مِن مقاصدهِ فتبريرُ الفسادِ والفشلِ والظُّلمِ والتَّجاوزِ على حقُوقِ النَّاسِ وغيرِ ذلكَ من الإِنحرافاتِ الكثيرةِ التي يُصابُ بها المرءُ فلم يجِد بُدّاً مِن افتراءِ الكَذِب لتبريرِها من خلالِ إِيجادِ الذَّرائع والحِجج والأَعذار. فماذا يعني، في هذهِ الحالةِ، أَن يشعُرَ امرِءٌ ما بوجودِ كيمياءٍ بينهُ وبينَ كذَّابٍ...
{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
نُعيدُ السُّؤَال هُنا؛ لماذا يصطفُّ البَعض مع الكذَّاب، بكامِلِ علمِهِ ووعيهِ، ولا يشعُر بالرَّاحةِ مع الصَّادقِ الأَمينِ؟!.
١/ إِنَّ مَن يستريحَ للكاذبِ فهوَ مِثلهُ، لأَنَّ [شبيهَ الشَّيء مُنجذِبٌ إِليهِ] كما قالت العَرب و [إِنَّ الطُّيورَ على أَشكالِها تقعُ].
أَمَّا الذي لا يستريحُ للكاذبِ فهُو بالتَّأكيد ممَّن يُبغِضُ الكَذِب ولا يستَسيغهُ، فكما قِيلَ [تُعرَفُ الأَشياءَ بأَضدادِها] فإِذا أَحسستَ بنفسِكَ أَنَّ بينكَ وبينَ الكذَّاب [كيمياء] من نوعٍ ما فتأَكَّد بأَنَّك مِن نفسِ الفصيلِ والزُّمرةِ!.
أَمَّا إِذا شعرتَ أَنَّ بينكَ وبينهُ تنافرٌ غريبٌ وشعورٌ بالبغضاءِ وإِحساسٌ لا ينسجمُ معهُ فاطمئِن بأَنَّك لستَ منهُ وهوَ ليسَ مِنك في شيءٍ.
٢/ لا يُجادِلُ إِثنان في أَنَّ من علاماتِ الكَذِب الحنثُ باليمينِ وعدمِ الوَفاء بالعَهدِ والوعد، كَون الكَذِب أَحد ثلاث علامات للمُنافقِ كما في قَولِ رسولِ الله (ص) {آيَةُ المُنافِقِ ثَلاث؛ إِذا حدَّثَ كَذَّبَ وإِذا عاهَدَ أَخلفَ وإِذا خاصَمَ فجَرَ}.
أَمَّا مِن مقاصدهِ فتبريرُ الفسادِ والفشلِ والظُّلمِ والتَّجاوزِ على حقُوقِ النَّاسِ وغيرِ ذلكَ من الإِنحرافاتِ الكثيرةِ التي يُصابُ بها المرءُ فلم يجِد بُدّاً مِن افتراءِ الكَذِب لتبريرِها من خلالِ إِيجادِ الذَّرائع والحِجج والأَعذار.
فماذا يعني، في هذهِ الحالةِ، أَن يشعُرَ امرِءٌ ما بوجودِ [كيمياءٍ] بينهُ وبينَ كذَّابٍ؟! خاصَّةً إِذا كانَ من السياسيِّين الذين يُمارسُونَ السُّلطة؟!.
أَلا يعني ذلكَ أَنَّهُ يُبرِّر الفساد والفَشل والظُّلم والتَّجاوز؟! أَلا يعني أَنَّهُ يُحِبُّ هذا الكذَّاب لفسادهِ وإِلَّا لما شعرَ بتلكَ [الكيمياء] التي تجرُّهُ إِليهِ جرّاً ليصطفَّ معهُ؟! وتالياً وبناءً على قولِ رسولِ الله (ص) {مَن أَحبَّ قَوماً حُشِرَ معهُم، وَمَن أَحبَّ عمَلَ القَوم أُشرِكَ في عَملهِم} فهوَ شريكٌ في فسادِ هذا الكذَّاب وفشلهِ وظُلمهِ وكُلِّ تجاوزاتهِ؟!.
مِن هُنا تتبيَّن أَهميَّة أَن يكرهَ الإِنسانُ الكَذب على الأَقلِّ في قلبهِ، وذلكَ أَضعفُ الإِيمانِ، ولا يميلُ إِلى الكذَّاب قيدَ أَنمُلةٍ، لأَنَّ مَيلهُ يترتَّب عليهِ الكثير من الحَقائقِ المُرَّة التي لا يستسيغها عاقِلٌ.
كما أَنَّ المَيل للكذَّابِ هو نوعٌ من الإِبتعادِ عن الإِيمانِ، لأَنَّ الصِّدق أَبرز مصاديقِ الإِيمان، كما يُشيرُ إِلى ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ وَأَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ}.
