ان اللذة تسيطر على وعي الانسان فحين لا تشبع سينعكس الامر سلباً على حال الفرد العامل فتجعله متخبطاً ومتلون المزاج لا يسير في سلوكياته وفق خطة ولا مستوى معين مما يجعل المختص يؤشر مشاكل سلوكية ربما لا يفهمها الناس البسطاء من الناس لكنها في الواقع هي رأس الكثير من المشكلات والعدوانية...
يقسم ماسلو في هرمه للحاجات الانسانية الى اقسام منها ماهي اساسية ومنها ماهي ثانوية ومنها ماهي ترفيهة، وتختلف هذه الحاجات بدرجة الحاحها على الانسان لكنها في النهاية جميعها بحاجة الى اشباع بتتابع وبحسب الاهمية، وعدم اشباعها مع توفر الامكانية لذاك سيفقد الانسان توازنه الذي لن يعود الا بعد تحقيق الاشباع، فالمعادلة النفسية تقول مع وجود الحاجة يتوفر الاشباع فيحدث التوازن، ومع وجود الحاجة وغياب الاشباع سيحدث التخلخل.
وتعرف الحاجة في علم النفس بأنها "حالة من النقص والافتقار يصاحبها نوع من التوتر والضيق لا يلبث أن يزول عندما تلبي الحاجة سواء أكان هذا النقص مادياً أو معنوياً داخلياً أو خارجياً".
اما الإشباع فيعرف على انه "الإغراء والميل الناتج للتخلي عن فائدة مستقبلية من أجل الحصول على أقل فائدة ولكن أكثر فورية واسرع اثراً، فعندما تكون لديك رغبة في شيء ممتع سواء أكان طعاماً أو ترفيهاً فنادراً ما تفكر في أفكار تهدئ من روعك مثل الانتظار لمدة ساعة لتناول الطعام".
اول من اتى بمصطلح الاشباع عالم النفس الالماني سيغموند فرويد لوصف المكون الذي اقترحه للعقل اللاواعي الذي تحركه الغرائز الأساسية فقط، اذ كان مبدأ المتعة أحد افتراضاته الأكثر ديمومة، من الواضح أن البشر مدفوعون إلى حد ما على الأقل بالرغبة في تجربة المتعة والتي يقف خلفها الاشباع.
يؤدي الاشباع للرغبات الى اذعان الانسان الى العقلانية مما يحرضه على التطور فحقيقة العقل تفسر جموح الرغبات حسب مقتضاها، بمعنى العقل يعرف اهمية الانسان الى الرغبات ويقوم بمعالجتها حسب الاهمية، لكدن ذلك لا يعني بالمطلق (أن تكون الرغبات موضوع حساب وتعقل، ثم أن الأجواء المتاحة تهيئ الاكتفاء وتجعل من الفرد يظهر بمظهر لائق، ذو خلق حميد وتصرف سوي يتصدى لمهامه ومسؤولياته بلا ضغوط أو فصام أو ازدواجية، وبذا يسير الانسان من دون ازدواجية ويأتي بنتائج مقنعة ومرضية وتجده يستثمر جهده في أداء وظائفه الإنسانية بكل تحرر منطقي، وضمن إطار الزمن المقابل.
"إن قوام الرغبة يتجسد في الإشباع التام لها، ولا تبالغ ولا تتفاجئ لو وجدت نفسك تتغير وفق رغبات ذاتك وخيالك، بدلا من توزيع قدراتك بين جهات مختلفة، وتعمم نظرية التهميش وتنحى نحو السلبية التي تفصل بينك وبين الواقع، وتنتقل من الحالة الشعورية إلى الحلم بل إلى القلق الذي صنعته ظروف غير صالحة للسعادة".
ويمكنا القول ان اللذة تسيطر على وعي الانسان فحين لا تشبع سينعكس الامر سلباً على حال الفرد العامل فتجعله متخبطاً ومتلون المزاج لا يسير في سلوكياته وفق خطة ولا مستوى معين مما يجعل المختص يؤشر مشاكل سلوكية ربما لا يفهمها الناس البسطاء من الناس لكنها في الواقع هي رأس الكثير من المشكلات والعدوانية والانتقاص من الاخرين كتعويض للعقد الناتجة من المشكلات النفسية.
ومن الجدير بالإشارة ان الحياة لم تعد تلك الحياة البسيطة التي كان الناس فيها يسكنون في قرية صغيرة ومزرعة ويتلقون التعليم الديني البسيط في المسجد ويكتفون بالأكل البسيط والملبس، أما الآن فقد توسع حقل الممكنات، واكتظت به وسائل التفاعل، وتحولت المنظومة البسيطة الى اخرى معقدة ولم يعد الانسان يكتفي بالممكن البسيط ومع ذلك لابد من الاشباع الذي بدونه يضيع الانسان ويفقد صوابه.
ان الانسان في خضم هذا الصراع الذي يعشيه بين حاجات بحاجة الى اشباع وبين قصور في مسببات الاشباع لابد ان يحيط نفسه بسياج بلاستيكي يسهل تجاوزه ان اضطر الى ذلك وليحرر نفسه من القيود الشائكة وبالتالي السماح لنفسه بالصيرورة الحضارية بلا خسائر، فإذا تم تنظيم الرغبات والمعارف والأنشطة هدأت الانفعالات واصبح الانسان سليماً معافى ومتزن وذا هو المطلب.
اضف تعليق