الإِمام أَغلقَ البابَ بوجهِ مُحاولاتِ مُعاوية توريث السُّلطةِ كما كانَ يُخطِّط لهُ، وأَنَّهُ (ع) سلَّمهُ الخِلافة بشَكلٍ مُؤَقَّت لحينِ فضحِ سياساتهِ وخُدعِهِ التي يُخطِّط لها باسمِ الدِّين، ثم يعُود الخَيار بيدِ الأُمَّة كما كان يَومَ أَن بايعتهُ للخلافةِ بعدَ استشهادِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع). واحدٌ فقط مِن كُلِّ الأُمَّة...
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}.
وهذا كُلُّ الذي فعلهُ الإِمام الحسنُ بن عليٍّ المُجتبى سبطِ رسُولَ الله (ص) [تُصادفُ اللَّيلة (١٥ شهرُ رمضانَ المُبارك) ذِكرى ولادتهِ الميمُونةِ (ع) في المدينةِ المُنَّورةِ عام (٣ للهِجرةِ)].
فليسَ لرسولٍ أَو نبيٍّ أَو إِمامٍ أَو مُصلحٍ أَن يفرُض رأيهُ على الأُمَّةِ، خاصَّةً ما يتعلَّق بالإِيمانِ والعقيدةِ، أَي ما يتعلَّق بالقلبِ والعقلِ، حتَّى القُرآن الكريم لا ينبغي لهُم فرضهُ إِذا لم تقتنِع الأُمَّة برسالتهِ ورُؤيتهِ وفَهمهِ الرِّسالي الربَّاني السَّماوي إِذا كانت الأُمَّة عمياء ترفض استيعاب كُلَّ ذلكَ لأَيِّ سببٍ كانَ {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
فالإِنسانُ الفَرد أَو الإِنسان الأُمَّة إِذا كانَ أَعمى [عمياء] لا يهتدي إِلى طريقِ الحقِّ ويرفُض أَن يتعلَّم أَو يصغي إِلى الإِمام، فليسَ بإِمكانِ أَحدٍ أَن يجبرهُ على حلٍّ سليمٍ، لأَنَّ الحلُول العقليَّة والمنطقيَّة السَّليمة عادةً لا تُفرض وإِنَّما تتحقَّق بالقناعةِ.
فبعدَ أَن بويعَ للخلافةِ بعد استشهادِ أَبيهِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) سعى الحسنُ (ع) لإِكمالِ المِشوارِ الذي سارَ عليهِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في قتالِ الفئَةِ الباغيةِ حسبَ القواعِد والمُواصفات التي ذكرَها القُرآن الكريم بقولهِ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
فالتَّسلسُل القرآني لأَيِّ اقتتالٍ داخليٍّ بينَ المُؤمنينَ هو كالتَّالي؛
١/ السَّعي للإِصلاحِ بينَ الفِئتَينِ المُتقاتِلتَينِ بالحوارِ والسِّياسةِ والديبلوماسيَّة.
٢/ إِذا فشلت المساعي المدنيَّة [السلميَّة] فعلى الجماعةِ أَن تُقاتلَ التي تبغي وبالطَّريقةِ التي تراها مُناسبةً للضَّغطِ على البُغاةِ لإِجبارهِم على الإِنصياعِ للحقِّ رغماً عنهُم، بعد أَن رفضُوا الحلُول السلميَّة.
