قيمةَ المرءِ واعتبارهِ يتوقَّف على كِذبةٍ واحدةٍ فقط، فإِذا لجأَ إِليها فقد ينهار اعتبارهُ في المجتمعِ والذي بذلَ حياتهُ رُبما من أَجلِ بنائهِ. ولذلكَ حذَّر المُشرِّع كثيراً من التورُّط بالكذِب، وقرنَ الصِّدق بالتَّقوى لأَنَّ الكذَّاب علامةٌ فاسِدةٌ وباطِلةٌ لا يستشيرهُ أَحدٌ في أَمرٍ والكذِبُ هو أُمُّ الخبائث...
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}.
إِنَّ الذُّنوبَ تبدأُ بالكَذِب، وإِنَّ الظُّلمَ يبدأُ بالكَذب، وإِنَّ المشاكل تبدأ بالكَذب، وإِنَّ العواقبَ، حُلوها ومُرَّها، هي نتيجة الكَذِب أَو بعكسهِ.
هذا ما نفهمُهُ من آيات القُرآن الكريم.
فعندما يتوعَّد الله تعالى الكذَّاب بأَشدِّ العذاب {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.
وعندما يكونُ البناءُ في المُباهلةِ على أَساسِ الصِّدقِ والكَذب {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
وعندما يُعتَبرُ الكذِب من أَعظمِ الظُّلم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.
وعندما يكونُ الكذِب والصِّدق هو مِعيار سواد وجهُ الإِنسانِ أَو بياضهُ { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}.
عندما يكونُ كُلُّ ذلكَ وأَكثر، عندها نعرفُ مدى خطُورة الكذِب في حياتِنا اليوميَّة.
إِنَّ قيمةَ المرءِ واعتبارهِ يتوقَّف على كِذبةٍ واحدةٍ فقط، فإِذا لجأَ إِليها فقد ينهار اعتبارهُ في المجتمعِ والذي بذلَ حياتهُ رُبما من أَجلِ بنائهِ.
ولذلكَ حذَّر المُشرِّع كثيراً من التورُّط بالكذِب، وقرنَ الصِّدق بالتَّقوى فقالَ عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
لِماذا؟!.
لأَنَّ الكذَّاب علامةٌ فاسِدةٌ وباطِلةٌ لا يستشيرهُ أَحدٌ في أَمرٍ، خاصٍّ كانَ أَو عامٍّ، لأَنَّ {المُستشارَ مُؤتمَنٌ] والكذَّابُ لا يأتمِنهُ أَحدٌ على شيءٍ ولذلكَ قال رسولُ الله (ص) {لا رَأيَ لِكَذُوبٍ}.
والكذِبُ هو أُمُّ الخبائث كما أَشرنا من قبلُ فهوَ الذي يقودُ صاحبهُ إِلى كُلِّ خُبثٍ آخر، فلقد قالَ الإِمام الحَسن العسكري (ع) {جُعِلَت الخَبائِثُ كُلَّها في بيتٍ وجُعِلَ مِفتاحَها الكَذِب}.
والكَذِبُ إِشارةً إِلى ضَعَة صاحبهِ وخِفَّة وزنهِ الإِجتماعي كما يصِفُ ذلكَ رسولُ الله (ص) بقَولهِ {لا يَكذِبُ الكاذِبَ إِلَّا مِن مهانةٍ نفسهِ، وأَصلُ السُّخرِيةِ الطَّمأنينةُ إِلى أَهلِ الكَذِب}.
وفي الحديثِ إِشارةٌ راقيةٌ إِلى أَنَّ الإِطمئنانِ للكذَّابِ دليلُ سُخرِيةِ المُطمئِن بعقلهِ!.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فيعتبِرُ أَنَّ النَّتيجة النِّهائيَّة للكذِب هي النِّفاق والذلَّة والمَهانة والخِيانة كما في قولهِ (ع) {الكَذِبُ يُؤَدِّي إِلى النِّفاق} و {الكاذِبُ مُهانٌ ذليلٌ} و {كَثرةُ الكَذِبُ تُذهِبُ بالبَهاءِ} و {{الصِّدقُ أَمانةٌ، والكَذِبُ خِيانَةٌ}.
وإِنَّ من أَوضحِ مصاديقِ الكذِب هو تداوُل المرء كُلَّ ما يسمعُ ويقرأُ ويرى من دونِ تثبُّتٍ، وكأَنَّهُ آلةُ استنساخٍ من دونِ وعيٍ أَو إِدراكٍ أَو فَهمٍ.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {كَفى بِالمَرءِ مِن الكَذِبِ أَن يُحدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ} وهيَ الظَّاهرةُ التي يعيشها مُجتمعَنا بأَسوأ الحالاتِ، حتَّى باتَ الكَذِبُ مصدرهُ شُبه الوَحيد تقريباً للمَعلوماتِ وللتَّغذيةِ الفكريَّةِ!.
ولذلكَ بِتنا اليَوم نعيشُ حالةَ تسطيحِ الوعي وخِفَّة العقل والتَّفاهة، فضاعت الأَجيال الجديدة التي غرِقت في وحلِ الأَكاذيبِ والإِفتراءاتِ والفبركات التي لها أَوَّل وليسَ لها آخِر، ناسِيةً قولَ الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا}.
وأَخطرُ الكَذِب الإِتِّجار بالدِّين والدَّجل باسمِ القِيَم والمُقدَّسات، وهو الأَمرُ الذي أَشارَ إِليهِ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) من قَبلُ بقولهِ {وَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ وَلَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ وَلَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
أَو كما في قولِ الله تعالى {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ} وهُم بِكُلِّ تأكيدٍ عُلماء السُّوء وتُجَّار الدِّين والعَقيدة، للكَذِبِ على العامَّة مِن أَجلِ استغفالهِم بالمُقدَّس لينالُوا بهِم أَهدافهُم الدنيويَّة الدَّنيئة!.
ولقد زادَ الأَمرُ خطُورةً اليَوم عندما تصدَّت [العِمامة الفاسِدة] و [الإِسلامي المُتديِّن الفاسِد] لإِدارةِ [الدَّولةِ] المزعُومةِ.
فإِذا كانَ [العِلماني] يُدمِّر الدَّولة فإِنَّ هؤُلاء دمَّرُوا الدِّين والدَّولة فلم يبقَ شيءٌ من المُقدَّسات يركنُ إِليهِ العامَّة بعدَ أَن تجاوزَ هؤُلاء على كُلِّ المُقدَّسات والشَّعائر وتاجرُوا بها وبكُلِّ شيءٍ طاهرٍ ونظيفٍ وراقي! وسلاحهُم في ذلكَ هو ما وصفتهُ الآية الكريمة بقولِها {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ وَٱلرَّسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ}.
وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يصفهُم {اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ}.
اضف تعليق