q
تصف الموقف الذي يؤدِّي فيه الخوف من ترسيخ صورة نمطية سلبية عن المجموعة التي ننتسب لها إلى الإخلال بقدرتنا على التركيز في مهمة معينة. المفارقة أن انعدام التركيز هذا يؤدي بدوره إلى أداء متدنٍّ في تلك المهمة، مؤديًا بالناس من دون قصد إلى إعطاء الصور النمطية السلبية...

«حين تقع المأساة تمنحك الاختيار. يمكنك الاستسلام للخواء، الفراغ الذي يملأ قلبك ورئتَيك ويُقيِّد قدرتك على التفكير أو حتى التنفُّس. أو تستطيع محاولة العثور على المغزى.»

هذا ما قالته شيرل ساندبيرج في تأبين لزوجها معلقة على ما تعلَّمتْه من هذه الخسارة.

سواء عند مُجابهة المكدِّرات الصغيرة للحياة اليومية — من زحام مروري ومقابلات عمل وأعطال في السيارة، وما إلى ذلك — وكذلك عند مواجهة محنة خسارة كبرى — طلاق، أو مرض عُضال أو إصابة خطيرة، أو حتى وفاة شخص عزيز.

إنَّ الإزعاجات والصِّعاب، العقَبات الصُّغرى والعوائق الكبرى، جزءٌ من الحياة. فلا يمكننا تحاشي الضغط النفسي أو الحيلولة دون وقوع الأحداث السيئة لنا أو لمَن نُحب. لكننا نملك السيطرة على الطريقة التي نرى بها الأشياء السيئة وما إذا كان لدينا وسائل العثور على بعض الحسنات في أحلك الظروف. والأهم أنَّ تَعلُّم السبيل لتبنِّي طريقة إيجابية في التفكير، مهما كانت الأمور، من الممكن أن يكون لها آثار مُستديمة على سعادتنا وصحَّتنا، بل وحتى أعمارنا.

مميزات الطُّرق الذهنية المختصَرة

مع سعْينا في حياتنا اليومية، تنهال علينا المعلومات. فنحن نقرأ الصحف، ونُشاهد التلفزيون، ونتصفَّح الإنترنت. ونتفاعل مع الناس في مجتمعاتنا، ونمرُّ بلوحاتٍ إعلانية، ونستمع إلى المذياع. ونُحاول تنظيم المعلومات المختلفة التي نتلقَّاها من المصادر المتعدِّدة وفهمها.

وحيث إنه من المُستحيل تمامًا فرْز هذه المعلومات بتمعُّن ودقة، فإننا نسلك طرقًا مختصَرة عند التفكير، من دون أن نعيَ ذلك في أغلب الأحيان. كما أننا نستخدم الطرقَ الذهنية المختصَرة لتكوين توقُّعات عن الناس الذين نلقاهم. فحين نقابل مختصَّ رعاية طبية في مُستشفًى، نميل إلى افتراض أنه طبيبٌ إذا كان ذكرًا، وممرضةٌ إذا كانت أنثى.

إنَّ عملية اتخاذ الطرق المختصَرة لفَهمِ العالم تقوم على الصور النمطية التي كوَّنَّاها من تجاربنا.

والصور التي نراها ونسمعها في الإعلام تُرسِّخ هذه الصور النمطية. فعلى سبيل المثال، كثيرًا ما تصوِّر رسائل الإعلام التقدُّم في السن تصويرًا كئيبًا بعض الشيء. إذ يُقدَّم كبار السن في الأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات والفقرات الإعلانية التوعوية على الأخص، وقد أصابتْهم مشكلاتٌ في الذاكرة، وصاروا يُعانون أوجهَ عجزٍ بدنية عدة وما إلى ذلك. ومن الممكن أن يخلق هذا التعرُّض المستمر لهذه الصور توقُّعات سلبية عن الشيخوخة.

الأهم أنَّ الطرق الذهنية المختصرة التي تتكون لدينا تؤثر على الطريقة التي نُفكِّر بها في أنفسنا ومن الممكن أن تؤثر على سلوكنا تأثيرات جوهرية. فوفقًا لإحدى الدراسات، يفيد البالغون في منتصف العمر الذين تُراودهم أفكار سلبية حول التقدُّم في السن باهتمام أقل بالسلوك الجنسي والاستمتاع به. كبار السن الذين يَشعُرون بأنهم أكبر من سنِّهم — بصرف النظر عن عمرهم الزمني الفِعلي — هم على الأخص أكثر من يُفيدون بأن لديهم تلك الآراء السلبية عن الجنس.

رغم أن هذا المثال يُصور مثالب أن يكون لدى المرء توقُّعات سلبية، فمن الممكن أن تؤدِّي التوقُّعات الإيجابية لنتائج مفيدة. كمثالٍ على ذلك، سجَّل الناس الذين قيل لهم إنهم أُعطُوا كرةَ جولف «جالبة للحظ» أهدافًا بنسبة أكبر من ٣٥ في المائة من الذين حصلوا على كرة جولف «عادية».

بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الناس الذين يرَون «ميزة» في النشاط أو الإجراء المؤلم من الممكن أن يكون شعورهم بحدَّة الألم أقل، وهو ما يُفسر خضوع العديد من الناس طواعيةً لبعض أنواع الألم (مثل ثقب السرَّة والوشم وتسلُّق جبل إفرست). وأيضًا يتذكَّر الناس ذلك الألم لاحقًا بطريقة أخف حدةً عما كان ساعتها حقًّا. ومع المُمارسة، نستطيع أن نتعلَّم استخدام حيل ذهنية للتأثير في سلوكنا بطرق إيجابية.

كيف تشكِّل التوقُّعات الواقع

تخيل نفسك مُراهقًا معك رخصة قيادة سائق تحت التمرين تقود السيارة لأول مرَّة مع جدَّيك. إنك على دراية بالصورة النمطية للسائقين المراهقين السيئين، لذلك فإنك قلق من ارتكاب أي أخطاء أثناء القيادة. هذا القلق إزاء احتمال ارتكاب خطأ — وترسيخ تلك الصورة النمطية أمام جدَّيك — سيصرفُك عن التركيز على القيادة منتبهًا ويؤدي بك إلى ارتكاب أخطاء ربما ما كنت لتقع فيها لولا ذلك.

هذا مثال بسيط على الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها الصور النمطية على سلوكنا. يُسمي علماء النفس هذه العملية تهديد الصورة النمطية؛ إذ تصف الموقف الذي يؤدِّي فيه الخوف من ترسيخ صورة نمطية سلبية عن المجموعة التي ننتسب لها إلى الإخلال بقدرتنا على التركيز في مهمة معينة. المفارقة أن انعدام التركيز هذا يؤدي بدوره إلى أداء متدنٍّ في تلك المهمة، مؤديًا بالناس من دون قصد إلى إعطاء الصور النمطية السلبية التي كانوا يخشون تأكيدها عن مجموعتهم.

كانت الدراسات الأولية عن تهديد الصور النمطية قد بحثت تأثير الصور النمطية السَّلبية عن الأمريكيِّين من أصلٍ أفريقي على أدائهم الأكاديمي. في إحدى الدراسات، استدعى اختصاصي علم النفس الاجتماعي كلود ستيل وزملاؤه في جامعة ستانفورد طلابًا جامعيين من الأمريكيِّين من أصل أفريقي وبِيضًا وطلبوا منهم الخضوع لاختبار في المهارات اللفظية — أحد الاختبارات التي يُشاع أن الأمريكيِّين الأفارقة أقل توفيقًا فيها من البِيض.

لمعرفة ما إن كان استحضار هذه الصورة النمطية سيؤثر على الأداء، أُخبِر نصف الطلاب أن الاختبار الذي سيخضعون له سيُقيِّم «القدرات الذهنية» لتحفيز تلك الصورة النمطية. وأُخبِر النصف الآخر من الطلاب بأنهم سيُعطون «مسائل لحل مشكلاتٍ لا علاقة لها بالقدرات» وهو ما لم يحفز الصورة النمطية. رغم أن كل الطلاب خضعوا لنفس الاختبار، فإن الطلاب الأمريكيين الأفارقة الذين أُخبروا تحديدًا بأن الاختبار سيقيم القدرات الذهنية كان أداؤهم أسوأ من البِيض بدرجة كبيرة. وعلى النقيض، لم يظهر تباينٌ في درجات الاختبار بين الأمريكيين الأفارقة والبِيض الذين لم يُذكروا عمدًا بالصورة النمطية السلبية حول القدرات اللفظية لمجموعتِهم العرقية.

أثبتت أبحاث لاحقة الآثار القوية للصور النمطية على أنواع عديدة مختلفة من السلوكيات في مجموعات عدة مُختلِفة من الناس. كما وصف في كتابه الصادر عام ٢٠١٠، «الترنم بألحان فيفالدي: كيف تؤثر الصور النمطية علينا وما يسعنا فعله»، اكتشف كلود ستيل أن النساء اللواتي يُذكَّرن بالصورة النمطية بأن «النساء لسنَ ماهرات في الرياضيات» يُحرزن نتائج أسوأ عن أولئك اللواتي لم يُذكَّرن بتلك الصورة النمطية في اختبارٍ حسابي تالٍ. بالمثل، الرياضيون البيض الذين يُخبرون بأنهم سيدخُلون اختبار لإحراز الأهداف في الجولف لتقييم «قدراتهم الرياضية الطبيعية» يؤدون أداءً أسوأ في هذه المهمة مقارنةً بأولئك الذين لم يُخبرُوا بذلك، وهو ما يعود على الأرجح لخوفهم من تأكيد الصورة النمطية الشائعة عن أن مجموعتهم العرقية ليست رياضية بالدرجة المطلوبة.

هذه الدراسات كلها تدل على قدرة الصور النمطية على التأثير في سلوكنا، بطريقة كبيرة أحيانًا.

* مقتبس بتصرف من الفصل الأول من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

اضف تعليق