إذا أردنا معرفةَ إذا ما كان شخصٌ ما قلقًا أم لا، فلا يمكننا أن نبنيَ حكمنا على ما يخبرنا به عن شعوره فحسب، فقد يخفي مشاعره الحقيقية، أو قد لا يكون على دراية بها من الأساس. وبالمثل، لا تعني حقيقةُ انخراط شخصٍ ما في نشاط أنه غير قلق...
«هل تعرف هذه الأيام التي تشعر فيها بالخوف من شيء تجهله؟ … إنه ليس اكتئابًا؛ فالاكتئاب يصيبك عندما تزداد في الوزن، أو لأنها كانت تمطر لفترة طويلة. ومن ثَم تكون حزينًا فحسب. ولكن شعور الخوف من شيء تجهله شعور مروِّع. إذ تكون خائفًا وتتصبَّب عرقًا بصورة جنونية، ومع ذلك لا تعرف ما الذي يخيفك. كلُّ ما تعرفه هو أن أمرًا سيئًا على وشْك الحدوث، ولكنك لا تعرف ماهيته فحسب.»
هولي جولايتلي، في فيلم «بريكفاست آت تيفانيز» للكاتب ترومان كابوتي
القلق لا يزول أبدًا. وليس ثمة سهلٌ مُضاء بالشمس تذهب إليه فلا يخالجك فيه القلق أبدًا بشأن أي شيء؛ كلُّ ما هنالك أن القلق يتخذ أشكالًا وصورًا مختلفة.
مايكل بالين
قد يكون الشعور «بالخوف من شيء تجهله» الذي تصفه شخصية هولي جولايتلي مروِّعًا، ولكنه طبيعي تمامًا أيضًا. فما من شخصٍ يعيش حياته دون أن يشعر بالقلق من وقت لآخر، ربما قبل استقلال الطائرة أو قبل إلقاء خطاب أو مقابلة أشخاص جدد. وعلى الرغم من أن ذلك السهل المضاء بالشمس الخالي من القلق قد يبدو جذابًا، فإننا على الأرجح لن نصل إليه أبدًا. وكما سنرى، القلق ليس أمرًا طبيعيًّا فحسب، بل إنه غالبًا ما يكون ضروريًّا.
من جهة أخرى، بالنسبة إلى أعدادٍ كبيرة -وربما متزايدة- من الناس، يُعَد القلق مشكلةً أساسية. نشر الشاعر دابليو إتش أودن كتابه «عصر القلق» في عام ١٩٤٧. يبدو هذا في الوقت الحالي وكأنه عملٌ نبوئي رائع يتجاوز ما كان أودن يقصده فعلًا من التعليق على مجتمعِ ما بعد الحرب. على سبيل المثال، أشارت الدراسة الاستقصائية الرئيسة للصحة العقلية في الولايات المتحدة إلى أن ١٨٪ من البالغين عانَوا نوعًا من أنواع اضطراب القلق في الاثني عشر شهرًا الماضية. يشير هذا الرقم فقط إلى القلق الذي يكون شديدًا بما يكفي بحيث يستدعي تشخيصًا طبيًّا. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أن ما يقرُب من ٤٠ مليون بالغ في الولايات المتحدة وحدها يعانون مستوياتٍ مَرَضية من القلق؛ وهي نسبة إحصائية غير عادية.
ومع ذلك، فهناك عددٌ أكبر من الأشخاص يعانون مستوياتِ قلقٍ لا تستوفي معاييرَ اضطراب القلق المتقدم. ذكرت «مؤسسة الصحة العقلية» في المملكة المتحدة أن ٣٧٪ من البالغين يشعرون بالخوف والقلق أكثرَ مما كانوا عليه في الماضي. وقد ذكر أكثرُ من ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع أن العالم قد أصبح مكانًا مخيفًا بشكلٍ أكبر خلال السنوات العشر الماضية. واعترف ما يقرُب من الثلث (٢٩٪) بأن القلق والخوف دفعهم إلى تغيير تصرفاتهم، مما منعهم من فعلِ أشياء كانوا يتمنون فعلها.
