q
معظم الناس يطلقون ما معدله كذبة واحدة يوميًا. وهو أمر طبيعي للغاية، وفي المقابل، هناك أشخاص يكذبون كثيرًا، أي حوالي 10 أكاذيب يوميًا كمعدل وسطي. وعندما يبدأ الناس بالكذب كثيرًا لدرجة أنهم لا يستطيعون التوقف، أو يبدأ بإيذاءهم أو إيذاء الأشخاص يصبح الأمر غير طبيعي وقد يحتاجون إلى العلاج...

أعطت قصة النائب الأمريكي جورج سانتوس علماء النفس الذين يدرسون الكذب في أكثر أشكاله تطرفاً، لحظة نادرة ومرحبًا بها لزيادة الوعي بأن الكذب قد يكون في بعض الأحيان اضطرابًا نفسيًا، وهو أمر يقولون إن مجالهم أهمله.

في الأشهر التي أعقبت انتخابه لتمثيل الدائرة الثالثة للكونغرس في نيويورك، تلاشت المزاعم الرئيسية من السيرة الذاتية الخاصة بسانتوس، ضمنًا المكان الذي حصل فيه على شهادته الجامعية، وعمله لدى مجموعة إنقاذ الحيوانات التي يقول إنه أسسها، وأنه ينتمي للدين اليهودي، تحت رقابة المراسلين ومدققي الحقائق.

والآن، يكشف سانتوس أنه ليس لديه شهادة جامعية، وليس لدى دائرة الإيرادات الداخلية أي سجل لمجموعة إنقاذ الحيوانات الخاصة به، كما لفت إلى أنه لم يزعم أبدًا أنّه يهودي، بل شبه "يهودي".

ودافع سانتوس عن نفسه خلال مقابلات إعلامية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قائلاً إن التناقضات كانت نتيجة حشو السيرة الذاتية وسوء اختياره للكلمات، لكنّه لم يكن مجرماً أو محتالاً.

وليس من الواضح ما هو الدافع وراء تصريحات سانتوس المتناقضة.

من جانبه، يقول كريستيان هارت، عالم النفس الذي يدير مختبر الخداع البشري في جامعة تكساس للمرأة: "من النادر العثور على شخصية عامة تكذب كثيرًا بهذه الأساليب التي يمكن التحقق منها".

واعترف الأطباء النفسيون بحالة الكذب المرضي على أنّها اضطراب نفسي منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع ذلك يقول الخبراء إنها لم تلقَ اهتمامًا جادًا، أو تمويلًا، ولم تحظَ بدراسة حقيقية.

وليس لهذه الحالة تشخيص خاص بها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية. وبدلاً من ذلك، يتم التعرّف عليها باعتبارها إحدى سمات التشخيصات الأخرى، مثل اضطرابات الشخصية.

نتيجة لذلك، لا توجد طريقة قائمة على الأدلة لمعالجة الكذب المرضي، رغم أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يقولون إنهم بحاجة إلى المساعدة للتوقّف.

ويعتمد النهج القياسي في علاج الكذب على تقنيات مستعارة من العلاج السلوكي المعرفي، الذي يؤكد على فهم أنماط التفكير وتغييرها. لكن لا أحد متأكد من أن هذه هي الطريقة الأكثر فعالية للمساعدة.

وقال درو كيرتس، أستاذ علم النفس المشارك في جامعة أنجيلو ستيت بتكساس الذي يدرس الكذب المرضي، "لا نعرف بالضرورة ما هو العلاج الأكثر فعالية".

ونشر المتعاونان منذ فترة طويلة كيرتس وهارت أخيرًا دراسة توضح أدلة لدعم إدراج الكذب المرضي كتشخيص مستقل في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.

وأشار هارت إلى أنه، على مر السنين، اقترح نحو 20 شخصًا تعريفات لمصطلح الكذب المرضي، لكن هناك القليل من التداخل بينها، إلا أن "العامل المشترك كان أن هؤلاء الأشخاص يكذبون كثيرًا".

معظم الكذب طبيعي

يقول تيموثي ليفين، رئيس قسم دراسات الاتصال بجامعة ألاباما في برمنغهام، إن أول ما يجب معرفته عن الكذب المرضي أو القهري هو أنه نادر الحدوث. وتظهر دراساته أن معظم الناس يقولون الحقيقة في معظم الأوقات.

أوضح ليفين، الذي نشر كتابه عن الخداع، بعنوان "مخدوع"، عام 2019، أن الأشخاص الذين يكذبون كثيرًا غير مألوفين إلى حد ما".

وهذا لا يعني أن الكذب ذاته ليس شائعًا، إذ يكذب معظم الناس أحيانًا، حتى بشكل يومي. وفي دراسته، يكذب الناس بمعدل يصل إلى مرتين يوميًا.

ويعترف ليفين بأنه يكذب بانتظام في محل البقالة، عندما يسأله أحد العمال عما إذا كان قد وجد كل ما كان يبحث عنه. ومنذ بداية جائحة فيروس كورونا، كان يجيب بنعم، رغم أنه لم يكن يجد كل ما يبحث عنه في الحقيقة.

ويرى ليفين أنّ هذا طبيعي للغاية، ويعتقد أن الصدق هو أسلوب الاتصال المفترض لدينا ببساطة لأن الناس يجب أن يكونوا صادقين مع بعضهم البعض للعمل بفعالية في مجموعات كبيرة.

لكن التمسك بالحقائق لا يعد بالأمر السهل بالنسبة للجميع.

