سِرَّ الحمَلات الأَمويَّة ضدَّ السِّبطِ (ع) كانت لتبريرِ سُلطةِ [المُلك العَضُوض] وشرعنتهِ والذي دشَّنهُ مُعاوية بعهدهِ الجديدِ. إِنَّهُ أَرادَ القَول للرَّأي العام بأَنَّ السِّبط (ع) ليس أَهلاً للخلافةِ وهذهِ هي الدَّلائلِ والتي ظلَّ يسُوقها وينشَرها كأَكاذيب وافتراءَات وشائِعات ودِعايات مُغرِضة وتسقيط سياسي إِلى أَن توَّجها بعمليَّةِ اغتيالهِ (ع)...
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
لقد سوَّقَ الأَمويُّون موضُوعة ترك الإِمام الحسَن المُجتبى (ع) للسُّلطةِ إِلى مُعاوية، على أَنَّها دليلُ عدمِ قُدرتهِ على إِدارةِ الدَّولةِ، وأَنَّهُ (ع) يرى أَنَّ الطَّاغية أَولى بها منهُ! وهذهِ واحِدة من أَكبر أَكاذيبهِم، فالأَمرُ بالأَساسِ لم يقع بإِرادتهِ (ع) أَبداً وإِنَّما كانَ خَيار الأُمَّة واختيارَها ولأَيِّ سببٍ كانَ.
فلقد خطبَ الإِمامُ (ع) بجيشهِ قائِلاً {أَلا وإِنَّ مُعاوِية دعانا إِلى أَمر ليسَ فيهِ عزٌّ ولا نصفَة، فإِنْ أَردتُم المَوت رددناهُ عليهِ، وحاكمناهُ إِلى الله جلَّ وعزَّ بظِبا السُّيُوف، وإِن أَردتُم الحياةَ قبِلناهُ وأَخذنا لكُم الرِّضا}.
فناداهُ القَوم مِن كُلِّ جانبٍ: البقيَّة البقيَّة.
كما شرحَ (ع) المَوقف في أَكثرِ مِن مرَّةٍ سُئِلَ عنهُ بقولهِ {إِنِّي رأَيتُ هوى مُعظمِ النَّاسِ في الصُّلحِ، وكرِهُوا الحربَ، فلم أُحبَّ أَن أَحملهُم على ما يكرهُونَ} وفي قَولٍ آخر عندما قالَ لهُ سائِلٌ؛ لِم هادنتَ مُعاوِية، وصالحتهُ، وقد علِمتَ أَنَّ الحقَّ لكَ دُونهُ وأَنَّ مُعاوية ضالٌّ باغٍ؟! فأَجابهُ (ع) {عِلَّة مُصالحتي لمُعاوية عِلَّة مُصالحة رسولُ الله (ص) لبَني ضمِرة وبني أَشجع ولأَهلِ مكَّة حينَ انصرفَ من الحُديبيَّة، أُولئِكَ كُفَّارٌ بالتَّنزيلِ ومُعاوية وأَصحابهِ كُفَّارٌ بالتَّأويلِ}.
وقال لآخر {أَنِّي لو أَردتُ، بِما فعلتُ، الدُّنيا، لم يكُن مُعاوية بأَصبرَ منِّي عندَ اللِّقاء، ولا أَثبت عندَ الحَرب منِّي، ولكنِّي أَردتُ صلاحكُم}.
أَمامَ كُلِّ هذهِ الحقائقِ لم يكُن أَمامَ الإِمام السِّبط (ع) إِلَّا تسليمِ ما بقيَ مِن السُّلطةِ لمُعاويةِ على قاعدةِ {وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ}.
لقد ابتُليَ الحسنُ السِّبط (ع) بما ابتُليَ بهِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) من [أَصحابٍ] أَقلَّ ما قالَ عنهُم {يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ}.
مِن كُلِّ ما تقدَّمَ وغَيرهِ الكَثير ممَّا لا يسَع المَجال لذكرهِ يتبيَّن لنا أَنَّ سِرَّ الحمَلات الأَمويَّة ضدَّ السِّبطِ (ع) كانت لتبريرِ سُلطةِ [المُلك العَضُوض] وشرعنتهِ والذي دشَّنهُ مُعاوية بعهدهِ الجديدِ.