٣/ إِذا فاءَ البُغاةُ بعد قتالهِم تعود الجماعة لتبذِلَ الجهُود اللَّازمة والمُمكنة لتحقيقِ إِصلاحِ ذاتِ البَينِ مرَّةً أُخرى، شريطةَ أَن يكونَ الإِصلاحُ هذهِ المرَّة تحديداً، أَي بعدَ القتالِ، بالعدلِ والقسطِ، من خلالِ توظيفِ نتائج القِتال، إِذ يجب أَن يدفعَ البُغاة ثمن القِتال الذي تُراقُ فيهِ دماءٌ وتُسبى بهِ أَعراضٌ ويتمُّ فيهِ التَّجاوز على الحقُوق وإِلى غيرِ ذلكَ من الآثار المُدمِّرة لأَيِّ اقتتالٍ داخليٍّ، فشرُوط الصُّلح بين الفِئتَينِ والثَّمن المدفُوع يختلفُ في المرحلتَينِ، مرحلة ما قبلَ القِتال ومرحلة ما بعدَهُ.
وليسَ من العدلِ والقسطِ أَن تتساوى فيهِ الفِئتانِ المُتقاتِلتانِ، الباغيةُ والمبغيُّ عليها في دفعِ وجني الثَّمن على حدٍّ سَواء!.
وكلُّ ذلكَ ضمانات يضعَها القرآن الكريم من أَجلِ أَن لا يتكرَّر الإِقتتال الدَّاخلي بينَ فترةٍ وأُخرى، فأَنتَ إِذا لم تُجفِّف منابِع هذا الإِقتتال وتُزيلَ أَسبابهِ بشَكلٍ جذريٍّ فستترُك الجُرح مفتُوحاً قد ينزِف في أَيَّةِ لحظةٍ.
ولقد بذلَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) كُلَّ جُهدهِ من أَجلِ إِقناعِ [أَصحابهِ] عندما دعُوهُ للتَّحكيمِ بأَنَّ المَوقف الشَّرعي من التَّحكيمِ يكونُ بعدَ إِذعانِ البُغاة [مُعاوية وحزبهِ] لأَمرِ الله وليسَ قبلَ ذلكَ، تأسيساً على نصِّ الآيةِ المُباركة، إِلَّا أَنَّ المُغفَّلينَ أَصرُّوا على التَّحكيم قبلَ الإِفاءة، وعندما شعرُوا بخطئهِم بل بجريمتهِم الكُبرى التي ارتكبُوها بحقِّ دينهِم وقُرآنهم وإِمامهِم، دعَوا أَميرَ المُؤمنينَ (ع) مرَّةً أُخرى للقتالِ وعدَمِ القبُولِ بالتَّحكيمِ الذي فُرِضَ عليهِ فرضاً بسببِ خديعةِ [رفعِ المصاحفِ] على الرَّغمِ من أَنَّهُ (ع) كان قد قالَ لهُم وأَكَّدَ بأَنَّ القومَ ليسُوا بأَهلِ قُرآنٍ ولا دينٍ ففي رسالةٍ لهُ إِلى مُعاوية يقولُ لهُ فيها موضِّحاً الأَمر والحقيقة لِمن يطلُبها {وَقَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَلَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَالسَّلَامُ} ومعَ ذلكَ وقعَ المُغفَّلُونَ في شباكِ الخديعةِ، ثم أَرادُوا أَن يعودُوا عنها بفرضِ القتالِ مرَّةً أُخرى عليهِ.
يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حال العِصيان والتمرُّد الذي أَصابَ جبهتهِ العسكريَّةِ بقولهِ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ؛
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ}.
مرض النُّفوس والعقُول
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ}.
رفضُوا أَن يستوعبُوا منطُوق ومفهُوم وجَوهر الآية الكريمة {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ} على الرَّغمِ من كُلِّ الجهود المعرفيَّة التي بذلها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) لإِقناعهِم بالعقلِ والمنطقِ وهو مُتسلِّحٌ بالآيةِ {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ} من أَجلِ تحقيقِ الهدفِ بأَقلِّ الخسائرِ ولحمايةِ جبهتهِ الداخليَّة من التفتُّتِ والتمزُّقِ إِلَّا أَنَّ مرض النُّفوس والعقُول والقلُوب كانَ أَقوى من كُلِّ المفاهيم القُرآنيَّة مع وجودِ الإِمام والخليفة بين ظهرانيهِم ولذلكَ خدعتهُم دَعاية الطَّاغوت واصطادهُم مكرهُ فخلقُوا بجهلهِم، الذي وصلَ إِلى حدِّ يقولُ فيهِ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ} رأياً عامّاً إِختارَ التَّحكيم ليفرضهُ على الإِمام.
