نَحْنُ بحاجةٍ إِلى تحسينِ فُرص القِراءة لنستفيدَ أَكثر فأَكثر وإِلَّا فإِنَّنا سنُنصب العداء من أَنفسِنا لكلِّ فكرةٍ لا نستوعبَها، الأَمرُ الذي يعني أَنَّنا سنخسر أَيَّة فكرةٍ جديدةٍ تُعرَضُ علينا، وبالتَّالي سنبقى دَوماً جهلةً لا نفهمُ شيئاً وهنا يكمنُ الفرقُ فبينما يمنحُ النَّاجحُون أَنفسهم الفُرصة الكامِلة...
الجِدال في حلقاتِ الحِوار
(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
من المشاكلِ التي تصطدمُ بها المعرفةُ هي الإِستهزاءُ بالفكرةِ أَو المقترحِ أَو الرَّأي الذي لم يهضمهُ أَو يستوعبهُ المرء [المتلقِّي].
فهو يرفضُ الفكرةَ حتَّى قَبْلَ استيعابها أَو مُناقشتها وتقليبَها سعياً لفهمِها!.
وهي من المشاكل المُنتشرة في مجتمعاتِنا كثيراً خاصَّةً وقتَ الجِدال وفي حلقاتِ الحِوار والنِّقاش أَو حتَّى، رُبما، في الإِجتماعات المُتخصِّصة.
ولذلكَ نخسرُ الكثير ونُضيِّع الكثير من الفُرص ونهدر الكثير من الطَّاقاتِ والزَّمن!.
وأَكثر من هذا فإِنَّ المُشكلة موجودةٌ حتَّى عند المُتلقِّي عندما يقرأ أَو يُتابع أَو يُشاهد أَو يسمع شيئاً، فتراهُ، وبمجرَّد أَنَّهُ لم يستوعب الفِكرة، يستهزئُ بها ويرفضها وقد يُنصب لها العداءُ على قاعدةِ [النَّاسُ أَعداءَ ما جهِلوا].
وفِي قصَّة يوسف (ع) نموذجاً إِذ يَقُولُ تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ* قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
إِنَّ واحدةً من أَهمِّ شرُوط التَّعليم والمعرفة هو أَن لا يستعجلَ المُتلقِّي في الحكمِ على الأَفكار، خطأَها أَو صوابها، فليسَ كلُّ ما لم تقدر على استيعابهِ وهضمهِ خطأٌ أَو غَير صحيح! فقد تَكُونُ قلَّة معرفتكَ ومحدوديَّة علمكَ هي السَّبب في عدمِ استيعابكَ للفكرةِ كما يصفُ ذَلِكَ القرآن الكريم (ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ) وقولهُ تعالى (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)! ورُبما تَكُونُ قد قرأت الفكرةَ على عجلٍ فلم تستوعبها، أَو رُبما أَنَّك لم تُحِط بها علماً ولذلك لم تستوعبَها في تلك اللَّحظة، على اعتبارِ أَنَّ النَّاسَ بشَكلٍ عام يأخذونَ بظاهرِ الأُمورِ كما في قولهِ تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أَو رُبما لأَنَّك كُنتَ شاردَ الذِّهنِ لم تستجمِع قِواك العقليَّة وقتَ قِراءة الفِكرة ولذلكَ لم تفهمها، أَو رُبما لأَنَّكَ تحملُ حُكماً مُسبقاً على صاحبِها ولذلكَ لا تبذل جُهداً أَصلاً لفهمِها واستيعابِها!.
إِنَّ كلَّ هَذِهِ الأَسباب وغيرِها يمكنُ أَن تحولَ دون استيعابكَ للأَفكار، فلماذا لا تغيِّر طريقة القراءة والظُّروف المُحيطة بكَ عِنْدَ القِراءة لتمنحَ نفسكَ قُدرةً أَكبر على الفهمِ والإِستيعاب؟! وقدراً أَوسع من الصَّبر على الأَفكار؟!.
نَحْنُ بحاجةٍ إِلى تحسينِ فُرص القِراءة لنستفيدَ أَكثر فأَكثر وإِلَّا فإِنَّنا سنُنصب العداء من أَنفسِنا لكلِّ فكرةٍ لا نستوعبَها، الأَمرُ الذي يعني أَنَّنا سنخسر أَيَّة فكرةٍ جديدةٍ تُعرَضُ علينا، وبالتَّالي سنبقى دَوماً جهلةً لا نفهمُ شيئاً!.
