طلَبات هذهِ الطَّبقة وحاجاتِها غَير مُكلِفة يسهُل على الدَّولةِ تلبيتَها، وهي عادةً لا تُمثِّل مصدراً لابتزازِها إِذا أَحسنت الدَّولة التصرُّف معها وتلبيةَ حاجاتِها المعاشيَّة اليَوميَّة. أَمَّا الطَّبقة الثَّانية فهيَ سببُ كُلَّ مصائِب الدَّولة، وقد أَطلقَ عليهِم القُرآن الكريم صفة (المُترفُون)، فالخاصَّةُ طلباتهُم كثيرةٌ ومُتعدِّدة وتلبيتهُم ضعيفةٌ، أَمَّا العامَّةُ فطلباتهُم...
(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).
يعتمِدُ إِقتصادُ الدَّولة في منهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) على ثابِتَينِ في غايةِ الأَهميَّة؛
الأَوَّل؛ هوَ تقديمُ الإِهتمامِ بمصالحِ الطَّبقةِ المُستضعفةِ [الفقيرةِ] على مصالحِ الطَّبقةِ الميسورةِ [الغنيَّة] أَو ما يصفهُم أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بالطَّبقةِ العامَّةِ والطَّبقةِ الخاصَّة.
الثَّاني؛ هوَ الإِلتزام بالحدُودِ والحقوقِ عندَ جبايةِ الخراجِ من صدقاتٍ وزكاةٍ وحقُوقٍ شرعيَّةٍ أُخرى.
أَمَّا الثَّابت الأَوَّل فلأَنَّ الطَّبقةِ المُستضعفةِ تُشكِّلُ الأَغلبيَّة المُطلقة في المُجتمعِ وهي عَمادُ الدَّولة، فإِذا استقرَّ معاشُها استقرَّت أَركانُ الدَّولة والعكسُ هو الصَّحيح فالدَّولةُ التي تتجاهل حاجاتها لا تستقرُّ أَبداً.
فضلاً عن أَنَّها [جيشُ الدَّولة] إِذا ما أَلمَّ بها الخطَر.
ولا ننسى فإِنَّ طلَبات هذهِ الطَّبقة وحاجاتِها غَير مُكلِفة يسهُل على الدَّولةِ تلبيتَها، وهي عادةً لا تُمثِّل مصدراً لابتزازِها إِذا أَحسنت الدَّولة التصرُّف معها وتلبيةَ حاجاتِها المعاشيَّة اليَوميَّة.
أَمَّا الطَّبقة الثَّانية [الأَغنياء] فهيَ سببُ كُلَّ مصائِب الدَّولة، وقد أَطلقَ عليهِم القُرآن الكريم صفة [المُترفُون] كما في قولهِ تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمبِهِ كَافِرُونَ) وقولهُ تعالى (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ).
وهُم كذلكَ سببُ العذابِ لطبيعةِ سلوكيَّاتِهم (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّعَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
ومن الواضحِ جدّاً فإِنَّ ذلكَ لا يعني ذمّاً للأَغنياِءِ والغِنى بالمُطلقِ، أَبداً، وإِنَّما ذمٌّ للسلوكيَّاتِ غَير المحمودةِ التي يتميَّز بها جُلُّ طبقةِ الأَغنياءِ.
ولقد شرحَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) هذهِ المُعادلةِ الدَّقيقةِ في عهدهِ للأَشترِ بقَولهِ (ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وأَقَلَّ مَعُونَةً لَه فِي الْبَلَاءِ وأَكْرَه لِلإِنْصَافِ وأَسْأَلَ بِالإِلْحَافِ وأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ وأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ ومَيْلُكَ مَعَهُمْ).
فالخاصَّةُ طلباتهُم كثيرةٌ ومُتعدِّدة وتلبيتهُم ضعيفةٌ، أَمَّا العامَّةُ فطلباتهُم قليلةٌ إِلَّا أَنَّ استجابتهُم سريعةٌ.
وفي العهدِ نصحَ وأَوصى أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) الأَشتر بالطَّبقةِ المُستضعفةِ كما يلي (ثُمَّ اللَّه اللَّه فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَى والزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً واحْفَظِ لِلَّه مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّه فِيهِمْ واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأَدْنَى وكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّه ولَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِه لإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُه الْعُيُونُ وتَحْقِرُه الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللَّه يَوْمَ تَلْقَاه فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّه فِي تَأْدِيَةِ حَقِّه إِلَيْه وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَاحِيلَةَ لَه ولَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَه وذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ والْحَقُّ كُلُّه ثَقِيلٌ وقَدْ يُخَفِّفُه اللَّه عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ ووَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّه لَهُمْ.
واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيه شَخْصَكَ وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيه لِلَّه الَّذِي خَلَقَكَ وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وشُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ (لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّه مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ) ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ والْعِيَّ ونَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ والأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّه عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِه ويُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِه وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وإِعْذَارٍ!).
وتأسيساً على هذهِ الفلسفة يُمكِنُنا القَول بأَنَّ معيار [العدالة الإِجتماعيَّة في الدَّولة] ومِقياسها هو طريقة تعامُلها مع الطَّبقةِ المُستضعفةِ [العامَّة] وليسَ بما تتعامَلُ بهِ مع الطَّبقةِ الغنيَّةِ [الخاصَّة].
وهذهِ هي الفلسفةُ القُرآنيَّةُ التي رسمَ معالِمها المُشرِّع في مُحكمِ كتابهِ الكريم، كما في الآياتِ الكريمةِ؛
(أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ* فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ* فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ* ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ* ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ* وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ).
(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).
(مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
السُّؤال هنا هُو؛ بمَن يهتمُّ مدعو الإِلتزام بنهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في الدَّولةِ؟! بالطَّبقةِ السُّفلى أَم بالطَّبقةِ الخاصَّةِ؟!.
نعتمِدُ جوابهُم لتقييمِ التزامهِم! وغَيرَ ذلكَ هُراءٌ وتضليلٌ!.
اضف تعليق