في التاسع والعشرين من شهر رجب الأصبّ 1438للهجرة (27/4/2017م). أقيمت الجلسة العلمية الفكرية الخامسة عشرة مع كلمة نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي، وذلك في مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله مدينة قم المقدّسة.
حضر في هذه الجلسة العلماء والفضلاء من مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله وطلبة الحوزة العلمية، والشخصيات الاجتماعية والثقافية والإعلامية، إضافة إلى عدد من العلماء والفضلاء من مملكة البحرين.
تناول نجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في هذه الجلسة موضوع : (بذل الشفقة وملازمة الحنان مع الجهلة). وفيما يلي أدناه رؤوس نقاط هذه الكلمة القيّمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
ـ قال تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» القصص/5.
ـ قال امير المؤمنين عليه السلام: «اغتفر زلّة صديقِك ليوم يركبُك عدُّوك».
ـ وصية الامام الصادق عليه السلام إلى الشيعة (رواه الكليني بسند صحيح «ثقة عن ثقة» بل عالي الإسناد) قال عليه السلام: «لَيعطِفنَّ ذَووا السِّن منكم والنُّهى على ذُوي الجَهل وطُلّاب الرئاسة أو لتُصيبنّكُم لَعنتي أجمعين».
ـ قال تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ» الأنعام/44. المبلس: الساكت عما في نفسه واليائس المُتحير.
ـ شرح:
«النُّهى»: الإدراك، البصيرة، العقل، الفِطنة، الحكمة.
«ذوي الجهل»: الحُمق، الطيش، الغباء، الأرعن.
«طلاب الرئاسة»: العلو والاستعلاء والزعامة والسيادة في أي مجال. وعبارة «ليعطفنَّ» تفيد الاستمرارية والأبدية مدى الحياة والدوام والإقامة والملازمة والمتابعة والمواظبة والمثابرة والثبات عليه وليست أحياناً وفي بعض الأحوال.
ـ البحث عن «الشفقة» يكون ضمن عناوين خمسة: 1) التعريف والتحديد 2) المقتضيات والمتطلبات 3) الآفات وحجم الكارثة 4) الضرورة واللابدّية 5) الوعد الإلهي.
ـ العنوان الأول: التعريف والتحديد: مفهوم «الشفقة والتعطف» يقوم على أربع دعائم ومقدمات: 1) العفو والمغفرة 2) الستر عليه وعدم الفضح 3) السكوت معه 4) الإحسان والإفضال.
ـ العنوان الثاني: المقتضيات والمتطلّبات: يقتضي «التعطف» فهم الآخرين من خلال خمسة أبعاد: 1) الروح والفطرة 2) العقل والادراكات 3) القلب والمشاعر والأحاسيس 4) النفس والطبائع والنزعات والدوافع والكوابح 5) الفكر والخلقيات الثقافية والقناعات الحاصلة بسبب تلك الخلفيات والمبادئ التصورية والتصديقية.
ـ يرتكز «التعطّف» و«بذل الشفقة» على النظر من خلال عيون الآخرين وتوجهاتهم وقناعاتهم، والتوقف عن «الاسقاط» أي: التوقف عن تحليل حياة الآخرين بمختلف أبعادها طبقاً لحياتنا وقناعاتنا وفلسفتنا وآرائنا، والتوقف عن فرض النصائح والتجارب والإختبارات، ولا بأس اذا لم تكن على نحو الفرض والالزام والحتم والحكم.
ـ يقول أحد الحكماء: «شاهد كل شيء، وراقب كثيراً، وعدِّل قليلاً» أقول: الفكر السامي والعالي والاطروحات الراقية، رقيقة وهشّة، يسهُل دحضها والاستخفاف بها.
ـ استخدام الدرجات العالية من المهارة والاحتراف وإعمال الاتقان والكفاءة والجدارة مع الآخرين لا ينفع ولا يغني أبداً عن بذل اللطف والشفقة والتلطف معهم.
ـ من أبرز مظاهر «التعطف» وبذل الشفقة، ثلاث اُمور: 1) المدح والإطراء والتحليل والإشادة في المحضر والمغيب 2) الصمت والإصغاء الجيد 3) التفاعل وتبادل المشاعر.
