حين نضيف عاملا مساعداً قويا لتحسين وتطوير الجانب التربوي لأطفالنا، فتصبح المهمة التربوية أدق وأفضل وفرص النجاح التربوي فيها تصبح كبيرة ومضمونة، وهذا العامل الجديد الذي يساعد الآباء والأمهات في المجال التربوي للأولاد، هو شهر رمضان الكريم الذي نعيش أيامه وأجواءه حاليا، وسوف نستمر في هذه الأجواء ثلاثين يوما لم يمضِ منها سوى أيام قلائل، أي أن فرصة استثمار هذا العامل المساعد تربويا لمّا تزل قائمة...
ها أننا نعيش الأيام الأولى من شهر رمضان، وها هي الأجواء الخاصة به، تزدهر لتلقي بمحاسنها على العقول والقلوب، فتوجّه الفعاليات البشرية للمجتمع المسلم، وفقا للفكر والسلوك الرمضاني، هذا ما يتعلق بالكبار والمكلفين شرعيا بأداء الصيام في هذا الشهر الكريم، ولكن هل تساءلنا عمّا يخص أطفالنا وكيف يكون مسارهم التربوي والنفسي والتعليمي ونحن نعيش الأجواء الرمضانية مرة أخرى؟.
التجارب التربوية والعلوم المتخصصة تؤكد قاعدة بالغة التأثير، فتقول أن البيئة الاجتماعية والفكرية والتربوية، هي الأكثر تدخّلا في رسم خريطة الفكر والسلوك للأطفال، وهذا يعني أن مؤسسة الأسرة تحتل الصدارة في هذا الإطار، وهو أمر لا يختلف عليه العلماء المختصون، نعم هنالك عوامل وعناصر أخرى تؤثر في بناء الشخصية المعنوية والمادية وحتى الفكرية والعقائدية للطفل، ومنها الوراثة على سبيل المثال، ولكن يبقى التأثير الأهم والأكبر ينطلق من الأسرة، بالأخص الأب والأم والأخ أو الأخت الأكبر.
وهذا المجتمع المصغّر الذي نصطلح عليه بالأسرة، هو الحاضنة التي يفتح فيها الطفل عينيه، ومداركه وحواسّه، لتبدأ بالتدريج تتشكل مكوناته الفكرية والتربوية والسلوكية، في ضوء ما يراه وما يسمعه وما يتعلمه من الأسرة في الإطار التربوي، وهذه المرحلة تشكل بالنسبة للإنسان، الأساس الأهم في هذا البناء، ومع أن الوراثة تترك آثارها في البناء الشخصي، إلا أن العائلة أو مؤسسة الأسرة هي التي تترك بصمتها المبدئية والسلوكية بقوة في شخصيات الأولاد من (الجنسين ذكور وإناث)، وهذه البصمة الأسرية الناجمة عن تطلّع الطفل إلى والديه (فكراً وسلوكاً)، لها الأثر المتقدّم على سواه في حيّز بناء شخصية الطفل.
وحين نضيف عاملا مساعداً قويا لتحسين وتطوير الجانب التربوي لأطفالنا، فتصبح المهمة التربوية أدق وأفضل وفرص النجاح التربوي فيها تصبح كبيرة ومضمونة، وهذا العامل الجديد الذي يساعد الآباء والأمهات في المجال التربوي للأولاد، هو شهر رمضان الكريم الذي نعيش أيامه وأجواءه حاليا، وسوف نستمر في هذه الأجواء ثلاثين يوما لم يمضِ منها سوى أيام قلائل، أي أن فرصة استثمار هذا العامل المساعد تربويا لمّا تزل قائمة.
هنا تتضح الصورة بجلاء للآباء والأمهات، ونقصد بذلك إضافة محفزات تربوية جديدة تجعل من الطفل أكثر استقامة وتوقدا وتمسكا بالثوابت التربوية المحصّنة من الزيف والزلل، ولعل المحفّز الأهم يتلخّص بأجواء شهر رمضان التربوية، فكيف يمكننا (كآباء وأمهات) أن نوظّف هذا الشهر بشكل سليم من أجل زيادة فرص التربية الجيدة لأطفالنا؟، بكلمة أكثر دقة، ما هو المطلوب من الأب والأم في هذا الشهر الكريم على الصعيد التربوي لأطفالهما؟.
