إِلى جانبِ التَّعليمِ والتَّربيةِ تشخَصُ مسؤُوليَّةً أُخرى في غايةِ الأَهميَّةِ أَلا وهيَ؛ تشويقُ الأَولادِ على القِراءةِ ليشُبُّوا ويكبرُوا وهُم يُحبُّونَ الكتابَ ويعشقُونَ القِراءة فتراهُم يشعرُونَ بالمللِ والضَّجرِ مثلاً أَو كأَنَّهم فقدُوا أَو نقصهُم شيئاً إِذا مرَّ عليهِم يومٌ لم يقرأُوا فيهِ كتاباً أَو مقالاً أَو بحثاً...
{وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
عددٌ من المسؤُوليَّاتِ يتحمَّلها الوالِدان إِزاءَ الأَولاد ولعلَّ من أَهمِّها التَّعليم ولقد أَشار أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) إِلى ذلكَ بقولهِ {الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ والآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ والْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ}.
ولذلكَ فإِنَّهُ (ع) عندما كتبَ وصيَّتهِ لابنهِ الحسن المُجتبى السِّبط (ع) بـ [حاضِرين] عندَ انصرافهِ من صفِّين [يُصادفُ (١٥) شهر رمَضان المُبارك عام (٣) للهجرةِ ذِكرى ولاتهِ وهوَ السِّبطُ الأَكبر لرسولِ الله (ص)] لخَّصَ لهُ كُلَّ خبرتهِ وتجربتهِ في الحياةِ كقاعدةٍ صُلبةٍ يبني عليها علومهِ ومعارفهِ.
كتبَ لهُ (ع) {أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه ونَفْعَه مِنْ ضَرَرِه فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَه وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَه وصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَه}.
وفي هذا النَّص يُعلِّمُنا (ع) كيف نقرأَ حياةَ الأُمم؟! وما الذي يلزم أَن نستخلِصهُ منها؟! وكيفَ نوظِّفَ ما نتعلَّمهُ منهُم في حياتِنا لمُواصلةِ النَّجاحاتِ وتجنُّبِ الفشلِ، وهي الأُمور التي يحتاجُها النَّشء الجديد وهوَ يستعِدُّ لدخُول الحياةِ.
هذا الواجبُ يُقصِّرُ فيهِ الأَبوان مع الأَبناءِ فيدعُونهُم يسترسِلونَ معَ حياةِ اللَّعبِ واللَّهوِ مُتذرِّعينَ بصغَرِ الولدِ أَو البنتِ فلماذا الإِستعجالُ في تعليمهِم أَو حثِّهم على القراءةِ والعلمِ وكسبِ المعارفِ والمهاراتِ؟!.
ولم تمرُّ أَيَّاماً معدوداتٍ حتَّى يُفاجأُوا بأَنَّ الأَولادَ كبرُوا وقد قوِيَ عودهُم فلم يعُد بالإِمكانِ تعليمهِم شيئاً يتعارض معَ ما تعلَّمُوهُ من غيرهِم!.
يرُدُّ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) على هذهِ النظريَّة الخطأ بقولهِ في وصيَّتهِ الآنفة الذِّكر {أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ورَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وفِتَنِ الدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ، وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهِ وتَجْرِبَتَهِ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيه واسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْه}.
خاصَّة في زمانِنا هذا الذي تطوَّرَ فيهِ وعيُ الإِنسانِ واتَّسعت قُدرتهِ على الإِستيعابِ بما ضاعفَ عندهُ الزَّمن أَضعافاً مُضاعَفة.
وإِلى جانبِ التَّعليمِ والتَّربيةِ تشخَصُ مسؤُوليَّةً أُخرى في غايةِ الأَهميَّةِ أَلا وهيَ؛ تشويقُ الأَولادِ على القِراءةِ ليشُبُّوا ويكبرُوا وهُم يُحبُّونَ الكتابَ ويعشقُونَ القِراءة فتراهُم يشعرُونَ بالمللِ والضَّجرِ مثلاً أَو كأَنَّهم فقدُوا أَو نقصهُم شيئاً إِذا مرَّ عليهِم يومٌ لم يقرأُوا فيهِ كتاباً أَو مقالاً أَو بحثاً.
