الأشخاص الذين يتمتعون بصبر أعلى يميلون إلى التعاطف أكثر. وغالبًا ما تساعدك قدرتك على مراعاة وجهات نظر الآخرين والتفكير بحاجاتهم، وليس بنفسك فقط. وتُظهر الأبحاث أنّ الأشخاص الأكثر صبرًا يتمتعون بحياة صحيّة أكبر، فهم يشعرون برضًا أكبر على حياتهم، ولديهم أمل، وتقدير للذات، ومشاعر إيجابية عمومًا...
عندما يتحرّك المصعد ببطء، تضغط على أسنانك، وتتذمّر متمتمًا كلمات غير مفهومة. وإذا تأخّرت بالحصول على قهوتك، أو لتوفّر طاولة تجلس إليها في مطعم، ستقترب من النادل أو المضيفة للاستفسار عن سبب التأخير.
ويمرّ كل شخص بهذه اللحظات، حين يفقد فيها صبره ولا يعود قادرًا على البقاء هادئًا أمام مواقف محبطة أو شدائد أو معاناة.
وقالت سارة شنيتكر، أستاذة مساعدة في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بايلور، والمشرفة على دراسة "اختبار الصبر والحياة السعيدة" عام 2012: "لدينا توقعات حول كيف يجب أن تكون عليه الأمور، والوقت المناسب للانتظار في الطابور، أو الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى مكان ما، أو كيف يجب أن يتصرّف معنا شخص آخر، أو كيف عليّ أن أشعر".
وأضافت شنيتكر أنّه "عندما يتم انتهاك هذه التوقّعات، غالبًا ما نشعر بأنّ عواطفنا اضطربت".
وقالت شنيتكر إن نفاد الصبر ليس سيئًا دائمًا، ولكن الأشخاص الذين يعانون من قلّة صبر مزمنة يمكن أن يختبروا مزيدًا من التوتر، ما يزيد من مخاطر تعرضهم لمشاكل صحية مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية، موضحة أن بعض الناس يتحلّون بالصبر أكثر من آخرين، ولافتة إلى أنه "من خلال ممارسات متعمّدة، يمكننا تطوير هذه الفضيلة لدينا، وتسهيل مهمة الانتظار على أنفسنا".
وفيما يلي بعض توصيات شنيتكر لتطوير خاصية الصبر لدينا:
عندما ينفد صبرك، ماذا يحدث لحظتها في دماغك وفي بقية أعضاء جسمك؟
تنشط عواطفك، وهذا يعني أنّك في حالة استجابة جسدية كاملة. فيرتفع معدل ضربات القلب لديك. وقد تتغيّر كمية الكهرباء المنبعثة من جلدك (تسمى موصلية الجلد). كما أن الأمر يرتبط بنوع المشاعر التي قد تنتابك. هل هي مشاعر قلق من أن تتغيّب عن الاجتماع التالي إذا لم يتم إنجاز أمرًا ما في الوقت المناسب؛ وهذا أمر يختلف قليلاً عن نفاد صبرك المدفوع بالغضب. ولكن في كل الأحوال، فإن نظامك الفيزيولوجي تأهّب وبدأ بالدخول في استجابة التوتر، أي إثارة استجابة الكر أو الفر.
ويساعدنا نفاد الصبر أحيانًا على تركيز انتباهنا والتخطيط لٍسلوكنا. لكن حين لا يمكنك التحكم بموقف ما، أو ليس في مقدورك القيام بالكثير لحلّه، لا يبقى أمامك عندها سوى تعديل مشاعرك، من خلال تنظيمها واستعادة حالة الهدوء.
كيف يمكن أن يكتسب الناس مزيدًا من الصبر؟
من خلال إعادة التقويم المعرفي. فحين نعيد التفكير بالموقف من منظور مختلف، ونسأل أنفسنا عن الإيجابيات التي يمكن أن نستخرجها من هذا الموقف السلبي، فإن هذا الأمر سيساعدنا على الانتظار راهنًا، وعلى تنمية الصبر على المدى الطويل أيضًا. كما أنّ إدراكنا للمشاعر وتحديد ما نشعر به ولماذا، قد يساعدنا أيضَا.
وهناك خطوة أخرى أحب الإشارة إليها، تتعلّق بربط معاناتنا، أو انتظارنا، أو مشاكلنا بغايتنا الكبرى، أو أهداف حياتنا. عندما نسأل هل ثمة معنى لما نختبره؟ أو كيف يمكننا الاستفادة من هذا الموقف كوسيلة تساعدنا على التعامل مع هذه السلبية راهنًا؟ لقد أجرينا دراسات حول فضيلة الصبر لدى المرضى النفسيين الذين أدخلوا إلى المستشفى بسبب خطر الإقدام على الانتحار أو لمعاناتهم من اضطرابات نفسية أخرى. وتبيّن لنا أنّ من تحلّوا بالصبر كانت لديهم القدرة على التعامل مع الأزمات بفعالية أكبر. كما أنه سُجل لديهم تراجعًا في أعراض الاكتئاب.
وقد يكون التحدث عن الجهود المبذولة مع الآخرين مفيدًا أيضًا. ومن الأفضل أن تتدرّب بدلاً من المحاولة. كما أن ممارسة التأمل بانتظام، أو أن تكون أكثر يقظة، ما يعزّز من قدرتك على الصبر. كذلك يمكن تنمية الصبر لديك من خلال قدرتك على تحديد مشاعرك وتسميتها.
كيف في وسعنا تحسين خاصية الصبر لدينا في العلاقات؟
الخطوات الأساسية ستكون هي نفسها. ومن المفيد تحديد أهدافك وغاياتك من العلاقة. وعلى سبيل المثال: "كأم، أريد مساعدة هذا الشاب اليافع حتى ينمو ويصير شخصًا راشدًا وسعيدًا. وأريده أن يكون لطيفًا وكريمًا".
والتفكير فيما تحاول تلقينه على المدى الطويل قد يساعدك في الوقت الراهن. كأن تقول لنفسك: "حسنًا، هذا يشكّل جزءًا من هدفي لتعليمه الانضباط وضبط النفس، ومساعدته حتى يصير بالغًا ولطيفًا ويساهم في المجتمع. لذلك أتخلى عن الصراخ وأطبّق معه أساليب التربية الإيجابية".
هل ثمة فوائد أخرى ناجمة عن تطوير الصبر؟
الأشخاص الذين يتمتعون بصبر أعلى يميلون إلى التعاطف أكثر. وغالبًا ما تساعدك قدرتك على مراعاة وجهات نظر الآخرين والتفكير بحاجاتهم، وليس بنفسك فقط.
وتُظهر الأبحاث أنّ الأشخاص الأكثر صبرًا يتمتعون بحياة صحيّة أكبر، فهم يشعرون برضًا أكبر على حياتهم، ولديهم أمل، وتقدير للذات، ومشاعر إيجابية عمومًا. كما أنّ لديهم القدرة على المثابرة لتحقيق أهدافهم.
كم من الوقت يستغرق التدريب على تنمية الصبر؟
اكتساب الصبر يتطلّب الكثير من الوقت. وقد يستغرق الأمر بين 20 يومًا وعامًا تقريبًا لتطوير هذه الخاصية. والحلول ليست سحرية ولا تتم بين ليلة وضحاها، لكن عندما يحاول الناس التحلي بالصبر، فإنهم غالبًا ما يلحظون مكاسب أولية.
اضف تعليق