ان البشر لا يستطيعون في الواقع تعريف أنفسهم بشكل جوهري أو مستقل، يمكنهم فقط تعريف أنفسهم بناء على المقارنة بشخص آخر، فعندما يتعلق الأمر بالمسائل الكبرى المتعلقة بالهوية والذات، نحن بحاجة إلى النظر إلى أشخاص آخرين، وهذا الكلام دقيق بنسبة كبيرة فكلما كنا نتشبه بأشخاص...
في خلواتنا نميل دائماً الى مقارنة أنفسنا بمن حولنا سواء كانوا اصدقاء او زملاء عمل او دراسة او اقارب، والمقارنة لها جوانب شتى منها الايجابي والسلبي غير اننا نقارن أنفسنا بالسلب في اغلب الاحيان، وهذه المقارنة تأتي بمداد البحث عن الافضلية.
قد نرى في أنفسنا صفات لا نحبذها وهي ليست سيئة لكن ربما نظرتنا الى أنفسنا تتصف بالدونية، وينمو هذا الشعور عند مقارنة الفرد نفسه بغيره ممن يمتلكون صفات مميزة يفتقر لها، هذه الحالة تجعل الانسان يعرض نفسه الى الظلم وتقليل شأن النفس رغم أن لكل شخص ما يميزه من صفات جميلة، فما تراه غير جميل لديك يراه الاخرين غاية في الجمال.
مقارنة الانسان لنفسه مع الاخرين من أكثر الامور التي تتسبب في تعاسته وشقائه، عبر ذهاب المُقارن بالمقارنة بين ما يود الحصول عليه في حياته وبين شخص اخر يتمتع بهذه الاحتياجات او فلنسميها الطموحات مما يؤدي بالضرورة الى تسيد الاحباط والشعور بالفشل ومعاتبة النفس وارهاقها باللوم وبالتالي فقدان جزء كبير من صحتها النفسية.
ولعل مقارنة النفس مع الاخرين بصورة سلبية تنتج عن الكراهية في نفس المُقارن اتجاه الأشخاص الذين قارن نفسه بهم، مع امكانية ان تنتج افكار هدامة ذات أثر تقاعسي يظهر على شكل عبارات مثل لن أنجح ولن أتحسن لأني لا أملك ما يملكه ذلك الشخص.
المقارنة السلبية تعد فخاً يخرب ذات الانسان من خلال الحكم على نفسه بالاعتماد على ما يمتلكه الاخرين الذين نتعامل معهم، اذا نخطأ كثيراً في قياس قيمتنا الذاتية باستخدامنا اشارات سطحية طائشة، وبالتالي نشعر بالتقصير تجاه انفسنا دائماً علاوة على شعورنا بأننا لسنا منتجين او لسنا ناجحين بما يكفي لئن نصل الى ما وصل اليه الاخرين، وهي معاملة غير عادلة وفيها تجني كبير على الذات لما فيها من تجاهل نقاط القوة والتركيز فقط على نقاط الضعف، والخطأ كبير نقع فيه هو اننا نقيم السعادة الظاهرية على مؤشرا على الحالة العامة للإنسان والحقيقية ليست كذلك مطلقاً.
الوهم او الحالة المثالية في ادمغة الكثير منا هي من تجعلنا نقارن أنفسنا بمن حولنا متناسين الفروقات الفردية والمعطيات لدى الطرفين وهذا ما يجعلنا نركز على الجوانب السلبية ونهمل الايجابية وبذا يغيب النظر الى الجوانب الرائعة من حياتنا، وهنا نحن أصبحنا انتقائيين نختار السمات التي تثير اعجبانا فقط ونغض الطرف عن الصفات الأخرى السيئة وجوانب الحياة البائسة والتعيسة التي قد يعيشها هذا الفرد الذي قارنا أنفسنا به في صفة معينة او خاصية ايجابية معينة.
صاحب نظرية المقارنة الاجتماعية التي تعتبر من اهم النظريات في علم النفس الاجتماعي (ليون فستنغر) يقول: "أن البشر لا يستطيعون في الواقع تعريف أنفسهم بشكل جوهري أو مستقل، يمكنهم فقط تعريف أنفسهم بناء على المقارنة بشخص آخر، فعندما يتعلق الأمر بالمسائل الكبرى المتعلقة بالهوية والذات.. نحن بحاجة إلى النظر إلى أشخاص آخرين".
وهذا الكلام دقيق بنسبة كبيرة فكلما كنا نتشبه بأشخاص آخرين نميل الى مقارنة أنفسنا بهم وحين نتوقف عن المقارنة فأننا غالباً ما تختبر العداوة والانتقاص اتجاه هؤلاء؛ طالما أن الاستمرار في مقارنة أنفسنا معهم تؤدي إلى نتائج غير سارة.
ولأن المقارنة بالآخرين تعطي نتاجات سلبية على الافكار والمشاعر والنفسية الانسانية بصورة عامة يفضل ترك المقارنات سيما السلبية منها، كما يفضل ان تتم المقارنات وفق ادوات قياس صحيحة بالاعتماد على تقيم السلبي والايجابي لدى الشخص المقارن به وبالتالي سيجد الانسان نفسه محاطاً بالنعم التي لم يحدها وانشغل في التفكير بغيرها.
ومن الاهمية بمكان تعويض مقارنة أنفسنا بالأخريين بمقارنة أنفسنا بما كنا عليه سابقاً وهذا الامر سيمنحنا التركيز على حياتنا الخاصة والتفكير بأهدافنا والعمل من اجل تحقيقها، كل هذه القواعد ستساعدنا على الاستمتاع بالأشياء الإيجابية والجيدة التي وهبها لنا الله.
اضف تعليق