وفيهِ إِشارةٌ إِلى أَنَّ حالات تناقُض قَول المرءِ معَ فِعلهِ يلثُمُ إِيمانهُ، لأَنَّها مِن الكذِبِ كذلكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
والغريبُ أَنَّ الآيةَ تُخاطِبُ [المُؤمنينَ]!.
كذلكَ فمِن كلامِ الإِمام (ع) نفهم بأَنَّ الصِّدق الحقيقي يلزم أَن يكونَ في الإِتِّجاهَينِ؛ عندما تتكلَّم وعندما تنقُل عن الآخرِين، فلا يكفي أَن تتحدَّثَ بصدقٍ فلا تكذِب لتُسمَّى صادِقاً، فإِذا نقلتَ كلاماً لمُتحدِّثٍ ولم ترعَ الله فيهِ فزِدتَ في كلامهِ أَو حذفتَ أَو استقطعتَ أَو غيَّرتَ وحرَّفتَ للطَّعنِ بهِ أَو التَّقليل من شأنهِ أَو تشويهِ صورتهِ فأَنتَ هُنا كذلكَ تُسمَّى كذَّاباً، لأَنَّكَ لم تنقُل كلامَ المُتحدِّث كما أَدلى بهِ، أَي أَنَّك لم تكُن أَميناً في النَّقلِ، وتلكَ هي مِن علاماتِ الخِيانة! ومِن مصاديقِ قولِ الله تعالى {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} أَي يختلِقَ الكِذبة لحاجةٍ ما في نفسِ يعقُوب!.
وما أَكثر هذهِ الحالةِ انتشاراً في مُجتمعِنا، والتي تحوَّلت إِلى آلةٍ من آلات تأجيج الصِّراع الإِثني والدِّيني والمَذهبي والحزبي والسِّياسي!.
كم مرَّة تصلكَ تغريدات مُفبركة؟! ومنشُورات غَير صحيحة على لسانِ زيدٍ أَو عمرُو وهوَ لَم يقُلها أَو يكتُبها؟!.
حتَّى المرجعِ الأَعلى لم يسلَم من لسانِ الكذَّابين وفبركاتهِم وتقوُّلاتهِم.
فماذا تُسمِّى نفسكَ إِذا نشرتها ووزَّعتها في وسائلِ التَّواصُل؟! أَولستَ شريكاً بالكَذِب والخِيانة معَ مَن فبركَها واختلقَها؟!.
٣/ وإِنَّ أَقبح الكذِب عندما يُبرِّر أَحدٌ إِصطفافهُ معَ الكذَّاب بذريعةِ أَنَّهُ لا يعرفهُ وأَنَّهُ يجعل أَنَّهُ كذَّاب؟! أَو أَنَّهُ لا يدري إِن كانَ فاسداً وظالماً؟!.
فهل يُسعِفهُ جهلهُ عن تحمُّل المسؤُوليَّة؟!.
يقولُ تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
فالقولُ بجهلٍ والإِصطفافُ بجهلٍ لا يُبرِّر لأَحدٍ عدَم تحمُّل المسؤُوليَّة!.
أ/ ففي عالمِنا اليَوم لا يوجد أَحدٌ لا يمكنكَ التثبُّت من وضعهِ، وفيما إِذا كانَ صادِقاً أَم لا؟! فاسِداً أَم نزيهاً؟! فاشِلاً أَم ناجِحاً؟! خاصَّةً إِذا كان من المُتصدِّين للشَّأن العام، في السِّياسةِ مثلاً أَو في الإِعلام أَو ما أَشبه!.
ب/ إِذا كُنت بالفعل لا تعرفهُ ولا تعرف نوعَ كلامهِ وخطابهِ، فلماذا، إِذن، تصطف معهُ وتُدافع عنهُ ورُبما تتهافت وتتهالك من أَجلِ أَن تُبرِّر لهُ وتزكِّيه؟! والله تعالى يقُول {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ}؟!.
لماذا لا تبذل بعضَ الوقت لتتثبَّت قبلَ أَن تتبنَّاهُ وتتبنَّى سيرتهُ ومسيرتهُ ونهجهُ؟! إِلَّا أَن تكونَ مُستفيداً من فائضِ عطاياه الحَرام!.
أَم أَنَّك تتصوَّر بأَنَّ الأُمور لا يترتَّب عليها موقفٌ صارمٌ ستدفع ثمنهُ ولَو بعدَ حينٍ؟!.
تثبَّت قبلَ أَن تميلَ! وتأَكَّد قبل أَن تتبنَّى! واطمئِن قبلَ أَن تُدافع! وتيقَّن قبلَ أَن تنتمي!.
اضف تعليق