ـ العنوان الثالث: الآفات وحجم الكارثة: مفردتي «الجهل وطلب الرئاسة» الواردتان في وصية الإمام الصادق عليه السلام إلى الشيعة، هما الركنان الاساسيان والمنحصران لكل مفسدة ودناءة وحقارة وردائة وخُبث يمكن أن يصدر من الإنسان، فهما العلة والسبب لكل شرّ يصدر من البشر وكل إساءة وتضيع حق واعتداء وظلم والتجاوز.
ـ يتسبب «التعطّف» تلفاً هائلاً في خمسة مجالات وهي: 1) الوقت والزمان 2) الأعصاب والراحة 3) الموارد والامكانات 4) العملية الادارية (في البيت والدوائر) 5) التخطيط والخريطة المستقبلية، تمثل هذه المجالات الخمسة كل الامور الحيوية والثمينة في الحياة، وربما لا يوجد في الحياة ما هو أثمن من هذه المجالات الخمس.
ـ بذل الشفقة و«التعطف» على الجهلة وطلاب الرئاسة، كارثة بلا حدود لكلي الطرفين: الباذل والمبذول.
أما بالنسبة إلى الباذل: أشد ما ينَغِّصُ على الإنسان حلاوة الحياة ويدَمِّر الأعصاب هو مفهوم «الشفقة» و«التعطف» بدعائمه ومقدماته الأربع التي ذكرناها في العنوان الأول، عند ذكر التعريف والتحديد لهذا المفهوم، فبذل العطف لمن ليس جديراً به يجلب انطباعاً شديداً من الذلّة والجُبن والغباء والخنوع، ولعله هو أعظم ما يقضي على كرامة الباذل.
وأما بالنسبة إلى «المبذول له» فانه يتسبب فيه حالة التطاول والتمادي بشكل هائل مما يؤدّي إلى الانشقاق والتمرّد والتفرّق والانقسام والتصدع والتشظّي و... حتي يتحول إلى وحش كاسر، وهذه النتيجة لا تكاد تتخلَّف في أغلب الاحيان.
ـ العنوان الرابع: الضّرورة واللابُدية: يمكن النظر في هذا العنوان من خلال أربع جهات:
الأولى: ان «الشفقة والحنان» يزرعان في الأفراد «الأمن الداخلي» والشعور والإحساس بالاطمئنان والركون والسكون والثقة بالنفس وهدوء البال، وتجنب الإحساس بالخوف والإضطراب والشعور بالخطر بشكل «لاواعي» في مجالين: 1) العمل والكدح ومزاولة المسئوليات 2) الشعور بالراحة في التعبير عن المشاعر الداخلية والقناعات والأفكار.
الثانية: ماذا عسانا أن نقول أو نفعل في مواجهة أمر الله تعالى وأمر الأئمة الأطهار عليهم السلام، هل بإمكاننا المعارضة أو الرفض أو الشجب أو المقاومة أو الممانعة، بل هل لنا أن نشتكي، كلاً، فيجب الرضوخ والخضوع والانسجام والتأييد والامتثال المطلق.
الثالثة: من أهم عوامل الحياة الاجتماعية «التعطّف» من حيثييتين: 1) استمرارية الحياة وحركة دولاب الحياة 2) حصول النموّ والتكامل ومعالجة التناقص والنقص المتنوع.
الرابعة: الناس الذين هم مصادر السخط والمشاكسة والايذاء للإنسان، فانهم بالضرورة، أهم مصادر الإلهام الفكري والمنافع والفوائد في الحياة، بل أنهم ماكنة هائلة الصناعة الفُرص.
ـ العنوان الخامس: الوعد الالهي: بذل الشفقة وعطائها وانفاقها واغداقها ومنحها والجود بها وهبتها اذا كان بلا قيد ولا حد ـ كما تقتضيه وصية الإمام الصادق عليه السلام، من أن حذف المتعلق يفيد العموم ـ فإنه يحقق مفهوم «الاستضعاف» في الباذل، بسبب ما ذكرناه من يسبب هذا البذل للتمادي والتطاول من قبل (المبذول له)، ومع تحقق مفهوم «الاستضعاف» يتحقق الوعد الالهي العظيم وهو «الامامة» و«سلطة الوراثة» رتقاً لما يحصل من الفتق العظيم بالتعطّف للجهلة وطُلّاب الرئاسة، وجبراناً ورأباً للصدع وترميماً، وياله من جبران ورتق وترميم، وهو الفوز العظيم، كأنه تدمير للمواهب الشخصية والاستغناء عنها، وتعلّق ونُهوض بالارادة الالهية (نُريد) والطاقات الربوبية؟
اضف تعليق