وعلى النقيض، فالقلق اليومي أمرٌ طبيعي، ومفيد، مثل أي انفعال آخر. نعلم جميعًا ما يعنيه الشعور بالقلق؛ إذ إننا نعيش هذه التجربة عمليًّا، وأحيانًا على نحو منتظم. إذا طلبنا منك تدوين خمس كلمات تصف القلق، فلا شك أنك لن تحتاج إلى وقت طويل للتفكير.
(١) تاريخ موجز (جدًّا) للقلق
كلمة «القلق» بالإنجليزية، anxiety، لها جذورٌ عتيقة. كمثيلاتها في اللغات الأوروبية، cognates angoisse بالفرنسية، وangst بالألمانية، وangoscia بالإيطالية، وangustia بالإسبانية؛ تنشأ كلمة anxiety من الكلمة اليونانية القديمة angh التي تعني: يضغط بقوة، ويخنق، ويثقل بالحزن، وتعني أيضًا الحِمْل، والعبء، والمتاعب. من السهل المرور بهذه المشاعر في التجربة المزعجة عمومًا التي نسميها القلق. وفي وقتٍ لاحق، دخلت كلمة angh في المصطلحات اللاتينية مثل angustus، وango، وanxietas، وكلها تحمل دلالات الضيق، والانقباض، وعدم الراحة، على غرار مصطلح لاتيني آخرَ أصبح جزءًا من المصطلحات الطبية الحديثة، ألا وهو angina، أي الذبحة الصدرية.
على الرغم من أن كلمة «القلق» قد تكون قديمة، فإنها نادرًا ما كانت تُستخدَم مفهومًا نفسيًّا أو طبيًّا قبل أواخر القرن التاسع عشر، ولم تنتشر إلا على مدى القرن العشرين. لاحظت أوبري لويس أن ثلاثة مقالات أكاديمية عن «القلق» وردت في «الملخصات النفسية» في عام ١٩٢٧، و١٤ مقالًا في عام ١٩٣١، و٣٧ مقالًا في عام ١٩٥٠، و٢٢٠ مقالًا في عام ١٩٦٠.
لا يعني ذلك وجودَ أي دليل يشير إلى أن تجربة القلق (بعيدًا عن استخدام المصطلح) كانت أقل طبيعية وانتشارًا مما هي عليه اليوم؛ ولو كانت كذلك لكان أمرًا مذهلًا. فقد وصِفَت مشاعر الذعر والخوف، والتغيرات الجسدية التي تصاحبها في كثير من الأحيان مثل الارتجاف، والخفقان، والتنفس السريع باستمرار في الكتابات الأدبية والدينية والطبية على مر القرون.
ومع ذلك، نادرًا ما كان يُشار إلى هذه الأحاسيس باسم «القلق». علاوة على ذلك، كانت تُفَسَّر عادةً على أنها نتاج خلل أخلاقي أو ديني، أو علة جسدية عضوية أو مرض. شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر ازديادًا هائلًا في الاهتمام «بالأمراض العصبية»، ولكن أعراض ما يمكن أن نصفه اليوم بالقلق كانت تعتبر جسدية المنشأ في الأساس. وركَّز النقاش العلمي على مسألة تحديد المشكلة الجسدية المسئولة عن هذه الأعراض.
على سبيل المثال، قال الطبيب النفسي الفرنسي البارز بينيديكت موريل (١٨٠٩–١٨٧٣) في منتصف القرن التاسع عشر إن أعراض القلق تنجم عن مرض في الجهاز العصبي. من ناحية أخرى، اعتقد اختصاصي الأذن والأنف والحنجرة المجري البارز موريس كريشبر (١٨٣٦–١٨٨٣) أن القلق ناجم عن اضطرابات في القلب والأوعية الدموية، وهي مشكلة يمكن علاجها بتناول الكافيين. (ومن دواعي السخرية أن هذا العلاج الذي أوصى به كريشبر قد أصبح من المعروف الآن أنه يزيد من مشاعر القلق.) وعزا موريتز بينيديكت (١٨٣٥–١٩٢٠)، أستاذ علم الأعصاب في جامعة فيينا، الدُّوار الذي غالبًا ما يحدث في نوبات الهلع إلى مشكلات في الأذن الداخلية.
