هل سيفكر المسؤولون بمساعدة الشباب على التخلص من وباء الاكتئاب؟، هل ستظهر في شهر رمضان الكريم، إجراءات عملية فعلية تؤكد حرص قادة البلد، والنخب المتنوعة على رسم صورة الأمل في عقول وقلوب الشباب، وفتح مساحة الحاضر على آفاق مستقبلية وضاءة؟؟، هذا ما نأمل حدوثه في هذا الشهر الكريم...
يبحث الإنسان عن السعادة، يسعى لصناعة أجواءها، ينجح حيناً ويخفق، ظروف كثير تتعاضد كي تلحق حالة الاكتئاب بالإنسان في مراحله العمرية المختلفة، لكن أخطر الأعمار التي يمكن أن يؤذيها الاكتئاب بشدة هم الشباب، وفي حال أصبحت ظاهرة تخترق النسيج الشبابي، فإنها سوف تتحول إلى مشكلة اجتماعية نفسية كبيرة تستدعي الحصر والبحث والدراسة والمعالجات المناسبة.
يفسر أو يصف أصحاب التخصص الكآبة أو الاكتئاب النفسي، بأنه اعتلال عقلي يعاني فيه الشخص من الحزن والمشاعر السلبية لفترات طويلة، ويرافق ذلك فقدان الحماس وعدم الاكتراث، وفي الأعم الأغلب تقترن بهذه الحالة مشاعر القلق والحزن والتشاؤم، وتفاقم الشعور بالذنب مع بوادر ضيق في الصدر، يضاف له انعدام وجود هدف للحياة، مما يجعل الشعور باللاجدوى والعدمية تسيطر على الفرد الذي يعاني أصلا من حيثيات الواقع ويفتقد للهدف في الحياة، فيضاعف ذلك من شعوره المستدام بالكآبة والقلق المزمن.
كما يعدّ الاكتئاب مشكلة نفسية عالمية، تتصاعد عكسيا مع قلة فرص الحياة الجيدة، ويعد الاكتئاب أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً، ويصنَّف ضمن الاضطرابات النفسية التي تتسم بخلل في المزاج، واهتزاز الوضع النفسي، وأهم ما يميز الاكتئاب هو الانخفاض التدريجي أو الحاد والمتسارع أحياناً، في المزاج والنفور من الأنشطة المختلفة، إذ يصبح شخصية سلبية لا تتقبل أي نوع من الأنشطة الفردية أو الجمعية فيميل إلى الخمول والكسل والانعزال.
هذه الملامح والحالات المصاحبة للاكتئاب يتولّد عنها في الأعم الأغلب تأثير سلبي على أفكار الشخص، لينعكس على سلوكه أيضا، ومشاعره، ونظرته إلى العالم وقد لا تغريه الرفاهية المادية بكل ما تقدمه له من مزايا، وقد يشعر المعانون من الكآبة بالحزن، والرغبة في البكاء، والقلق، والفراغ، وانعدام الأمل والقيمة، وقلة الحيلة، والشعور بالذنب، وتعكر المزاج، والألم المعنوي، والاضطراب النفسي واحتدام المشاعر وضياع الهدف وضبابية في البوصلة الفكرية والسلوكية.
انطفاء الحماسة واضمحلال التفاعلية
يؤدي هذا بالنتيجة إلى ما يُشبه الانطفاء، والفقدان شبه التام للحماسة واضمحلال التفاعلية، فيضعف أو ينعدم اهتمام المصاب بالكآبة بالعمل والحياة الاجتماعية ويفقد الرغبة حتى بالنشاطات التي كانت محببة له، وقد يعاني هؤلاء أيضاً من فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل! حيث يتحول لهم الغذاء والتهامه حالة آلية تعويضية عن النقص النفسي الذي يحاصرهم.
وتوجد مشكلة أكبر تصاحب المكتئبين في الغالب، وهي عدم قدرتهم على التركيز في جانبي الفكر أو العمل، وغالبا ما تكون لديهم مشاكل في التركيز وتذكّر التفاصيل واتخاذ القرارات، وقد يقدمون على إلحاق الأذى بأنفسهم أو بمحاولة الانتحار أو التفكير فيه، وهي الخطوة الأولى التي قد تؤدي بمن يعاني من الاكتئاب إلى إنهاء حياته.
وبحسب علماء النفس فإنه من أعراض الاكتئاب الظاهرية، الأرق والنوم المفرط، والتعب، وقلة الطاقة، والآلام والأوجاع المختلفة، ومشاكل في الهضم وغيرها من الأعراض التي لا تستجيب للعلاج التقليدي، وقد تظهر لدى المرضى المصابين أعرضا غريبة أو غير معتادة، يظن المقرّبون منهم بأنها عضوية، لكنها قد تكون في أصلها ذات علل نفسية.
ولكن في مقابل ذلك قد لا تكون الكآبة بالضرورة اضطرابا نفسيا، بل رد فعل طبيعي لأحداث حياتية محددة، كأن تكون عرضًا من أعراض بعض الحالات الطبية، أو أحد الآثار الجانبية لبعض العلاجات الطبية، والكآبة أيضا سمة أساسية مرتبطة بمتلازمات نفسية مثل الاكتئاب السريري، وعلى العموم يعاني المصابون بالكآبة من ضعف العزيمة، وقلة الحيلة، والميل الشديد للعزلة.
