ان لبنية الدماغ الانساني اثر في تكوين الاضطراب من خلال ما يعرف بـ(اللوزة الدماغية) التي تؤدي دوراً في التحكم في استجابة الخوف وكل ما ارتفع نشاط هذه الغدة كلما كانت الاستجابة للخوف اعلى الأمر الذي يؤدي إلى زيادة القلق في المواقف الاجتماعية، والصفات الموروثة هي الاخرى سبباً...
الخوف من مقابلة المجتمع او التحدث اليهم او العزوف عن زيارة الاماكن التي تزدحم بالبشر، ينتج من ذلك تفضيل عدم الحضور في الفعاليات الاجتماعية واللقاءات والفعاليات وحتى التجمعات العائلية، فالكثير منا عانى هذا النوع من الخوف في مرحلة ما الا ان استمراره يؤشر وجود اضطراب يعرف بـ(الرهاب الاجتماعي) او (رهاب الحضور).
المصاب بهذا الضرب من ضروب الرهاب بمجرد ان يرى نفسه محاطاً بتجمع بشري يبدأ بالارتعاش والعرق والارتباك، ولسنا مبالغين ان قلنا انه حرم الكثير الناس من فرص التعليم او ممارسة ادوار اجتماعية، كما انهم فشلوا في تحقيق ذواتهم بدافع الخوف المرضي، فالأمر ليس هيناً عليهم لأنه يمثل عذاباً نفسياً لهم او صراع بين ما يطمحون اليه وبين الواقع الذي يقف بوجه تحقيق ذلك الطموح، والتخلص من هذا الرهاب شأنه شأن غيره من الفوبيا ليس سهلا لكن ليس مستحيلا أيضا، فالكثير من المصابين به استطاعوا تجاوزه واصبحوا على النقيض تماما.
يعد الرهاب الاجتماعي الاكثر انتشاراً من بين انواع الرهاب الاخرى، فقد تصل معدلات انتشاره الى قرابة 13% من الناس ولا يستثنى منه مكان في العالم، وهو أكثر شيوعا بين الذكور من الإناث بنسبة تتراوح بين 20% و40%، ربما لطبيعة الاناث الرقيقة او الضعيفة الى حد بعيد بالمقارنة بطبيعة الرجل.
عادة ما تبدو مظاهره في سن المراهقة وتواكب اغلب ان لم يكن كل المراحل العمرية للإنسان اذا لم يعالج او اذا تأخر كشفه، فقد تتفاوت درجته من شخص لآخر فلا يصيب الكل بنفس الدرجة او القوة، لذا من المهم ان ينتبه الوالدين الى سلوكيات اطفالهم والسعي الى تدارك الازمة سيما في مراحلها الاولى لان ذلك سيعجل في العلاج، والتماهي في العلاج سيعقد العلاج او ربما يجعل من فرصة نجاحه ضئيلة.
يتعامل المجتمع العربي بأسلوب خاطئ مع الاطفال والمراهقين مما لا يشجع في التغلب على الخوف او الرهاب، فقد يبادرون الى اعفاء ابناءهم من الكثير من الواجبات او الالتزامات لانهم خجلون!، وبهذه الطريقة اصبحوا اداة من ادوات اذكاء هذا المرض، كما ان البعض يطلبون من مدرسي ابناءهم عدم تعريضهم الى المواقف المحرجة بدلاً من التعاون مع هؤلاء المدرسين في تقوية شخصيتهم وبالتالي تجنيبهم الحرج لكن بطريقة العلاج لا الهروب، فهذا الإعفاء غير المنطقي سيفاقم المشكلة ويزيد في نسبها لا في نسب تراجعها، وكل هذا على خلفية استعداد وراثي يتبعه الأسلوب الخاطئ في التعلم السلوكي.
من اهم الاسباب التي تؤدي الى الرهاب الاجتماعي هي: البيئة حيث يكون هذا الاضطراب سلوكاً مكتسباً، ويكون قابلاً للتطور بعد تراكم المواقف الاجتماعية المحرجة، فقد يكون هناك ارتباط بينه وبين الآباء الذين يسلكون سلوكًا قلقًا في المواقف الاجتماعية أو يكونوا مفرطين في حماية أطفالهم.
كما ان لبنية الدماغ الانساني اثر في تكوين الاضطراب من خلال ما يعرف بـ(اللوزة الدماغية) التي تؤدي دوراً في التحكم في استجابة الخوف وكل ما ارتفع نشاط هذه الغدة كلما كانت الاستجابة للخوف اعلى الأمر الذي يؤدي إلى زيادة القلق في المواقف الاجتماعية، والصفات الموروثة هي الاخرى سبباً من اسباب الحدوث فقد ترى عائلة بأكملها مصابون بالرهاب الاجتماعي.
وتعد التجارب السلبية من بين اهم الاسباب التي تحدث المرض فما يتعرض له الاطفال من مضايقات كالسخرية او الاهانة او التنمر كما النزاعات العائلية والصدمات، والانتهاك للحقوق والخصوصية يجعلهم عرضة لاضطراب القلق الاجتماعي.
واخر الاسباب هو وجود حالة واضحة في شكل الانسان تجعله يخشى مواجهة الناس ومن هذه الحالات تشوهات الوجه او أي جزء ظاهر من اجزاء الجسم كذلك الارتعاش الناجم عن مرض باركنسون، هذه العوامل جميعها تزيد من الاحساس بالخجل وتوزع بظهور اضطراب القلق الاجتماعي.
الحلول لا يمكن ان تنجح دون ان يكون اعتراف بالمشكلة ومواجهتها وليس تجنبها، ومن ثم يأتي التشجيع في المراحل العمرية المبكرة للأطفال واعطاءهم الحرية في التعبير اللفظي عن حاجياتهم واراءهم في الاحاديث العائلية وحتى العامة بشرط الالتزام بقواعد الحديث المتزنة، وهذا القدر من الحرية سيكون له سطوة كبرى في منع الحالة من أن تزداد أو التخفيف من شدتها أو حتى إنهائها كليا.
كما الابتعاد عن الالتصاق بالأجهزة اللوحية وانعدام الاحتكاك بالمجتمع لان ذلك الادمان على هذه الاجهزة يجعل من الفرد منعزلاً مما يضعف مهاراته تواصله واتصاله مع الآخرين، ومن الضروري ان يزج الفرد المصاب في مناسبات وفعاليات مدرسية او مجتمعية بألقاء كلمة او القيام بعرافة حفل تجعله اكثر جرأة وارتياحاً في التعامل مع المحيط.
ومن المهم بمكان ان يعتاد الانسان على مصافحة الناس فهذه الابتسامة ستبني حوارات طويلة غير مسموعة معهم، وستذيب الخوف الذي يسيطر على الانسان حين لقاءه بأناس ذوي شأن او اكبر منه سناً، كما تساعد القراءة والاطلاع على تنمية مهارات التحدث دون خوف او ارتباك وتزيد من ثقة الانسان بنفسه في العلاقات وحتى الطموحات.
تلك هي ابرز التقنيات التي من الممكن ان تحد من اضطراب الرهاب الاجتماعي وتزيد من فرص النجاح والطموح او تزيد من مستوى الاختلاط المجتمعي على اقل تقدير.
اضف تعليق