ولم يبدأ الصعود السريع لمصطلح «القلق» إلا مع نشر الورقة البحثية الرائدة في عام ١٨٩٥ لمؤسس مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد (١٨٥٦–١٩٣٩). نُشرت الورقة البحثية تحت العنوان البليغ «حول أسس فصل متلازمة معينة من الوهن العصبي تحت اسم «عصاب القلق»، ورأى فيها فرويد أنه لا بد من التمييز بين القلق والأشكال الأخرى من المرض العصبي (أو الوهن العصبي).
كتب فرويد، بالطبع، باللغة الألمانية. كان جيمس ستراتشي، الذي ترجم أعمال فرويد إلى اللغة الإنجليزية، مدركًا تمامًا للمشكلات التي تسببها ترجمة كلمة Angst الألمانية إلى anxiety (قلق) بالإنجليزية، وقال: «[مصطلح Angst] يمكن ترجمته إلى أكثر من ست كلمات شائعة في اللغة الإنجليزية - مثل الخوف، الذعر، الفزع، إلخ … - ومن ثَم من غير العملي تمامًا اختيار أحد المصطلحات الإنجليزية البسيطة بوصفه ترجمته الوحيدة». ومع ذلك، هذا الاستخدام هو ما استمر.
الموضع المركزي الذي يشغله مصطلح «القلق» في التفكير في مجال الطب النفسي اليوم هو إلى حد كبير إرثٌ لعمل فرويد في هذا الموضوع، ومع ذلك فقد أصبحت الآن نظريات فرويد حول هذه المسألة مشكوكًا فيها إلى حد كبير، كما سنرى في الفصل الثاني. ولكن كانت هناك تأثيرات أخرى أيضًا. كان أحدها إحياء الاهتمام في منتصف القرن العشرين بأعمال الفيلسوف الدنماركي سورين كيركجارد (١٨١٣–١٨٥٥)، وبخاصة مفهومه عن القلق، وهو الفزع المؤلم الذي يثيره إدراك كلٍّ من حريتنا في التصرف، ومسئوليتنا عن تلك التصرفات. كان لكيركجارد، ومفهومه عن القلق، تأثير مهم على فلاسفة المدرسة الوجودية البارزين مثل جان بول سارتر (١٩٠٥–٨٠١٩) ومارتن هايدجر (١٨٨٩–١٩٧٦)، وهذا على الرغم من أن فكرتهم عن القلق كانت بعيدة كلَّ البعد عن تعريف علماء النفس في الوقت الحاضر للقلق.
ثم ظهر وباء «صدمة القصف» الذي تسببت فيه الحرب العالمية الأولى. في الواقع، لم يكن هناك جماعات في المملكة المتحدة، سوى القليل، لا تضم شخصًا يعاني بوضوحٍ مشكلاتٍ نفسية حادة نتيجةَ الفظائع التي تعرَّض لها أثناء الصراع. (في الوقت الحالي، لن يُشَخَّص هؤلاء الرجال بأنهم مصابون ﺑ «صدمة القصف»، بل باضطرابِ ما بعد الصدمة، الذي يمكنكم قراءة المزيد عنه في الفصل العاشر.)
(٢) القلق انفعال
تكثر النظريات المتعلقة بالقلق، ولكن يتفق العلماء على أنه انفعال. في الواقع، يُنظر إلى الخوف عادةً على أنه أحد الانفعالات الخمسة الأساسية، إلى جانب الحزن، والسعادة، والغضب، والاشمئزاز. (كما سنرى بعد قليل، يتم استخدام مصطلحَي «القلق» و«الخوف» بشكل عام على أنهما مترادفان.) عندما نشير إلى الانفعالات الأساسية، فإننا نعني أنها أولى الانفعالات التي تتطور في البشر، عادةً في غضون ستة الأشهر الأولى التي تلي الولادة.
كل هذا جيد، ولكن ما الذي نعنيه بالضبط بمصطلح «الانفعال»؟ يدور خلاف حول هذا المفهوم، ولكن هناك اتفاقًا عامًّا على أن الانفعالات ظاهرةٌ معقَّدة تؤثِّر عادةً على أفكارنا وأجسادنا وسلوكنا. هناك دليل على أن كل انفعال من الانفعالات الأساسية ينطوي على تعبير وجه واضح، وإلى حدٍّ ما، على رد فعلٍ جسدي (أو فسيولوجي) مختلف. عندما ندرك واحدًا أو أكثر من هذه التغييرات، فهذا يعني أننا نشعر بانفعالٍ ما.