وهنا يكمنُ الفرقُ فبينما يمنحُ النَّاجحُون أَنفسهم الفُرصة الكامِلة والوقت اللَّازم لاستيعابِ الفكرةِ الَّتي يعتقدُون أَنَّها غريبة أَو شاذَّة، رُبما، فلا يستعجلُوا الحُكم ولا يستهِزئُوا بها قبل التثبُّت وقبلَ استفراغِ كلَّ جُهدهم العقلي والمعرفي، لا يمنح الفاشلُون أَنفسهُم أَيَّة فُرصة لاستيعابِ الفِكرة فتراهُم يحكمُون على كلِّ ما لا يستوعبونهُ بسبب الإِستعجالِ مثلاً أَو محدوديَّة الثَّقافة والمعرفة بالخطأ ويستهزئُون بكلِّ ما لا يستوعبونهُ!.
يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حالَ الجاهِلَ الذي يستعجل الحُكم على الفكرةِ أَو قد يُبادر لتفسيرِها وهو لم يستوعبها أَصلاً بقولهِ (وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، مُوضِعٌ في جُهَّالِ الاُمَّةِ، غادر في أَغْبَاشِ الفِتْنَةِ، عِملَ بِمَا في عَقْدِ الهُدْنَةِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاء آجِن، وَأكْثَر مِن غَيْرِ طَائِل، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا التَبَسَ عَلَى غيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، إنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ.
جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهلات، عَاش رَكَّابُ عَشَوَات، لَمْ يَعَضَّ عَلَى العِلْمِ بِضِرْس قَاطِع، يُذرِي الرِّوَايَاتِ إذْراءَ الرِّيحِ الهَشِيمَ، لاَ مَلِيٌ ـ وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ هُوَ أَهْلٌ لِما فُوِّضَ إليه، لاَ يَحْسَبُ العِلْمَ في شيْء مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ).
وللأَسف الشَّديد فحتَّى هؤُلاء الذين يستهزئُون بالفكرةِ بادئ ذي بدءٍ سيستوعبُونها ويسلِّموا بها فيما بعدُ ولكن بعدَ فوات الأَوان أَو متأَخِّرين كأَبناءِ يعقوب (ع) الذين استوعبُوا مكانةِ أَبيهِم متأَخِّرين بقولهم (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)!.
لو أَنَّ المُستعجلينَ تريَّثوا لاستفادُوا أَكثر! ولكنَّهم استعجلُوا فخسِرُوا!.
وأَد الطَّاقات وتدمير الآمال
(كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).
إِذا كان الهدفُ من خَلق الإِنسان هو إِعمارُ الأَرض فما دخلُ الدِّينِ والمذهبِ والعشيرةِ والحزبِ والمنطقةِ بالتَّمكين؟!.
إِنَّ اشتراط التَّمكين بالخلفيَّة هو أَحد أَهم أَسباب خراب البُلدان، فمثلُ هذا الشَّرط هو السَّبب المُباشر للتَّمييز في المُجتمع، من جهة، وهو السَّبب المُباشر كذلكَ في تدمير الطَّاقات والكفاءات والقُدُرات الإِستثنائيَّة التي يتميَّز بها كثيرُون في البلادِ، من جهةٍ ثانيةٍ.
لا يختلفُ إِثنان على أَنَّ التَّنمية البشريَّة [تنمية الطَّاقات المُبدعة والخلَّاقة تحديداً] بحاجةٍ إِلى أَمرَين اثنَين، هُما؛
التَّمكين وتهيئة الأَسباب، والقُدرة والإِستعداد لتوظيفِها في صقلِ الطَّاقات وتفجيرها وصهرها في العمليَّة التنمويَّة، وبالتَّالي تحقيق الإِنجاز والنَّجاحاتِ كما تُشيرُ إليهِما الآية المُباركة (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا).
فلا يكفي التَّمكينُ إِذا لم نقدر على توظيفهِ لننجحَ!.
وهذان الأَمران لا يتحقَّقان إِلَّا بشرطٍ حتميٍّ الا وهو تحقيق مبدأ تكافُؤ الفُرص وعدم التَّمييز على أَساس الخلفيَّة، وهو الشَّرط الذي أَشارت إِليه الآية الكريمة التي صدَّرنا بها المقال.
إِذا تحقَّق كلُّ ذَلِكَ فسنضع عربة التَّنمية البشريَّة على السكَّة بالإِتِّجاه الصَّحيح الذي يقودُ إِلى تحقيقِ جَوهر الخَلق الذي أَشارت إِليهِ الآية الكريمة (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) أَلا وهوَ إِعمارُ الأَرض.
