لهذا الشهر الفضيل، طقوس وعادات تميزه عن غيره من الشهور، ويختلف استقباله من مدينة الى أخرى اما عند الكربلائيين فله نكهة خاصة بطابعه الفلكلوري الأصيل، عرفت هذه المدينة المقدسة بالمحافظة على تراثها العريق، وبقية هذه الطقوس الى يومنا هذا، ومن ذاكرة التراث الكربلائي وبعض طقوسه في استقبال شهر رمضان المبارك حيث يستعد الناس لشراء المواد الغذائية الخاصة بالشهر "كالطحين الصفر" والتمن العنبر( من أنواع الرز)، والدهن الحر (من أنواع السمن)، والهيل وماء الورد، وتعرف هذه التجهيزات الغذائية بـ (الكَيْل)، ويزداد عليها الشراء والطلب في الاسواق القديمة المعروفة بالمدينة كسوق الدهان.
من العادات المتوارثة عند العائلة الكربلائية (وهي التَّسابيج) وهي الصوم قبل شهر رمضان ثلاثة أيام أو أكثرا يتسابقون الى الصيام، وعند اكمال شهر شعبان، وعند الاذان تصعد العائلة لترى هلال شهر رمضان، وبعد التأكد من رؤيته، ينشرون الخبر عند الجيران، والاقرباء.
وفي الليالي الأُولى من هذا الشهر تكثر (البسطات) التي يُعرض فيها اللبن والتمر، ومن التراث الكربلائي مآذن الروضتين الحسينية والعباسية التي تصدح منها العبارات التهليل والترحيب، بصوت الحاج مصطفى الصراف (مرحبا يا رمضان)، وبعدها يبدأ تبادل الاطباق بين الجيران، في الساعة الثانية يأتي المسحراتي ويضرب على الطبل بصوت منادياً (سحور اصحه يا نائم).. يطوف بالمحلة ليوقظ النائمين، تصحو العائلة على صوته ويقدمون له الطعام والماء، وقد جرت العادة في المجتمع الكربلائي في هذا الشهر ان يمارس الناس أعمالاً دينية نذكر منها زيارة العتبات المقدسة، وإعطاء الخيرات والمبرّات في كل ليلة من ليالي رمضان، وخاصة في ليالي القدرـ وبين العتبتين يتم برنامج عبادي ذا طابع خاص وهو (حمل المصاحف وقراءة الجوشن الكبير) وإقامة مجلس عزاء باستشهاد الامام علي (ع) وهناك مجالس خاصة للإفطار تقيمها بعض الأسر الموسرة بمثابة خيرات.
ومن المميزات الخاصة بليالي القدر أن الناس يسهرون حتّى الصباح، وفيها يتوافد الزوّار على الاضرحة المقدسة، ثمّ يتوجهون إلى النجف، حيث تصادف ذكرى استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) يخرج موكب عزاء يحمل مثالاً لنعش الإمام مغطّى بعمامة خضراء، ثمّ يطوف الموكب شوارع المدينة وساحاتها ماراً بالروضتين وينتهي بالدار، وبعدها ينطلق موكب عزاء من مدينة كربلاء الى النجف الاشرف، وفي الجمعة الاخيرة من شهر رمضان السفر إلى سامراء بعد صلاة الظهر والعودة إلى كربلاء في منتصف الليل من قبل السحور بساعة تقريباً.
وكانت أُخريات رمضان تمتاز بهديل عذب تتخلله رقّة وعذوبة، ويستهله بمناجاة حلوة وهي بصوت المؤذن وقت الغروب أو في السحور (الوداع.. الوداع.. يا شهر رمضان، الوداع يا شهر الطاعة) وفي صباح اليوم الأول من العيد السعيد، يؤدي الناس صلاة العيد بين الحرمين ومن ثَمّ يؤدون زيارة القبور ثمّ يزورون أقرباءهم وأصدقاءهم (يتعايدون) مع بعضهم ، ولا ننسى (العيدية).
هكذا كان رمضان في كربلاء له نكهة خاصّة قلّما نجدها في منطقة أخرى من مناطق العراق، ولعلّ للعتبات المقدّسة في إبراز تلك الطقوس بالكيفيّة التي ذكرتها آنفاً، وعادات في توديعه حين يشد الرحال في الايام الاخيرة، وهذه الطقوس بعضها متوارث عن اجدادهم، وبعضها طبائع تجذرت في نفوس الكربلائيين.
اضف تعليق