ولمَّا أَحسُّوا بالخديعةِ وقد انطلت عليهِم على الرَّغمِ مِن أَن التَّحكيم كانَ خيارهُم وليسَ خَيار الإِمام، كما أَنَّ تسميَةِ العضُو الذي سيُمثِّلهُم في عمليَّة التَّحكيم [أَبو موسى الأَشعري] كانَ اختيارهُم كذلكَ وليسَ اختيارَ الإِمام الذي أَرادَ أَن يُمثِّلهُ [مالِك الأَشتر] لثقتهِ العاليةِ به والذي قالَ عنهُ مرَّة {كانَ لي مالِكٌ كما كنتُ لرسُولِ الله (ص)} وعلى الرَّغمِ من أَنَّهم كانُوا على وعيٍ ويقينٍ بأَنَّ عمليَّة التَّحكيم ستتمُّ تحتَ دفَّتَي القرآن الكريم، ولكنَّهم ومعَ كُلِّ ذلكَ عادُوا إِلى المربَّع الأَوَّل يطلبُونَ القِتال ولكن مِن دونِ أَن يتحمَّلُوا أَيَّة مسؤُوليَّة وإِنَّما راحُوا يلُومُونَ الإِمام ويُحمِّلونهُ كامِل المسؤُوليَّة على الرَّغمِ من أَنَّ القرآن الكريم يحثُّ على لَومِ النَّفسِ بمثلِ هذهِ الحالاتِ مِن دونِ البحثِ عن كبشِ فداءٍ يرمُونَ عليهِ المسؤُوليَّة للهربِ منها {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
والمُضحك المُبكي في قصَّة المُغفَّلينَ من [أَصحابِ] الإِمام أَنَّهم راحُوا يلومُونَ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) لأَنَّهُ حكَّم القرآن الكريم، على حدِّ زعمهِم، وهي رُبما أَسخف تُهمة يوجِّهونها للإِمامِ بعد تُهمة [الكُفر]!.
ولقد ردَّ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) على هذهِ التُّهمة بقولهِ {إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَرَدُّهُ إِلَى اللَّهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِهَا وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلًا فِي التَّحْكِيمِ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا تُؤْخَذَ بِأَكْظَامِهَا فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ وَتَنْقَادَ لِأَوَّلِ الْغَيِّ}.
ولقد كانت النِّهاية أَن تآمرَ المُغفَّلون على أَميرِ المُؤمنينَ (ع) ليقتلوهُ في محرابِ الصَّلاةِ لتُبايع الأُمَّة فوراً إِبنهُ الحسَن المُجتبى (ع) بنفسِ الطَّريقة والآليَّة التي بويِعَ بها أَبوهُ أَميرَ المُؤمنينَ (ع).
ولقد حاولَ إِكمال المشوار ليتبيَّن لهُ فيما بعدُ أَنَّ المُغفَّلين الذين إِدَّعَوا أَنَّهم شعرُوا بالخديعةِ ويريدُون تصحيح الخطأ، مازالوا على نفسِ الخطأ لم يتغيَّر شيء فمازالت عقُولهِم المريضة تتحكَّم بالمشهدِ فاتَّخذَ الإِمامُ قرارَ [الصُّلح] مع مُعاوية وتسليمهِ السُّلطة حقناً للدَّم وحِمايةً للعِرضِ الذي كان ينتهكهُ الأَخير وجنُودهُ كُلَّما تمكَّن من مدينةٍ من مُدن الدَّولة الإِسلاميَّة التي كانَ يحكمَها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بعدَ أَن علِمَ أَنَّ خُطَّة اعتقالهِ وإِرسالهِ أَسيراً إِلى الشَّام على يدِ [المُغفَّلين] الذينَ اشتراهُم مُعاوية بالمال والمناصِب، كادت أَن تُنفَّذ.