ولقد مكَّن الله تعالى الإِنسان وهيَّأَ لَهُ كلَّ الأَسباب لإنجازِ هذه المهمَّة من خلالِ تسخيرِ كلِّ شَيْءٍ لَهُ كما في الآيات التَّالية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
بقيَ أَن يستوعبَ الإِنسانُ كلَّ هَذِهِ الأَسباب والوسائل والأَدوات ليُنجز المهمَّة، فلقد استوعبها [الغربُ الكافِر] فأَنجزَ مُهمَّة الإِستخلافِ ولَم يستوعبها الشَّرقُ فأُصيبَ بالفشلِ! وتلكَ هي سُنَّة الله في خلقهِ وعبادهِ!.
السُّؤال هُوَ؛ هل يتحقَّق ذلك إِذا كانت الفُرص توزَّع بالمُحاصصة وبمعايير التَّفاضل الجاهليَّة وغَير المنطقيَّة؟! فتُمنح لزيدٍ لأَنَّ ولاءهُ للزَّعيم الأَوحد قويّاً فهو ممَّن يهتفُ دائماً [بالرُّوح بالدَّم] وهو أَسرعُ المهرولينَ أَمام سيَّارة الزَّعيم إِذا مرَّت بالشَّارع! ولا تُمنح لعمرُو لأَنَّ ولاءهُ مشكوكٌ فِيهِ فهوَ [يبيعُ وطنيَّات] زائدة! وهو من جماعةِ (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
طبعاً حتَّى إِذا كان زيدُ دابَّةً لا يفهمُ شيئاً وعمرو عبقريّاً خلَّاقاً.
وهُنا مربط الفرس فبينما خلقَ الله تعالى الفُرص كلَّ الفُرص مُتكافئة في مُتناول عبادهِ من دونِ تمييزٍ، كالمطرِ ينزلُ على كلِّ الأَرْضِ سهولِها وجبالِها ووديانِها، نرى أَنَّ العباد وضعُوا العراقيلَ والفلاتِر في عجلةِ هذه الفُرص ليتمتَّع بها أُناسٌ وأُناس ولذلك ضاعت القاعدة الذهبيَّة في مجتمعاتِنا [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب] فوأَدنا الطَّاقات ودمَّرنا الآمال وقضينا على فُرصِ التَّمنيةِ البشريَّة بأَيدينا.
وبنفسِ هذا المعنى القُرآني كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهده للاشتر يقول (وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ) بالمطلقِ ومن دونِ تمييزٍ.
ويُضيفُ في أَروعِ نصٍّ بهذا الصَّدد (ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِىء إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىء إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِىء إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَاكَانَ عَظيِماً).
هل يتحقَّق النَّجاحُ بالإِعتزالِ؟
(وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
فالَّذي يتصوَّر أَنَّ طريق النَّجاح مفرُوشٌ بالورُودِ والرَّياحين فهو مجنونٌ! ومن يظنُّ أَنَّ الطَّريق إِلى القمَّة تحفَّهُ جماهيرٌ تشجِّع وتصفِّق وتُثني وتعبِّر عن فرحتها فهو الآخر مُصابٌ بلَوثةٍ في عقلهِ!.
قد تَكُونُ هَذِهِ من مميِّزات طريق الفشل! أَمَّا طريق النَّجاح فمليءٌ عقبات قد يضعَها أَقرب النَّاس إِليكَ، أَخوكَ مثلاً أَو صديقكَ أَو أُستاذكَ أَو زميلكَ ناهيكَ عن الدَّولةِ ومؤَسَّساتِها!.
ومِن الأَدلَّة الَّتي تُشيرُ إِلى هذا المعنى هو أَنَّ مُجتمعنا لا يلومُ الفاشِلَ وإِنَّما يحاربُ النَّاجح! فهو يبِّرر للفاشلِ ويبحث لَهُ عن كلِّ ما يبرِّر له فشلهُ! وهوَ، في نفسِ الوقتِ، يحسدُ النَّاجح إِلى درجةِ الحقدِ والغلِّ أَحياناً!.
النَّاجحُ عندنا مُستهدفٌ أَمَّا الفاشلُ ففي مأمنٍ!.
هَذِهِ من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى فإِنَّ الكثير من الفاشلِينَ الذين يبحثونَ عن نَّجاحٍ يتَّكئُون على النَّاجحينَ للنُّهوض، فيُعرقلونَ مسيرتهُم ولا يدَعونهُم يصلونَ إِلى الهدفِ! فهم يرَون نهوضهُم بتحطيمِ غيرهِم ونجاحاتهُم بفشلِ غيرهِم! عاجزُونَ عَنِ استيعابِ فكرة أَنَّ نجاحهُم يمكنُ أَن يتحقَّق ويتكرَّس عندما ينجح غيرهم كذلكَ! وأَنَّ فشل الآخرين يضرُّ بنجاحاتهِم! وذلكَ بسببِ الحَسد والحِقد والعجز وقصر النَّظر الذي لا يدعهُم ينظرونَ إِلى كلِّ اللَّوحةِ وتفاصيلها!.
