا مولانا الإمام بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف منوط بمدى التزامكم بالأمور الثلاثة التي ذكرتها آنفاً) وهي (الالتزام بإخلاص النية، وبذل الجهود الكبيرة، وتفضيل الأعمال المثمرة).
اضف تعليق