بمضض نقول اننا نعيش زمناً انقلبت فيه الموازين، واغلب اناسه بلا ضمير ولا اخلاق وتسكت عن احقاق الحق، قد تتوارى عن فساد يستشري ويأكل المكان ويلتهم الادمية، وعمت الاعين عن ابصار الرذيلة، والضمائر غطاها العفن والفساد للمرحلة التي لم يعد يميز كيان الانسان من غيره...
بدونه تنتكس الكثير من القيم والاخلاقيات، وهو احد اسس تميز الانسان عن غيره من المخلوقات، وهو كلمة حق حيث يجب ان ينصر المظلوم، وهو من يحدو بنا ان وجد ان لا يغرنا بريق ولا يربكنا تهديد، وجوده في جوفنا يجعلنا لا ننثني امام الباطل مهما بلغ بأسه، بدونه يتحول البشر الى اشبه بالحجر الاصم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، انه (الضمير) وما ادراك ما الضمير؟
ينطق الضمير فيدلي برأي او وجهة نظر وماوراء هذا الفعل هو شعور انساني باطني بمثابة المراقب على سلوكيات الانسان ومتحكم بها، يفترض ان يكون مسير الحياة فبعدم وجوده يعني موت انسانية الانسان وهذا ما لا يمكن تعويضه، إذ بفُقدانه، نفقد الميزان الداخلي الذي يميّز بين الخطأ والصواب.
اصحاب التحليل النفسي يقولون بعدم امكانية ان يكون الضمير مطاطي لأنه حين يكون كذلك فأنه يعكس خلل ما فيه وتظهر الشخصية الازدواجية في الافعال والاقوال على حد سواء، فندعوا الخير ونسلك جادة الشر، فالعربي على وجه الخصوص يبالغ في الدعوة الى التزام قيم الصدق والوفاء والايثار ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم كما يدعوا الى الايمان والتعايش مع المختلف ورفض الكراهية وماشاكل من ناحية، ومن ناحية اخرى يغلب على سلوكياته كلها او اغلبها الفساد والكذب والخيانة وتكفير المختلف والانانية والفوضى والنهب والتزوير والمحاباة والنفاق وسواها من الصور المظلمة العاكسة للجانب السيء للإنسان.
الضمير الانساني يعمل كضابط ايقاع لمكونات الشخصية او هو جهاز نفسي تقييمي يقوم بضبط "الأنا العليا" كي لا تضعف أمام الإغراءات الحياتية من نقود او مناصب او جاه او مكانة مجتمعية تغير بوصلة الانسان السليمة، كما انه يوقف "الهو" من الانجرار وراء اشباع الغرائز بحيونة ان جاز ان نطلق عليها، مثيلة الرغبة في اشباع الرغبات بأي ثمن كان واي طريقة كانت، فهو المتعقل بين طرفي النزاع.
إن سكن الضمير شخصيتنا سيمكننا من تمييز الخير من الشر ويرشدنا إلى العدل عن الظلم، ويبين لنا طريق الفضيلة عن الرذيلة، كما وجود الضمير الانساني يعني ان الاخلاق لا زالت تحكم المجتمع، والانسان لايزال يرفض زيف الاقنعة او الاستغناء عن الكيان البشري في عالم مسخت فيه اغلب معالم الانسان السوي وباتت الشكليات الناشزة هي الطافية على السطح.
بمضض نقول اننا نعيش زمناً انقلبت فيه الموازين، واغلب اناسه بلا ضمير ولا اخلاق وتسكت عن احقاق الحق، قد تتوارى عن فساد يستشري ويأكل المكان ويلتهم الادمية، وعمت الاعين عن ابصار الرذيلة، والضمائر غطاها العفن والفساد للمرحلة التي لم يعد يميز كيان الانسان من غيره، والفساد منتشر في جسدنا ويحتاج الى تداخل جراحي لاستئصاله او مضادات قد نستدرك بها ما يمكن علاجه.
وان تكون انسان ذو ضمير حي وقلب طاهر يحمل كل معاني الانسانية في زمن يعج بكل القبائح والصفات السلبية مع ضعف القانون الذاتي وحتى القانون الوضعي فانت صاحب شخصية قوية وارادة جبارة، على عكس من يتمتعون بنذالة تفوق الوصف والتصديق.
من البداهة بمكان ان يحمل الانسان نواة الضمير في داخله يدفعه الى قول كلمة الحق، في اوقات يحصل للضمير ان يدخل في سبات يحتاج من يوقظه او يذكره بما نسيه بفعل حدث معين او مغريات معينة.
حين يحكمنا الضمير يعني اننا لدينا القدرة على ادراك مسؤولياتنا وواجباتنا تجاه الناس وتغليب المصلحة بقول نحن وليس بقول انا، وهذه النحن هي الكفيلة بأن تحمل قضايا وهموم الناس في الافئدة والدفاع عنها او عدم التعدي عليها على اقل تقدير.
غياب الضمير الانساني له اثاره السلبية في الكثير من الصعد، فعلى الصعيد المهني يؤدي غيابه الى تغيب النزاهة في العمل والمصداق غياب الاستقامة والحرص على اداء المهام الموكلة اليه، فالكسل والتماهي ما هما إلا مزيج أعمى لغياب الضمير المهني.
على الصعيد الانساني غياب الضمير يعني غياب الانسانية، وبذا يتحول الانسان الى اشبه بالحيوان يقتل ويسرق في سبيل اشباع حاجاته التي يراها اساسية، فيكون الضمير ممارس لسلطة الفرد الداخلية التي تقف بوجه التبرير في ارتكاب الاخطاء او تخطي حواجز المحرم والممنوع.
على الصعيد القضائي يؤدي غياب الضمير الى غياب العدل وبالتالي اختلال العدالة او انهيارها، فمتى تهاوى القضاء تتهاوى معه اسس العدل ومعالمه، وحينها تحكمنا شريعة الغاب طالما لا يوجد من يردع او يعاقب، مما يؤدي الى الفلتان وغياب سلطة الحق.
على صعيد الامن فأن امن المواطن ينبثق من امن الوطن، ومن دون توافر الطمأنينة الامنية لا يسلم وطن ولايبقى مواطن، فالدولة هي من يفترض ان تصنع الامن وتحافظ عليه، فإذا كانت على رأس الملف ضمائر غائبة حتما ستكون النتيجة غياب الأمن واستشراء الإرهاب.
وعلى الصعيد السياسي يؤدي غياب الضمير او انحساره الى غياب التفكير في مصلحة الشعوب ويعم الفساد، حيث لا مصلح حقيقي والفاسدون كثر كما الحال في العراق الان حيث يحكمنا من لا يمتلكون ضميراً ولا مسؤولية ولا اخلاق، ولاعبي السياسة يتغذون على قوت الفقراء من الناس بدل ان يدعموه وينشطوه.
الخلاصة، ان غياب الضمير الانساني يضع العراقيل الكثيرة في سبيل سعادة الانسان، والحاجة الى اعادة تلك القوة الى النفس البشرية صار ضرورة كي تعود الى رشدها الذي لن يكون بعدم وجود الضمير، فما السبيل الى احضار الضمير ومحو اثار الغياب؟، ومتى سيحضر صوت الحق في الانسان؟
اضف تعليق