العراقيون هل يعانون من حالة الاكتئاب، وليكن سؤالنا أكثر دقة وحصرية، هل يعاني شبابنا من الكآبة، نعم هذه الحالة المرضية النفسية تكاد تشكل ظاهرة في العراق، لماذا؟، لأن العوامل المساعدة على تكوينها ونشرها وديمومتها موجودة بامتياز، يبدأ ذلك من إهمال الشباب كليّا من الجهات الرسمية وحتى المدنية، إلا بقدر ما يتعلق ببعض الأنشطة الشكلية التي لا تتجاوز ذرّ الرماد في العيون.
خطوات إجرائية لإنقاذ الشباب
من العوامل المسببة الفراغ القاتل الذي يعاني منه الشباب، يدعمه بشكل مباشر قتل هذا الفراغ في المقاهي والتدخين والتخدير وألعاب الإنترنيت ومواقع التواصل التي يتم استخدامها بأساليب مؤذية تقتل روح الأمل لدى المصابين بالكآبة وتدفعهم أكثر نحو العزلة واليأس والقنوط، هذا المشهد يمكن أن نراه بشكل يومي ودائمي في الكثير من مناطق ومدن العراق، فلا نأتي بجديد في هذا المجال، ما يعني أننا كمجتمع نعاني من حالات متفاقمة من الكآبة تفتك بشبابنا!.
كيف يمكن معالجة ذلك؟ كيف نحاصر هذا الوباء، كيف نحد من آثاره الهائلة؟
ونحن نعيش اليوم شهر رمضان، ونتلمس معانيه، ونغمر قلوبنا وأنفسنا وعقولنا في أجوائه الهادئة، علينا كأفراد وجماعات، كمؤسسات ومنظمات، كجهات رسمية ومدنية أن نفكر بجدية عالية في كيفية توظيف الأجواء الرمضانية لانتشال شبابنا من حالات الاكتئاب التي تحاصرهم وتكاد تفتك بهم.
يحتاج هذا الهدف إلى تخطيط مبرمج ودقيق، ويتطلب جهودا فردية قيادية وجماعية، ويحتاج إلى تمويل ذاتي وحكومي، ففي كل مكان من البلد نرى ما تعكسه الأجواء الرمضانية على الجميع، حيث الاطمئنان النفسي، والابتعاد عن المحرمات طوعيا، فإذا تم التخطيط لاستثمار شهر رمضان بشكل مدروس وحقيقي، سوف نتمكن من إنقاذ شبابنا من آفة الكآبة.
إقامة العروض المسرحية مثالا، تقديم الأنشطة الترفيهية المجدية، توفير أماكن ومحفزات لاستقدام الشباب وعموم الناس، حتى تحصل على فرصة التوعية والإيمان والاطمئنان، وترك كل الأنشطة التي اعتادها الشباب في الأيام العادية، على أن يكون العمل علمي مستمر ومنبثق من لجان تنظيمية ونفسية لها الخبرة الكافية في كيفية الاستحواذ على رغبة ومحبة وتفاعل الشباب.
هل يمكن أن تنعكس أجواء السكينة والأمان والاستقرار الرمضانية على نفوس الشباب، نعم يمكن ذلك، ولكن ليس بما هو تقليدي ومعروف من نشاطات أكل الدهر عليها وشرب، في السابق كانت هناك مجالس رمضانية للتوعية، تستقطب آلاف الشباب، يحضرونها بنفوس وقلوب قلقة غير مطمئنة، ويخرجون منها بنفوس وقلوب عامرة بالهدوء والأمل بمستقبل أجمل.
اليوم نحن جميعا مطالَبون بصنع وإجراء كل ما من شأنه، تهدئة نفوس الشباب، وضخ دماء الأمل في قلوبهم، وفتح آفاق المستقبل الوضاء أمامهم، ليس بالأقوال وحدها، بل بوضع الأقوال موضع التنفيذ، مع مشاركة حكومية مدنية من خلال الأثرياء على إبداء الدعم التام لإنقاذ شبابنا من دوامة اليأس والفراغ والضياع، وتحفيزهم في هذا الشهر الكريم على الإيمان بطاقاتهم وقدراتهم وحاضرهم ومستقبلهم، وإمكانية أن يشرق الأمل في نفوسهم مجددا.
لا تنحصر مثل هذه الأهداف والإجراؤات والخطوات على شهر رمضان وحده، ولكن لهذا الشهر الكريم خصوصية لا نجدها في جميع شهور السنة الأخرى، لذلك تقل الجرائم والانتهاكات بحسب بيانات رسمية، وتهدأ النفوس والقلوب، وتزدهر حدائق الإيمان في الصدور، لهذا يمكن أن يستجيب الشباب لفعاليات وخطوات إبعادهم عن الاكتئاب، شريطة أن تتحول هذه الخطوات والفعاليات من صيغتها الكلامية بشكل وعود إلى إجراءات عملية تتجسّد في الواقع العملي.
هل سيفكر المسؤولون بمساعدة الشباب على التخلص من وباء الاكتئاب؟، هل ستظهر في شهر رمضان الكريم، إجراءات عملية فعلية تؤكد حرص قادة البلد، والنخب المتنوعة على رسم صورة الأمل في عقول وقلوب الشباب، وفتح مساحة الحاضر على آفاق مستقبلية وضاءة؟؟، هذا ما نأمل حدوثه في هذا الشهر الكريم، شهر الإيمان والسعادة والأمل.
اضف تعليق