إِنَّهُ أَرادَ القَول للرَّأي العام بأَنَّ السِّبط (ع) ليس أَهلاً للخلافةِ وهذهِ هي الدَّلائلِ والتي ظلَّ يسُوقها وينشَرها كأَكاذيب وافتراءَات وشائِعات ودِعايات مُغرِضة وتسقيط سياسي إِلى أَن توَّجها بعمليَّةِ اغتيالهِ (ع).
ولقد صرَّحَ مرَّةً مُعاوية بحقيقةِ نواياهُ في مجلسٍ حضرهُ الحسَن المُجتبى (ع) كما يشرح النَّص التَّاريخي التَّالي التَّفاصيل؛
لمَّا وادعَ الحسَن بن عليٍّ (ع) مُعاوية صعَدَ مُعاوية المَنبر وجمعَ النَّاسَ فخطبهُم وقالَ؛ إِنَّ الحسَن بن عليٍّ رآني للخِلافةِ أَهلاً ولم يرَ نفسهُ لها أَهلاً، وكانَ الحسنُ (ع) أَسفلَ منهُ بمِرقاةٍ، فلمَّا فرغَ من كلامهِ قامَ (ع) فحِمدَ الله بما هوَ أَهلهُ، ثم ذكرَ المُباهلة فقالَ {فجاءَ رسولُ الله (ص) مِن الأَنفُس بأَبي ومِن الأَبناء بي وبأَخي ومن النِّساء بأُمِّي وكُنَّا أَهلهُ ونحنُ لهُ وهو مِنَّا ونحنُ مِنهُ.
ولمَّا نزلت آية التَّطهير جمعَنا رسولُ الله (ص) في كِساءٍ لأُمِّ سلَمةٍ خيبريٍّ ثُمَّ قال؛ اللهمَّ هؤُلاء أَهل بيتي وعِترتي فأَذهِب عنهُم الرِّجس وطهِّرهُم تطهيراً، فلم يكُن أَحدٌ في الكِساءِ غَيري وأَخي وأَبي وأُمِّي.
وقد رأَيتُم مكانَ منزِلنا من رسولِ الله (ص) وأَمرَ بسدِّ الأَبواب فسدَّها، وتركَ بابنا فقِيلَ لهُ في ذلكَ فقالَ؛ أَمَّا إِنِّي لم أَسُدَّها وأَفتح بابهُ، ولكِن الله أَمرني أَن أَسُدَّها وأَفتحَ بابهُ.
وأَنَّ مُعاوية زعمَ لكُم أَنِّي رأَيتهُ للخِلافةِ أَهلاً ولم أَرَ نفسي لها أَهلاً، فكذبَ مُعاوية نحنُ أَولى النَّاس بالنَّاس في كتابِ الله وعلى لسانِ نبيِّهِ (ص) ولم نزَلْ أَهل البَيت مظلُومينَ منذُ قَبضَ الله نبيه (ص) فالله بينَنا وبينَ مَن ظلمَنا حقَّنا وتوثَّبَ على رِقابِنا وحملَ النَّاس علينا ومنعَنا سهمَنا مِن الفَئ ومنع أُمَّنا ما جعلَ لها رسولُ الله (ص).
وأُقسِمُ بالله لو أَنَّ النَّاسَ بايعُوا أَبي حينَ فارقهُم رسولُ الله (ص) لأَعطتهُم السَّماء قطرَها والأَرض بركتَها وما طمعَتَ فيها يا مُعاوية، فلمَّا خرجَت من معدنِها تنازعَتها قُريش بينها فطمعَت فيها الطُّلقاء وأَبناء الطُّلقاء أَنتَ وأَصحابُكَ، وقد قالَ رسولُ الله (ص)؛ إِمَّا ولَّت أُمَّة أَمرَها رجُلاً وفيهِم مَن هوَ أَعلمُ مِنهُ إِلَّا لم يزَل أَمرُهم يذهب سفالاً حتَّى يرجِعُوا إِلى ما تركُوا}.
وفي خُطبةٍ لهُ قالَ الحسنُ السِّبطُ (ع) {وإِنَّ مُعاوية نازَعني حقّاً هوَ لي دُونهُ}.
اضف تعليق