ان الإنسان البدائي اكسبته حاجته للبقاء إلى النزعة الاجتماعية وإلى الحرص على العيش ضمن مجموعات كان يربطها التعاون والتكافل في مواجهة الأخطار المحيطة، حدث ذلك حتى قبل أن يتاح له تعلم الكلام، فتعود كل مظاهر التطور التي شهدتها البشرية من تقويم السلوك واكتساب المعارف إلى تلك العلاقات الاجتماعية المترابطة بصيغتها البدائية...

الحقيقة المفروضة على الانسان ان له نقطة بداية ونقطة نهاية، ومابين النقطتين فرضت عليه رسالة يتوجب عليه إنجازها وايصالها وهذا المسلم به، لكن بجانب هذه الحقيقة ثمة حقيقة تقول ان الانسان يمتلك نزعة للتشبث بالحياة والرغبة في عدم مغادرتها رغم المها وضيقها وكل ما فيها من القباحة والعسر، فكي تفسر نزعة الانسان للبقاء؟

في الواقع لم تجد انساناً يريد مغادر الحياة وان سمعت عبارة تدل على ذلك فهي من باب الجزع عند المصيبة او عندما يشتد به ضيق الحياة وحصارها عليه، وحين تهدئ موجة الغضب ستجده يعود ثانية محباً للحياة ولاهثاً خلف تفصيلاتها ومنافعها، ولا اعرف هل هذه هي سنة الحياة ام هناك خللاً في تفكير الانسان تجعله متمسكاً بالحياة بأسنانه قبل كفيه.

من الواقع

انا شخصياً رأيت أحدهم الذي قد وصل به السن الى قرابة الثمانون عاماً او ربما أكثر بقليل، فقد كان حين يذكروه بالموت ولو على طريقة المزاح تراه يصفر وجهه وكأنه لازال ينتظر امر يتحقق له لكي يغادر الحياة فكان يرفض هذه الفكرة ولو كانت مزحة، هذا المثال هو نموذج للإنسان الذي يحب الحياة حباً جما ويريد البقاء فيها ما استطاع تلبية لرغباته النفسية وبدوافع محتملة سنمر على ذكرها.

في دراسة للباحثة في الأصول البشرية (بيني سبايكنس) قالت" أن الإنسان البدائي اكسبته حاجته للبقاء إلى النزعة الاجتماعية وإلى الحرص على العيش ضمن مجموعات كان يربطها التعاون والتكافل في مواجهة الأخطار المحيطة، حدث ذلك حتى قبل أن يتاح له تعلم الكلام، فتعود كل مظاهر التطور التي شهدتها البشرية من تقويم السلوك واكتساب المعارف إلى تلك العلاقات الاجتماعية المترابطة بصيغتها البدائية"، يعني لو البقاء لما استطاع الانسان من تطوير نفسه والوصول بها الى ماهي عليه الآن.

ماهي مبررات نزعة الانسان للبقاء؟

يرى الانسان ان له الحق في البحث عن البقاء قدر الممكن من وجهات نظر مختلفة من أهمها:

من وجهة نظر نفسية كما يرى فرويد ان غريزة الحياة وغريزة الموت هم من يشعلان الصراع في الحياة الإنسانية، ولو هذا الصراع لما كان للإنسان قوة تدفعه للعيش والاستمرار رغم كل المتاعب، اذ ان الطبعي ان يستسلم للمرض للفقر وحتى للمشكلات الأخرى التي تعترضه في كل مرة. 

فالإنسان يجب عليه أن يرغب في البقاء لا بل أن يدافع عن ذلك حتى لو كان في أسفل المنازل الإنسانية، لذلك فالبحث في غريزة البقاء هو محرك انجاز الانسان وقوته النفسية الخفية التي تحفزه للعيش بمستوى معيشي جيد او مقبول على اقل تقدير والعكس بالعكس.

اما من وجهة نظر دينية فأن الرغبة بالبقاء يبررها الانسان بكون الله سبحانه وتعالى هو من فطر الإنسان على حب الحياة، ولولا ذلك لما كان الإنسان قابلاً لإعمار الأرض والسعي فيها والتكاثر عليها، ولولا تلك المعجزة النفسية التي تقوى بالإنسان على تجاهل فكرة الموت لما استطاع أن يعيش يوماً واحدا، يعني ان فكرة التمسك بالبقاء هي لأداء ما يفرض على الانسان وليس استأثراً بما فيها من منافع مادية رخيصة.

ومن وجهة نظر تطورية يمكن تفسير الأمر ببساطة ان الانسان لم يكن كذلك لما كان موجوداً اليوم، فحرص الانسان على البقاء يعني الرغبة في الاستمرار بالنسبة للنوع الإنساني الذي سينقرض لو لم ينجب اطفالاً، فالأنجاب هو صورة من صور نزعة الانسان للبقاء في الحياة رغم كل ما فيها، ومن هذه الوجهات الثلاث يبرر الانسان لنفسه حقه بالعمل على البقاء، فهل يحق للإنسان التشبث بالحياة كما هو عليه الآن؟.

اضف تعليق