معنى الكذب المرضي

وجد هارت وكيرتس في دراستهما أن معظم الناس يطلقون ما معدله كذبة واحدة يوميًا. وهو أمر طبيعي للغاية، وفي المقابل، هناك أشخاص يكذبون كثيرًا، أي حوالي 10 أكاذيب يوميًا كمعدل وسطي.

وعندما يبدأ الناس بالكذب كثيرًا لدرجة أنهم لا يستطيعون التوقف، أو يبدأ بإيذاءهم أو إيذاء الأشخاص من حولهم، هنا يصبح الأمر غير طبيعي وقد يحتاجون إلى العلاج.

وأوضح كيرتس: "إنها الفئة السريرية من الأشخاص الذين يطلقون كميات مفرطة من الأكاذيب التي تضعف قابليتهم للعمل، وتسبّب لهم الضيق، وتشكل بعض المخاطر على أنفسهم أو على الآخرين"، مشيرًا إلى التعريف العملي للكذب المرضي الذي يأمل هو وهارت أن يتم تضمينه في النهاية بالدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.

وقال هارت: "ما وجدناه لدى فحص جميع الحالات أنّ الكذب يبدو قسريًا إلى حد ما. هذا يعني أنهم يكذبون في مواقف ربما لا يكذب فيها الشخص المنطقي، ويبدو أنه ينقلب ضد مصلحتهم في كثير من الحالات".

وأضاف هارت أن ذلك يؤدي إلى التسبب باختلال وظيفي في حياتهم، ضمنًا المشاكل الاجتماعية، والعلاقات، والعمل.

وعلى مستوى ما، يعرف الأشخاص الذين يعانون من الكذب المرضي أنّهم يكذبون، وعندما يواجههم الآخرين بأكاذيبهم، فإنهم عادة ما يعترفون بعدم أمانتهم.

وقد يكون الكذب أيضًا إحدى سمات اضطرابات أخرى، لكن هارت يقول إنه عندما قاما بتقييم الأشخاص الذين استوفوا معايير الكذب المرضي، وجدوا أمرًا مثيرًا للاهتمام، إذ "اتضح أن الغالبية منهم لا يعانون من اضطراب نفسي آخر. ولذا يبدو أن الكذب يعد مشكلتهم الرئيسية، ما يضفي أهمية على فكرة أن الكذب المرضي يستحق أن يكون له تشخيصه الخاص.

وتنشر جمعية الطب النفسي الأمريكية، الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، وتراجع بانتظام مقترحات التشخيصات الجديدة. وأشار كيرتس إلى أنّه كان يجمع الأدلة وهو بصدد إرسالها إلى الجمعية للنظر في ما إذا كان الكذب المرضي يجب أن يكون تشخيصًا جديدًا.

كيف تعرف إن كان أحدهم يكذب عليك؟

التفاصيل لن تصف حياتك أو الروتين الصباحي الخاص بك فحسب، بل قد يستطيع المستمع أن يحلل ما تقوله ليعرف الصحيح منه وغير الصحيح. فقد ترتكب الأخطاء بسهولة إن كنت تكذب.

وقال ألديرت فريج، أستاذ علم النفس الاجتماعي التطبيقي بجامعة بورتسموث، إن هذه الطريقة تعتمد على "فضح الكذّابين،" وهذا يكون عن طريق "طرح أسئلة أو إعطاء تعليمات تكون اجابتها أكثر صعوبة على الكذّابين."

وقد بحث فريج لسنوات عن أفضل الوسائل لإثبات الكذب عندما يحاول الناس ممارسة التضليل، خصوصا خلال استجوابات الشرطة. وعلق قائلا: "تبين البحوث أن التقنيات التي تهدف إلى فضح الكذّابين ناجحة."

اتخذ فريج منذ فترة طويلة مسارا مختلفا عن استخدام أجهزة كشف الكذب لتطوير أساليب مبنية على الأدلة خلال الاستجواب. وفي تجاربه في تدريب السلطات في مجموعة من البلدان، ارتفعت معدلات كشف الكذب من 58 في المائة إلى 72 في المائة. وهذا قد يوفر مليارات تنفقها الدولة في تحقيقات الجرائم.

يعرف هذا الأسلوب بـ"التحميل الإدراكي،" من خلال المواجهة وتتضمن طرح الأسئلة وتحديد المهام عبرها وطلب المزيد من التفاصيل، وهو من شأنه إرباك الذهن بشكل كبير أثناء توفير المعلومات. وهذا حتما سيجعل الكاذبين يعطون إشارات لفظية تفضح خداعهم.

وقال فريج إن قائلي الحقيقة عادةً ما يعطون تفاصيل أكثر من الكاذبين، بينما يميل الكاذبون إلى قول أقل شيء ممكن.

عندما يريد شخص إخفاء شيئا ما، غالبا ما سيحاول تبرير ما يقوله وسيطلع على ردود الأفعال وسيستخدم جملا غير مكتملة عند المقدرة، وفقا لأبحاث أجراها أستاذ علم نفس في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس.

وقال أيضا إن الكاذبين قد يستخدمون استراتيجية أخرى وهي إعادة السؤال والتحدث ببطء لشراء الوقت، ثم التحدث بسرعة عندما تكتمل القصة لديهم، في حين أن غير الكاذبين لا يغيرون سرعة تحدثهم بشكل ملحوظ في جملة واحدة.

فاذا وجدت نفسك عالقا في كذبة، كن جاهزا للامتحان.

* المصدر: سي ان ان

اضف تعليق