هو يشبه صورة الآية المُباركةِ (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وفي الآيةِ الكريمةِ التي صدَّرنا بها المقال يُخيِّر الله تعالى عبدهُ بين الصَّبر حتى تحقيقِ النَّجاح أَو الهَرب من الواقع، كأَن يرتقي سُلَّماً إِلى السَّماء أَو يختفي بنفَقٍ في جَوفِ الأَرْضِ لا يراهُ فيه أَحدٌ!.
فهل يتحقَّق النَّجاحُ بالإِعتزالِ؟!.
وهل يتحقَّق التَّنافس بالهربِ من الواقعِ؟!.
إِنَّ تصوُّر المرء أَنَّ بامكانهِ الهرَب ليُحقق النَّجاح فذلكَ بمثابةِ إِجتماع النَّقيضَين لا يمكنُ تحقيقهُما أَبداً! وهذهِ كل تجارب البشريَّة منذُ أَن خلقَ الله تعالى أَبونا آدم ولحدِّ الآن، فبرأيي فإِنَّ أَصل الصِّراع هو صراعٌ بين النَّجاح والفَشل!.
فَلَو لم يكُن هابيل قد حقَّق نجاحاً ساحقاً على قابيل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) لما بادرَ الأَخيرُ إِلى قتلهِ! ولو لم يكُن نبيَّ الله موسى (ع) قد حقَّق نجاحاً واضحاً في صراعهِ الحَضاري مع فِرعَون وأَمام الملأ لما توعَّدهُم الأَخير بقوله (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) وقولهُ (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ).
ولَو لم يُحقِّق أَميرُ المُؤمنينَ (ع) نجاحاتهُ العظيمةِ حتَّى وصلت الذَّروة بشهادةِ رَسُولِ الله (ص) (ضربةُ عليٍّ يومَ الخندقِ أَفضلُ مِن عبادةِ الثَّقَلَينِ) لما حسدهُ قومهُ حتى أَردَوهُ صريعاً في محرابِ الصَّلاةِ في مسجدِ الكُوفةِ [١٩ رمضان ٤٠ للهجرةِ].
هذا يدلَّنا على حقيقةٍ في غايةِ الأَهميَّة أَلا وهيَ؛ أَنَّ الذي يرُوم تحقيق النَّجاح عليهِ أَن يستعِدَّ لتقديمِ الثَّمن مرَّتَين، مرَّةً وهو يسعى للنَّجاح ومرَّةً بعد أَن يحقِّقهُ! فبينا هو يسعى لَهُ يواجههُ الفاشلونَ بكلِّ ما أُوتُوا من حِيَلٍ ومكرٍ وأَسباب وأَدواتٍ لإِفشالهِ ليسَ أَقلَّها التَّسقيط والتَّشهير بنشرِ الإِشاعات والأَكاذيب والدَّعايات المُغرضة والتُّهم الباطِلة، ورُبما بفبركةِ الصُّور والأَفلام التي قد تسقطهُ بالضَّربةِ القاضيةِ!.
ولقد أَشار القرآن الكريم إِلى ذَلِكَ بقولهِ (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) فضررُ إِشاعةٍ واحدةٍ بأَلفِ سيفٍ أَحياناً، ولذلك يلزم الصَّبر وعدم الإِنهيار لإِكمال الطَّريق نحو النَّجاح والقمَّة.
ولقد أَشار القرآن الكريم إِلى شِدَّة الكلمةِ على الرَّسول (ص) إِذا كانت إِشاعةً كاذبةً أَو تقوُّل لم يأتِ على لسانهِ (ص) بقولهِ عزَّ وجلَّ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ).
ويُضيفُ تعالى بوصفهِ في الآيةِ الكريمةِ (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
أَمَّا بعد أَن يحقِّق النَّجاح فسيُواجهونهُ ولكن بأَساليبَ وأَدواتٍ أُخرى!.
فكيف يمكنُ للمرءِ أَن يحقِّق النَّجاح وهو يمشي في حقلِ الأَلغام الذي يزرعهُ الفاشلُون في طريقهِ؟!.
١/ بالثِّقةِ.
٢/ بالمُثابرةِ.
٣/ بالإِنشغالِ فيما يتعلَّق بالهدفِ فقط، ويحذر الإِنجرار وراءَ القيل والقال وردِّ الشُّبُهات.
٤/ بالصَّبرِ فطريقُ النَّجاح طويلٌ أَمَّا طريقُ الفشلِ فقصيرٌ قصير!.
اضف تعليق