اجتمع علماء النفس الحاليون على فكرة أن الانفعالات هي أحاسيسُ قوية واعية تنتج عن تقييمنا لحدث أو موقف معيَّن. هذا التقييم، الذي قد يكون واعيًا أو غير واعٍ، هو ما يحدِّد الانفعال الذي نشعر به. على سبيل المثال، إذا أحسسنا بالنجاح، فإننا نشعر بالسعادة. وإذا لاحظنا أننا تعرَّضنا للظلم أو للقمع، فإننا نشعر بالغضب. وإذا اعتقدنا أننا في خطر، فإننا نشعر بالخوف.
لكن لماذا نحتاج إلى الانفعالات؟ ألن تكون الحياةُ أكثرَ متعة إذا لم نكن عرضة للخوف أو الحزن أو الاشمئزاز؟ في الواقع، من دون الانفعالات، ستكون حياتنا بالتأكيد أقصرَ كثيرًا. تساعدنا الانفعالات في البقاء والازدهار وتمرير جيناتنا. على حد تعبير بول إيكمان، عالم النفس الرائد في مجال الانفعالات، فقد «تطورت [الانفعالات] من خلال قيمتها التكيفية في التعامل مع مهام الحياة الأساسية». ولذلك، على سبيل المثال، فالسعادة التي شعر بها أسلافنا بعد نجاحهم في تطوير أداةٍ ما مفيدة شجَّعتهم على تكرار التجربة؛ وساعدهم الحزن عند انفصالهم عن أصدقائهم وأحبائهم في الحفاظ على الروابط الاجتماعية المهمة؛ وساعدهم القلق على ضمان ألا ينتهيَ بهم المطاف كوجبة لأحد الحيوانات البرية.
يحدِّد علماء النفس الحالات الانفعالية من حيث المدة التي تستغرقها. تشير الأبحاث إلى أن ردود الأفعال الفسيولوجية الأولية - التي تشمل تعبيرات الوجه - لا تدوم عمومًا سوى بضع ثوانٍ فقط. أما الانفعال فيستمر بين ثوانٍ وساعات. إذا استمر الانفعال فترةً أطول، يشار إليه بالحالة المزاجية؛ وإذا كنا نميل إلى الاستجابة بهذه الطريقة، فيكون هذا جزءًا من «شخصيتنا».
تُعَد الانفعالات غايةً في الأهمية بالنسبة إلينا لدرجةٍ يصبح معها من غير المفاجئ أننا غالبًا ما نكون ناجحين للغاية في التعرُّف إلى مشاعر الآخرين. على سبيل المثال، أظهر بحثٌ أجراه راينر بانزي وكلاوس شيرير أن الناس بارعون في التعرُّف إلى الانفعالات ببساطة من خلال نبرة صوت المتكلم لا من خلال ما يقوله فعلًا. (وجَّه بانزي وشيرير مجموعةً من الممثلين بقول عبارة لا معنى لها، ومن ثَم تلافي تخمين المشاركين للمشاعر من خلال معاني الكلمات المستخدمة.)
كشفت دراسات أخرى أن الأفراد غالبًا ما يكونون قادرين على التعرُّف إلى الانفعالات باستخدام اللمس. قام فريق من الباحثين في الولايات المتحدة بفصل المشاركين إلى أزواج، بحيث يجلس كل زوج على طاولة تقسمها ستارة سوداء. بعد ذلك، حاول أحد الزوجين نقْل مجموعة من الانفعالات - مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف، والسعادة، والحزن، والمفاجأة، والتعاطف، والإحراج، والحب، والحسد، والفخر، والامتنان - فقط عن طريق لمس ذراع الآخر. كان مَن يلمسون الشريك الآخر يميلون إلى استخدام تقنيات مماثلة للتعبير عن انفعالات بعينها: كالتربيت للإشارة إلى الحب، على سبيل المثال، أو الارتعاش للإشارة إلى الخوف. وفي كثير من الأحيان، حقَّق المشاركون الذين يخمنون الانفعالات التي ينقلها شركاؤهم نجاحًا ملحوظًا في التعرُّف عليها. لذا، إذا كنا لا نعرف كيف يشعر الناس من حولنا، فقد نحتاج ببساطة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام إلى الإشارات التي يرسلونها بصورة شبه حتمية.