إِنَّ من العاداتِ الجميلةِ في بلادِ الغربِ أَنَّهم يعلِّمُونَ الأَطفالَ ويشجِّعونهُم على القراءةِ وهُم صغارٌ حتَّى قبلَ أَن يدخلُوا المدرسةَ، مِن خلالِ حثِّهِم على زيارةِ المكتباتِ العامَّةِ معَ الأَبِ أَو الأُمِّ أَو إِجراء المُسابقاتِ مثلاً أَو توزيعِ الهدايا أَو ما أَشبه، كما أَنَّ من الظَّواهرِ الإِيجابيَّةِ التي تُشجِّعُ على القراءةِ أَنَّكَ تجد الكتابَ معروضاً للبيعِ في كُلِّ مكانٍ وليسَ في المكتباتِ المُخصَّصةِ لبيعِ الكُتُبِ، كما ترى أَكشاك الكُتُبِ للإِستعارةِ العَّامَّةِ في المُجمَّعاتِ السَّكنيَّةِ ومن دونِ إِدارةٍ أَو رقيبٍ! ولذلكَ تُلاحظ ظاهِرة القراءة مُنتشرِة عندَ الكبارِ في الباصاتِ العامَّة والقِطارات وفي عِيادات الأَطبَّاء ومكاتبِ المُحامينَ وفي الحدائقِ والمُتنزَّهاتِ وغيرِها، إِذ ترى أَنَّ كُلَّ واحدٍ منهُم [رجُلاً كانَ أَو إِمرأَة] يحمِلُ في مِحفظَتهِ الخاصَّة كِتاباً أَو يستخدم الأَجهزة الخاصَّة بتحميلِ الكتابِ أَو جهازِ هاتفهِ الخاصِّ الذي حمَّلهُ مجموعةً من الكتُبِ الأَليكترونيَّة بنظامِ [PDF] ليُباشرَ القِراءةَ كلَّما سنحَت لهُ الفُرصةَ.
يلزمنا أَن ندرسَ هذهِ التَّجربة ونطوِّرها ونُحسِّنها وننقلَها إِلى مُجتمعِنا.
إِنَّ القراءةَ [عادةٌ] في جانبٍ منها يتطبَّعُ عليها الإِنسانُ في طفُولتهِ ولذلكَ قيلَ [مَن شبَّ على شيءٌ شابَ عليهِ] ولهذا ينبغي أَن نُعلِّمَ أَطفالنا القِراءة ومُصادقةَ الكتابِ وهُم بعدُ في بِداياتِ مِشوارهِم وقبلَ أَن يكبرُوا ليتسلَّحُوا بعادةِ القِراءةِ لكسبِ العلمِ والمَعرفةِ فلا يتأَثَّرونَ بالتَّفاهاتِ مهما كانَ شِكلها وبأَيِّ زيٍّ تقدَّمت لهُم، أَو أَن يُضيِّعوا وقتهُم من دون ثمرةٍ.
يقُولُ رسُولُ اللهِ (ص) {مَن تعلَّمَ في شَبابهِ كانَ بمَنزِلةِ الرَّسمِ في الحَجَرِ، ومَن تعلَّمَ وهوَ كبيرٌ كانَ بمَنزِلةِ الكِتابِ على وَجهِ الماءِ}.
ويصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) كيفَ كانَ يرعاهُ رسُولَ الله (ص) بالعلمِ والمعرِفةِ والتَّربيةِ وهوَ بعدُ صغيرٌ بقَولهِ {وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ}.
ويُضيفُ (ع) {ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ.
ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (ص) فقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ (هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ}.
اضف تعليق