ولقد أُثيرت ضدَّ قرار الإِمام الحسَن المُجتبى (ع) عدَّة شُبُهات وتُهم مُوجَّهة ضدَّ شخص الإِمام، أَهمَّها ثَلاث؛
- إِنَّهُ خافَ الحرب ولذلكَ تصالحَ معَ مُعاوية، وهذهِ يردُّها قولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في بعضِ أَيَّامِ صفِّين وقد رأَى الحَسن يتسرَّع إِلى الحرب {امْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ [يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (ع)] عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ (ص)}.
- إِنَّهُ رأَى أَنَّ مُعاوية أَحقُّ بالخلافةِ منهُ (ع) وهذهِ يردُّها كلامهُ (ع) فعندَما ارتقى مُعاوية المنبر في المدينةِ خطبَ في النَّاس قائلاً [إِنَّ الحسَن بن عليٍّ رآني للخلافةِ أَهلاً ولم يرَ نفسهُ لها أَهلاً].
وكانَ الحسَنُ (ع) أَسفلَ منهُ بمرقاةٍ، فلمَّا فرغَ مُعاوية من كلامهِ قامَ الإِمامُ فحمِدَ الله تعالى بِما هوَ أَهلهُ، ثمَّ ذكرَ المُباهلة فقال {فجاءَ رسولُ الله (ص) من الأَنفُس بأَبي ومِن الأَبناء بي وبأَخي ومِن النِّساء بأُمِّي وكُنَّا أَهلهُ ونحنُ آلهُ، وهوَ منَّا ونحنُ مِنهُ، ولمَّا نزلَت آية التَّطهير جمعَنا رسولُ الله (ص) في كِساءٍ لأُمِّ سلَمة رضِي اللهُ عنها}.
- إِنَّهُ بتنازُلهِ عن الخلافةِ تجاوزَ على التَّفويض الذي منحتهُ الأُمَّة بالبيعةِ العامَّة، ويَرُدُّ على ذلكِ الشَّرط الذي وردَ في بنودِ [الصُّلح] التي دوَّنها الإِمام وبصيغَتَينِ؛ الأَولى تقولُ أَنَّهُ إِذا هلكَ مُعاوية فالأَمرُ يعُودُ شُورى للأُمَّة لتختارَ إِمامها، والثَّانية تنصُّ على أَنَّهُ إِذا هلكَ مُعاوية فالأَمرُ للحسَنِ وإِذا لم يكُن فلِلحُسينِ.
إِنَّ أَيّاً من النصَّينِ هو الأَصح والأَدق فهذا يعني أَنَّ الإِمام أَغلقَ البابَ بوجهِ مُحاولاتِ مُعاوية توريث السُّلطةِ كما كانَ يُخطِّط لهُ، وأَنَّهُ (ع) سلَّمهُ الخِلافة بشَكلٍ مُؤَقَّت لحينِ فضحِ سياساتهِ وخُدعِهِ التي يُخطِّط لها باسمِ الدِّين، ثم يعُود الخَيار بيدِ الأُمَّة كما كان يَومَ أَن بايعتهُ للخلافةِ بعدَ استشهادِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع).
واحدٌ فقط مِن كُلِّ الأُمَّة التزمَ ببنُودِ الإِتِّفاقِ، ذلكَ هوَ الإِمامُ الحُسين السِّبط (ع) الذي رفضَ بيعة يزيد بعدَ هلاكِ مُعاوية.
فكانَ (ع) وفيّاً لأَخيهِ الحَسَن السِّبط (ع) وكانَت عاشُوراءُ ثمنَ هذا الوَفاء.
اضف تعليق