نظرية الأنظمة الثلاثة للقلق
يتسبب القلق في سلسلة من التغييرات الفسيولوجية، وكلها مصمَّمة لمساعدتنا على التركيز بالكامل على التعامل مع التهديد المفاجئ لوجودنا. ترتبط هذه التغييرات بما يُعرف بالجهاز العصبي اللاإرادي، الذي تتمثل وظيفته في الإشراف على العمليات الفسيولوجية الأساسية - على سبيل المثال، التنفس، وتنظيم درجة الحرارة، وضغط الدم. يتكون الجهاز العصبي اللاإرادي من نظامين فرعيين مكملين: الجهاز العصبي السمبثاوي، الذي يجهِّز الجسم للاستجابة للخطر؛ والجهاز العصبي الباراسمبثاوي، الذي يتحكم في النشاط المحموم للجهاز العصبي السمبثاوي ويوازنه.
لذلك، على سبيل المثال، يرفع الجهاز العصبي السمبثاوي معدل ضربات القلب، مما يسمح للدم بالوصول إلى عضلاتنا بشكلٍ أسرع (بنسبة تصل إلى ١٢٠٠٪ في بعض الحالات). تتسع حدقة العين، مما يؤدي إلى إرخاء العدسة والسماح للمزيد من الضوء بالوصول إلى العين. يُعَلَّق عمل الجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاج اللعاب، ومن ثَم جفاف الفم الذي نشعر به غالبًا عندما نشعر بالخوف. ويشير بحث جديد إلى أن التعبير الذي عادةً ما يرتسم على وجوه الناس عندما يخافون - العيون المحدقة، وفتحات الأنف المتسعة، والحواجب المرفوعة - يساعدنا في الواقع على الرؤية بصورةٍ أفضل واكتشاف الروائح بشكلٍ أكثر فعالية، وهي سماتٌ يمكن أن تحدِث فارقًا كبيرًا في المواقف الخطِرة. لولا الخوف والقلق، لانقرض البشر بالتأكيد منذ زمن طويل. في النهاية، لا تكون المخلوقات التي لا تستطيع التعرُّف إلى الخطر والاستجابة وفقًا لذلك سوى فريسة مناسبة تمامًا فقط لكائنٍ آخر، والدليل القاطع على هذا هو طائر الدودو المنقرض.
كما رأينا، أكَّد داروين الطريقةَ التي نعبِّر بها عن انفعالاتنا. ولكن على الرغم من كون هذا أمرًا مهمًّا بطبيعة الحال، فإنه لا يروي القصة كاملة. فهناك ما هو أكثر فيما يتعلق بالانفعالات من الصورة التي تظهر بها على ملامحنا، أو سلوكنا الجسدي. هذا ما كان عالم النفس بيتر لانج يشير إليه عندما صاغ نموذج «الأنظمة الثلاثة» للقلق.
وفقًا للانج: يتجلى القلق بثلاث طرق:
(١) ما نقوله وكيف نفكِّر: على سبيل المثال، القلق بشأن مشكلة أو الإفصاح بالقول عن الخوف أو القلق.
(٢) كيف نتصرف: تجنُّب مواقف معينة، على سبيل المثال، أو توخِّي الحذر باستمرار تحسبًا للمتاعب.
(٣) التغيرات الجسدية: على سبيل المثال، ارتفاع معدل ضربات القلب أو التنفس السريع أو تعبير وجه بعينه.
هذه الأنظمة الثلاثة مترابطة بشكل فضفاض. إذا أردنا معرفةَ إذا ما كان شخصٌ ما قلقًا أم لا، فلا يمكننا أن نبنيَ حكمنا على ما يخبرنا به عن شعوره فحسب، فقد يخفي مشاعره الحقيقية، أو قد لا يكون على دراية بها من الأساس. وبالمثل، لا تعني حقيقةُ انخراط شخصٍ ما في نشاط أنه غير قلق بشأنه (تمامًا كما قد يتجنَّب الشخص القيامَ بشيء لأي سبب من الأسباب بخلاف الخوف). ومن الممكن تمامًا أن تشعر بالقلق دون الشعور بانقباض مَعِدتك أو الشعور بأن قلبك على وشْك أن يقفز من صدرك من شدة خفقانه.
اضف تعليق