إن الخطوة الأهم في هذا الحيّز، أن يصبح الآباء والأمهات بمثابة الأصدقاء لأبنائهم وبناتهم، وتهشيم حاجز العمر والحرج بين الطرفين (الآباء والأولاد)، وعندما يشعر الأطفال بمشاعر الصداقة والصدق والعفوية والحرص بينهم وبين أولي الأمر منهم، فإنهم سوف يكونوا أكثر انسجاما واستعدادا وقبولا للأفكار والمبادئ التربوية التي يبادر بها أولياء الأمور تجاه أطفالهم، أي أن هذه الخطوات التربوية من الأصحّ والأفضل أن تكون مدروسة وبعيدة عن المزاج الوقتي الآني أو الاعتباط.
من هذه الخطوات إشعار الطفل بأهميته وكرامته وشخصيته المعنوية العالية، كيف يتم هذا؟، يجب أن يكون الطفل مرافقا لأبيه في حلّه وترحاله، خصوصا في الزيارات التي يقوم بها الأب إلى المراقد المقدسة والحسينيات والمساجد وحضوره إلى المحاضرات الدينية أو سواها، فإذا رأى الطفل كل الاهتمام من أبيه في مرافقته لهذه الأماكن وهذه الأجواء، فإن هذا سوف يسهم بقوة في ترسيخ ثقافة أئمة أهل البيت في شخصيته، كما أن ثقة الطفل بنفسه سوف تنمو بشكل سريع ومتنامٍ.
إن الطفل حين يحضر هذه الأماكن الطقسية المقدسة، سوف يشعر بأهميته وباكتمال شخصيته وسوف يثق بنفسه أكثر، كما أن علاقته بأبيه سوف تقوى وتصل إلى درجة النموذجية، ولا يقتصر الأمر على هذا النوع بل هنالك الندوات الفكرية والتثقيفية التي ستترك أثرها في عقليه الأطفال، على أننا يجب أن نفهم كأولياء أمور بأن الأطفال يتابعون كل صغيرة وكبيرة في الآباء، ويسعون إلى تقليدها حرفيا، فالأب هو المثال والنموذج الأقوى والأفضل بالنسبة للطفل، انطلاقا من ذلك ينبغي أن يتوخى الآباء الدقة والصحة في السلوك والأقوال وطبيعة التعامل مع الآخرين، لأن صورة (القول والفعل وطبيعة السلوك) سوف تخزنها ذاكرة الطفل إلى الأبد، ومع تقادم الأيام والشهور والسنوات، سوف تتحول إلى سلوكيات وأفعال وأقوال وطرق تعامل للطفل في قابل العمر.
هنا تكمن أهمية أن يكون الإطار التربوي للأطفال، مقرونا بما يقوم به الآباء على مستوى القول والفعل أو السلوك، ولعل أهمية الجانب التربوي في شهر رمضان تكون مضاعفة من حيث التأثير والإيمان والتشبّه بها من قبل الأبناء، فيوجد آباء يدركون أهمية هذه الأمور التربوية بشكل دقيق، ويسعون بقوة إلى تقديم النموذج التربوي السلوكي الكلامي الأفضل لأطفالهم، فيدرك هؤلاء الآباء جيدا مدى تأثير الطقوس الرمضانية في أبنائهم وتشذيب خرائطهم التربوية، لذلك نجدهم يصطحبون أولادهم إلى المجالس الدينية والمساجد والندوات التثقيفية، لأنهم يدركون مدى الأثر الذي تتركه هذه الصحبة لدى أطفالهم.
أما بالنسبة للأم فلا يصح أن تقتصر تربية البنات على ما يحتاجه البيت من أعمل تنظيف وطبخ وما شابه، فالأهم من هذه الأمور والأكثر تعقيدا، هو كيفية بناء شخصية البنت تربويا فكريا مبدئيا عقائديا وعمليا أيضا، فالأم هي المسؤول الأول عن هذه المهمة، أي عن بناء شخصية ابنتها ومعتقداتها وأفكارها وصنع الشخصية الفاعلة لابنتها، ولا ينحصر دور الأم التربوي الرمضاني على الإناث بل يتعداه إلى الأولاد الذكور، كما أن دور الأب التربوي لا ينحصر بالذكور من الأبناء فيتعداه إلى البنات أيضا، لأن الأب والأم هما النموذجان الأهم والأقوى في حياة ذريتهما.
وحين تذهب الأم إلى مجلس حسيني عليها أن تصطحب بناتها معها، حتى ترسخ العقائد الصالحة في عقليات البنات، ويشمل هذا جميع الأنشطة التي تبني شخصية نسوية مائزة، وكما يُقال أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فهو لا يزول مدى العمر، وطالما أن هذه الفعاليات تكثر وتتضاعف في شهر رمضان، فإن ذلك يستوجب على الأم والأب أن يأخذا بنظر الاعتبار، غرس هذه القيم والأفكار الصالحة في عقليات وشخصيات الأطفال في أعمارهم المبكّرة.
اضف تعليق