q
ملفات - شهر رمضان

هل تفكِّر كما يُفكِّر الآخرُون؟

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (١٨)

واحدةً من طُرُق التَّفكير الأَعوَج التي تنتهي بصاحبِها إِلى الفشَل والتخلُّف هو عندَما يضبط المرءُ ساعتهُ على توقيتاتِ الآخَرين، كما يُقال، فيُفكِّر كما يُفكِّر الآخرُون ويسير ويمشي ويلبس ويقرأ ويكتُب ويُصادِق ويُعادي ويتبنَّى ويُصدِّق ويُكذِّب ويُخطِّط ويقضي وقتهُ كما يفعَل الآخرُون وحسبَ أَمزجتهِم، لدرجةِ أَنَّ شخصيَّتهُ تذُوبُ...

{يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

إِنَّ {أَنفُسَكُمْ} هذهِ تارةً تكُونُ الإِنسان الفَرد وتارةً تكُونُ الإِنسان الجَماعة.

وهي تُشيرُ إِلى البِدايةِ [المُنطلقِ] وإِلى المقصدِ [العَمل] مرُوراً بالأَدواتِ والوسائلِ.

فإِذا كانت تعني الإِنسان الفَرد فبمعنى أَنَّ عليكَ أَن لا تلتفتَ إِلى الآخَرين أَو إِلى المُحيط الإِجتماعي [والإِفتراضي] الذي تعيشُ فيهِ وشعارُك [حشرٌ مَع النَّاسِ عيدٌ] و [لَو عمَّت هانَت] بل يلزمكَ أَن تشقَّ طريقكَ السَّليم والصَّحيح وبأَدواتٍ سليمةٍ وطاهرةٍ في الحياةِ لتُنجِزَ واجِباتِكَ وتتحمَّل مسؤُوليَّاتك مهما كانَ نَوع المُحيط الذي تعيشُ فيهِ سيِّئاً وسلبيّاً ومُتشائِماً، فالنَّجاحُ والفَشلُ مسؤُوليَّةً عينيَّةً [فرديَّةً] أَوَّلاً ثُمَّ تتحوَّل إِلى مسؤُوليَّةِ الجماعةِ والمُجتمعِ كما يصِفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا} مِن دُونِ الإِستسلامِ لِما يفرضهُ الواقع على السُّلوكِ الشَّخصي على الأَقل، كما يشرحُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي}.

أَمَّا إِذا كانت بمعنى الإِنسان الجَماعة فبمعنى أَنَّ عليها أَن تفكِّر وتُخطِّط وتأخُذ بكُلِّ أَسباب النَّجاح والتقدُّم بغضِّ النَّظر عن حالِ الجماعاتِ الأُخرى إِذا كانت فاشِلة ومُتخلِّفة مثلاً.

قالَ تعالى {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

وبهذهِ القاعِدة تتجلَّى قيمة التَّنافُس سواءً على مُستوى الإِنسان الفرد أَو الإِنسان الجماعةِ {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فلَولا ذلكَ لما شهِدنا ناجحٌ إِلى جانبِ فاشلٍ أَو أَمَّةٌ ناجِحةٌ إِلى جانبِ أُمَّةٍ فاشِلةٍ.

وقِس على ذلكَ كُلَّ حالاتِ النَّجاحِ والفشلِ على مُختلفِ المُستوياتِ كالتَّعليمِ والصحَّة والبيئة وغيرِها.

إِنَّ واحدةً من طُرُق التَّفكير الأَعوَج التي تنتهي بصاحبِها إِلى الفشَل والتخلُّف هو عندَما يضبط المرءُ ساعتهُ على توقيتاتِ الآخَرين، كما يُقال، فيُفكِّر كما يُفكِّر الآخرُون ويسير ويمشي ويلبس ويقرأ ويكتُب ويُصادِق ويُعادي ويتبنَّى ويُصدِّق ويُكذِّب ويُخطِّط ويقضي وقتهُ كما يفعَل الآخرُون وحسبَ أَمزجتهِم، لدرجةِ أَنَّ شخصيَّتهُ تذُوبُ بالآخرين فلم تعُد لهُ شخصيَّةً مُستقلَّةً تُميِّزهُ عن الآخرينَ خوفاً مِن أَن يُتَّهم بكونهِ شاذُّ عن حالِ الآخرينَ أَو أَنَّهُ مُعقَّدٌ فاشِلٌ في الإِنسجامِ معهُم! وعندما يكتشِفُ أَنَّ كُلَّ الذي فعلهُ كانَ خطأٌ ينتهي بهِ إِلى الضَّياع قالَ [وهلْ هيَ بقِيَت عليَّ]؟! وكأَنَّ استنساخهُ للفشَلِ أَو الخطأ أَو النِّهايةِ البائسةِ مِن الآخرين يشفع لهُ حالتهُ البائسة ويُبرِّر لهُ ذلكَ، وهذا هو عينُ الخطأ الخطيئة.

أَمَّا القُرآن الكريم فيقُولُ {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ}.

فماذا ينفعكَ إِذا انخرطتَ في جيشِ الفاشلِينَ؟! أَتظنُّ أَنَّهُ سيتحمَّل عنكَ مسؤُوليَّةالفشَل مثلاً؟! والله تعالى حذَّرنا بقَولهِ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}؟!.

إِنَّ الإِنسان الفَرد النَّاجح لا يُقدِّر نفسهُ بالفاشِلينَ وإِنَّما يقيسَها بالعظامِ والنَّاجحِينَ والمُتقدِّمينَ والمُتميِّزينَ.

إِنّهُ لا يتَّكِلُ على الآخرينَ وإِنَّما يصنعُ مجدهُ ورصيدهُ بجُهدهِ.

كذلكَ فإِنَّ الإِنسان الجَماعة لا تُقدِّر نفسَها بالجَماعاتِ الفاشِلةِ وإِنَّما بالجماعاتِ النَّاجِحةِ التي تترُك بصماتها في الواقعِ البشري.

أُنظرُوا إِلى حالِنا اليَوم في مُجتمعِنا، فعندما تلُومُ أَحداً بسببِ فسادهِ في السُّلطةِ أَو فشلهِ في الإِدارةِ أَو على مُستوى العلاقاتِ الزَّوجيَّةِ وفي التَّربيةِ الأُسرِيَّة، يُجيبُكَ فَوراً وكأَنَّ الجَواب حاضِراً على طرفِ لِسانهِ؛ لستُ وحدي فاسِداً ولستُ أَنا فقط الفاشِل! أَلا ترى فُلان وعِلَّان؟! أَلا تنظُر إِلى الجماعةِ هذهِ والأُخرى تِلك؟!.

هل يتصوَّر هذا الفاسِد والفاشِل أَنَّ مُقارنةَ نفسهِ مع الفاسدِينَ والفاشلينَ الآخرين سيُسقط عنهُ المسؤُوليَّة الأَخلاقيَّة مثلاً؟! أَبداً.

إِنَّ حسابَ القيمة [قيمة الفرد] سواءً في الدُّنيا أَو في الآخرةِ، إِنَّما تُقاسُ بالإِنجازِ والإِنجازِ فقط، فلا ينفعُ المرءُ شيئاً إِذا قارنَ نفسهُ بالآخرين، فذلكَ لا يزيدهُ شيئاً بل يُنقِصهُ الكثير لأَنَّهُ سيُلامُ على ذلكَ.

اضف تعليق