الظُّلمُ على نَوعَينِ ظُلمُ الإِنسان لنفسهِ، سواءً كانَ فرداً أَو جماعةً، وظلمُ النَّاسَ بعضهُم البعض الآخر.. ما يُواجههُ الإِنسان في اليَومِ الآخِر إِنَّما هو نتاجُ عملهِ في الحياةِ الدُّنيا، فالنَّتيجةُ هي مظهرُ العَدل الإِلهي حصراً، فإِذا عوقِبَ فلأَنَّهُ كانَ ظالماً وإِذا حُرِمَ رحمة الله تعالى فلأَنَّهُ كانَ متجاوزاً...
{فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا}.
لِماذا؟! وكَيف؟!.
أَوليسَ الله تعالى هو {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}؟! أَوليسَ هو القائِل {وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ}؟! فلماذا، إِذن يزيدهُم مَرضاً؟! وكَيف؟!.
قبلَ الإِجابةِ يلزمنا أَن ننتبهَ إِلى الحقائقِ التَّالية؛
أ/ إِنَّ الله تعالى عادلٌ وحكيمٌ {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} و {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} و {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وهوَ عزَّ وجلَّ ليس مصدراً للظُّلمِ أَبداً {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} فهوَ عزَّ مَن قائل {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} و {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.
ب/ الظُّلمُ على نَوعَينِ؛ ظُلمُ الإِنسان لنفسهِ، سواءً كانَ فرداً أَو جماعةً، وظلمُ النَّاسَ بعضهُم البعض الآخر {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} و {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
وفي كِلا الحالتَينِ فإِنَّ مصدرهُما الإِنسانُ نفسهُ.
ج/ إِنَّ أَخْذَ الله تعالى لعبادهِ في الدُّنيا وكذلكَ ما يُواجههُ الإِنسان في اليَومِ الآخِر إِنَّما هو نتاجُ عملهِ في الحياةِ الدُّنيا، فالنَّتيجةُ هي مظهرُ العَدل الإِلهي حصراً، فإِذا عوقِبَ فلأَنَّهُ كانَ ظالماً وإِذا حُرِمَ رحمة الله تعالى فلأَنَّهُ كانَ متجاوزاً {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} و {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} و {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}.
د/ ومِن رحمةِ الله تعالى أَنَّهُ فتحَ بابَ التَّوبة لعبادهِ للتَّراجُعِ عن الخطأ وإِصلاحِ الذَّات فالفُرصةُ قائمةٌ لهم للإِستغفارِ والتَّوبةِ والتَّراجُعِ وإِصلاحِ ما افسدُوهُ بالظُّلمِ، طبعاً بشرطِها وشروطِها كما تُحدِّدها الآية الكريمة {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} و {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}.
أَمَّا أَميرَ المُؤمنينَ(ع) فيقولُ {عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَمَعَهُ الِاسْتِغْفَارُ}.
إِذا استوعبنا هذهِ الحقائق الأَربع فسنفهَم معنى قولهِ تعالى {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا}.
إِنَّهُم؛
١/ المُصرُّون على الظُّلم فهؤُلاء يزيدهُم الله مرضاً بعدَ أَن يفتحَ لهُم كُلَّ أَبوابَ الإِستغفار والعَودة والإِصلاح، فلمَّا تأخُذهُم العِزَّة بالإِثمِ ويتشبَّثُونَ بمواقفهِم الخطأ كالظُّلمِ النَّاتج عن مرضِ القلب تحديداً عندها يشخصُ مفهُوم الآية الكريمة {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى ٱلنَّارِ}.
ومِن أَصنافِ هذا النَّوع ما يُحدِّثنا عنهُ ربُّ العِزَّة بقولهِ {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}.
٢/ الذين يتصوَّرُونَ بأَنَّهم يخدعُون الله تعالى بالتَّوبة والإِستغفار {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} فتراهُم يوميّاً يتوبُونَ ثُمَّ يعودُونَ {بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ} يتوبُونَ إِذا أُغلِقت بوجههِم السُّبل أَو دفعُوا ثمناً غالياً لظُلمهِم أَو تورَّطُوا بأَفعالٍ خطيرةٍ، فيَعِدُونَ الله بأَنَّهم لن يعودُوا لمثلِها إِذا ما رحِمهُم لكنَّهُم يعُودونَ بعد الرَّحمةِ الإِلهيَّةِ {فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
هؤُلاء كذلكَ يزيدهُم الله مَرضاً فلَم يكُن أَمامهُم طريقاً {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
٣/ أَمَّا الصِّنف الثَّالث وهوَ الأَسوأ والأَقبح على حدٍّ سَواء، فهو الذي {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ}.
هذا الصِّنفُ الذي يتمكَّن مِنَ السُّلطة بالدِّين ويصنعُ لنفسهِ مكانةً ووجاهةً في المُجتمعِ بالعناوينِ المُقدَّسةِ، ويبني نفوذَهُ بتضحياتِ النَّاس ويبني مجدهُ بجماجمِ الشُّهداء وأَنهار الدِّماء واعِداً بإِقامةِ العدلِ وإِنصافِ المظلُومِ وإِحقاقِ الحقُوقِ، إِذا بهِ ينقلبُ على عقِبَيهِ وعلى كُلِّ المُقدَّسات والشِّعارات البرّاقةِ التي وظَّفها للوصُولِ إِلى ما هوَ عليهِ.
هذا الصِّنفُ قد لا يأخُذهُ الله بأَعمالهِ فوراً، ليسَ غفلةً {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّلِمُونَ ۚ} وإِنَّما يظلُّ يُنبِّههُ ويستدرِجهُ {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} وَ {يَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ} ويبعثُ لهُ بالإِشاراتِ الخفيَّة والعلنيَّة، حتَّى إِذا لم يُنبِّههُ شيءٌ ولم يردعهُ شيءٌ ولم يكترِثَ لشيءٍ يزيدهُ الله مرضاً ليكُونَ مصداقَ الآيةِ الكريمةِ {كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَٰهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍۢ مُّقْتَدِرٍ} بالعدلِ والحقِّ والإِنصافِ!.
اضف تعليق