q
حين يشعر الانسان بالأمن النفسي فأن ذلك سينعكس على اداء الفرد الابداعي ويشرع في التفكير في تحسين عمله لما يتمتع به من صفاء الذهن والتركيز وراحة البال، والكثير من الشباب يتجهون الى ممارسة الرياضة في دلالة على الارتياح فليس لاحد يعاني الاكتئاب او القلق...

حاجة الانسان الى الامن النفسي لا تقل اهمية عن حاجته الى الامن الغذائي والصحي والاقتصادي والسياسي والمجتمعي والفكري، فصنوف الامن هذه هي من تجعل الانسان متحرراً من مشاعر الخوف والهلع والفزع والرهبة، والامن النفسي ربما من اكثر انواع الامن التي ترتبط بانحرافات السلوك وتخلخله فهو ان غاب سيغيب معه التكيف النفسي والرضا عن الذات والمجتمع والشعور بالاغتراب اضافة الى اصابته بالكثير من الاضطرابات النفسية المرهقة.

رغم التطور التقني والحضاري الذي يصطبغ به العالم سيما في العقود الاخيرة في شتى الصعد الحياتية في التربية والطب والهندسة والمواصلات والاتصالات والصناعة وغيرها ورغم توفر البنى التحتية العملاقة، وانشاء الاجهزة الامنية ذات الإمكانات العالية والجيوش ذات الكفاءة وكل ما موجود لخدمة البشر وسعادته وراحته، وجميع هذه الامور حتى وان توفرت ورغم كونها ضرورية لحياة الانسان الا انها لم توفر الامن النفسي له، ولا تجلب راحة الضمير والسعادة وتقصر عن معالجة حالات الاضطرابات النفسية والقلق التي حولت حياة الكثير من البشر الى جحيم لا يحتمل، فقد دمر القلق النفسي حياتنا وغزتنا الامراض النفسية وتفككت الاسر وزادت نسب الجرائم وارتفعت معدلات الانتحار والزنى والرذيلة بكل انواعها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر في الولايات المتحدة الامريكية تتوفر كل معالم التقدم المادي الا ان شيوع القلق والجرائم يأخذ بالتصاعد في المجتمع الامريكي خصوصاً عند الاشخاص غير المسلمين، ويسجل ارقماً مفزعة حيث تحدث جريمة قتل كل 43 دقيقة كمعدل، وحالة اغتصاب كل 19 دقيقة وحالة سرقة كل دقيقتين أما السطو على المنازل فجريمة كل 20 ثانية وعلى السيارات كل 48 دقيقة والرقم المفزع اختطاف رجل كل 20 ثانية، وهذه المعدلات تنسحب على شهر رمضان هناك ولا تنحسر في غضون الشهر الفضيل، وكذا الحال في الكثير من بلدان اوربا التي يفترض انها مليئة بالممارسات الحضارية كما يسوق للعالم الخارجي.

قبالة ذلك في بلدان غابت عن معظمها الحضارة والتقدم والتمدن بشكل ملحوظ لكن شهر رمضان المبارك يمثل هدنة لوقف النازعات وانخفاض نسب الجريمة وشيوع التراحم والتواصل بين العوائل والتي تمثل اجمل الصور الانسانية اضافة الى تحسن الحالة المزاجية، في هذا السياق يقول الدكتور (جمال أبو العزائم) خبير الطب النفسي "ثبت علميا أن الصيام علاج بدني وروحي فالإنسان في شهر رمضان عرضه للمساءلة الذاتية وتقديم الاستجوابات العاجلة إلى نفسه، وقد تكون محرجة إلى نفسه، والصيام يؤدي إلى التأكيد على قوة الذات، فالطفل الذي يصوم أول مرة يلقى تأييدا من أفراد حوله فهو يؤكد على نمو شخصيته وقيادة حياته".

وعلى صعيد العلاقات المجتمعية تزداد اللقاءات والتجمعات بين العوائل وتكثر دعوات الافطار ويرمم الكثير من الناس بعض العلاقات التي ربما ضعفت او تآكلت بسبب كثرة الانشغالات وتعالج الكثير من الخلافات التي تحصل بين العائلات، فالجلوس على مائدة رمضان يعطي روحانية وهدوء لم تشهده كل اشهر السنة وايامها.

وعلى صعيد الابداع او الاتيان بشيء مختلف يجد الانسان فرصة في هذا الشهر الفضيل الذي يمنح الانسان دافعية غريبة، فحين يشعر الانسان بالأمن النفسي فأن ذلك سينعكس على اداء الفرد الابداعي ويشرع في التفكير في تحسين عمله لما يتمتع به من صفاء الذهن والتركيز وراحة البال، والكثير من الشباب يتجهون الى ممارسة الرياضة في دلالة على الارتياح فليس لاحد يعاني الاكتئاب او القلق وتراه يمارس رياضة او يفكر في انجاز مشروع او يفكر في زيارة احد على سبيل المثال، فتلك هي ابرز جمالية هذا الشهر.

ترى الدكتورة (سوسن الغزالي) أستاذ الطب السلوكي والصحة النفسية العامة ان العبادات التي يؤديها المسلم بإخلاص وخشوع وصدق ستعود عليه بالأمن النفسي وهذا ما ينعكس على سلوكه الخاص، وترجع الغزالي أسباب شعور المسلم بأمن نفسي داخلي في شهر رمضان إلى مظاهر اجتماعية سلوكية طيبة اعتاد المسلمون القيام بها في هذا الشهر لم يعهدها أحد منهم في أي شهر من شهور العام.

ويقول الدكتور (ابراهيم المغازي) أستاذ علم النفس" بحلول شهر رمضان تغيب ظاهرة الاحتراق النفسي وهو أحد الاضطرابات النفسية والاجتماعية الناتجة عن مظاهر العولمة الخبيثة وأمراض الحضارة العصرية المزيفة".

في العادة يصاب الانسان بثلاثية تكاد متلازمة فيما بينها وهي الانشقاق والفصام والتناقض، ولكنها تختفي في شهر رمضان فتتصف شخصية الصائم بالتوازن والاستقرار، وفي الصيام يكون الانسان لنفسه مناعة بوجه الشهوات التي تفسده وقد تؤدي به الضياع والهلاك، وتتكون هذه المناعة عبر الاستجابة لأمر السماء فيتعلم الفرد الطاعة والصبر وهذه السلوكيات اذا مارسها الانسان بقناعة فأنها يكسب مصداً نفسياً امن وبذا امن على نفسه من مثل هذه الاضطرابات.

ايها الكرام نخلص الى ان الانسان بحاجة دائمة الى الامن النفسي وفي جميع مراحل عمره فهو قوام الشخصية السوية وعراب نجاحها وسموها وتطورها، وبه تنبت السعادة في النفس الانسانية وهذا هو المكسب الذي نلهث وراءه.

اضف تعليق


التعليقات

د. عدنان علي حمزه
العراق
موضوع الكاتب شيق جدا لانه تطرق الى عدة جوانب ومنها الجانب النفسي الذي هو ديدن شخصية الانسان2023-03-28