ليسَ من الصَّعب أَن تعرفَ حقيقة أَيَّة مجمُوعة تتمكَّن من شؤُون الأُمَّة وفيما إِذا كانت تقُود المُجتمع بالإِتِّجاه الصَّحيح أَم الخطأ. وإِنَّ كُلَّ هذا الجِدال الذي نشهدهُ عند تقييمِ أَداء المُتصدِّين سببهُ الأَهواء وليس العقل والمنطِق، فلو تسلَّح المُراقب بأَدوات المعرِفة والتَّقييم الحقيقيَّة بعيداً عن تأثير الأَهواء والمصالِح...
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}.
إذا أَردنا أَن نُسلِّم بأَنَّ مسؤُوليَّة التصدِّي لفضحِ الكذَّابين الفاسدين كِفائيَّة وليست عينيَّة، أَي أَنَّها تسقُط عن الآخرين إِذا تحمَّلتها مجمُوعة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فإِنَّ على الباقين [هؤُلاء الآخرين] أَن يحمدُوا الله على أَنَّ هُناكَ [بقيَّة] تتصدَّى للمسؤُوليَّة لتسقُطَ عنهُم، وإِلّا فإِنَّ كُلَّ المُجتمع سيكونُ آثماً وشريكاً في فسادِ الكذَّابينَ وفشلهِم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
ولقد وضعَ القُرآن الكريم مِعياراً لتحديدِ المسافةِ بين الصِّدقِ والكَذِب فيمَن يتصدَّى لمسؤُوليَّة الشَّأن العام بقولهِ تعالى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وهو المِعيار الذي تمشي عليهِ [البقيَّة] لفضحِ الكذَّابين.
فليسَ من الصَّعب أَن تعرفَ حقيقة أَيَّة مجمُوعة تتمكَّن من شؤُون الأُمَّة وفيما إِذا كانت تقُود المُجتمع بالإِتِّجاه الصَّحيح أَم الخطأ؟!.
وإِنَّ كُلَّ هذا الجِدال الذي نشهدهُ عند تقييمِ أَداء المُتصدِّين سببهُ الأَهواء وليس العقل والمنطِق، فلو تسلَّح المُراقب بأَدوات المعرِفة والتَّقييم الحقيقيَّة بعيداً عن تأثير الأَهواء والمصالِح الضيِّقة والأَنانيَّة لما شهِدنا كُلَّ هذا الجِدال حدَّ الخِلاف والنِّزاع.
يقولُ تعالى في أَدواتِ المعرفةِ الحقيقيَّة بِلا أَهواء وميُول {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}.
إِنَّها الإِصغاء الصَّحيح {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} والرُّؤية الحقيقيَّة {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ} والقلب السَّليم {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
وبعكسِها ستكُونُ النَّتيجة {وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.
فلو اختلَّ ميزانَ أَيِّ واحدٍ من هذهِ المعايير عندَ المرء لما ميَّز الأُمور وبالتَّالي فهو يقعُ في الخطأ فيبدأ بالتَّبريرِ هرَباً من المسؤُوليَّة!.
فهل يعلمُ هؤُلاء بأَنَّ الكذِب الذي يقودُ إِلى الفسادِ والفشَل هو أَحد أَهم أَسباب عدم تمتُّع المُجتمع بخيراتِ البلادِ التي وهبَها الله تعالى لعبادهِ؟!.
فبالكَذِبِ تُدارُ الدَّولة بالمشاريعِ الوهميَّةِ التي تهدر المال العام.
وبالكذبِ تُسرَقُ خَيرات البِلاد والميزانيَّات الإِنفجاريَّة.
أَلا ترَونَ أَنَّ مُجتمعاتِنا التي تمتلك كُلَّ أَسباب رغَد العيش والحياة الكرِيمة والتَّنمية والتطوُّر، لا تتمتَّع بكُلِّ ذلكَ وهي تعيشُ حياة البُؤس والتخلُّف والمرَض والأَميَّة؟!.
هل سأَلَ أَحدٌ لِماذا؟! لِماذا لا تتمتَّع الشُّعوب بخيراتِها؟!.
يقولُ تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
هذا من جانبٍ، ومِن جانبٍ آخر فإِنَّ الكذِب الذي يقُود إِلى الفَساد والفَشل والظُّلم يكونُ عادةً سبباً لصرفِ الله تعالى عبادهُ عن التَّفكير السَّليم الذي يأخُذهُم بعيداً عن الرُّشد المطلُوب في السُّلطةِ والحُكم.
يقولُ تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}.
لِماذا؟! لأَنَّ جانباً من الكذِب خُداع كما في قولهِ تعالى {وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.
ولقد شاءَ الله تعالى أَن تكونَ الأُمور واضحةً لا لبسَ فيها، ومن أَجلِ أَن لا تختلطَ الأُمور عندَ النَّاس فتضيعَ المسؤُوليَّة وتالياً مبدأ الحِساب والعِقاب الذي هو بمثابةِ حجَر الزَّاوية في النَّجاحِ ضدَّ الفشَل {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
أَمَّا الكذَّابون الذين يُضلِّلونَ النَّاس فيسعَونَ إِلى تغييرِ هذهِ المُعادلة ولو بالإِرهابِ والعُنف، ولذلكَ يلزم التصدِّي لهُم وفَضحهم وتعريَتهم لإِسقاطِ مكرهِم وعدمِ تمكينهِم من تنفيذِ مآربهِم الدَّنيئةِ {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.
اضف تعليق