من الضروري ان نوظف قدراتنا العقلية والقلبية للتحكم في جميع مشاعرنا بهدوء يأخذ معها الإنسان برهة من واقعة الضاغط، ومن التعقل ان يخرج الفرح بوعي لكي نتمكن من الاستمتاع بجزئياته وبغياب الوعي تخرج معاني الفرح عن قواعدها وتصبح عشوائية لا تقف عند أعتاب الآخرين بالاحترام...
في سبيله نبذل كل الجهود، ونبحث عنه في كل مكان وزمان، يحتاج اليه القلب ليزيل عنه الهم والحزن، وتشتاق له النفس لتحصل على الاستقرار، هو حالة تغمر الانسان حين يظفر بنعمة من نعم الله، وهو قيمة لا تقدر بثمن ولا تشترى بمال، يدخل ثنايا ارواحنا فينعشها ويعيد اليها حالة توازنها، وهو الشعور الذي يكون نتيجة للرضا عن منجز على صعيد من الاصعدة الحياتية، والشعور به لا يحتاج الى تقرير او تخطيط بل يفرض نفسه حسب ما تتوفر مقوماته، انه الفرح الذي يعد مبتغى الانسان وحلمه.
نحن من نستحضر الفرح ونعيده الى الوجود من تحت عباءات الهموم والاحزان والانكسارات سيما بعد ان اصبح شعورنا به شحيحاً وسط عالم ومعطيات تضده وتحاول تغييبه، لكنه يفرض نفسه وسط زحام المواقف المتعبة ليطل بشموخه، فلا فرح دون أحزان، ولا انفراجه دون ضيق، ولا ابتسامة إلا وسبقتها دموع.
ربما الحديث عن الفرح وعلاقته بالاستقرار يظلم هذه القيمة الفطرية في الإنسان، فافتراض توفير ما يحتاجه الانسان يسهم في زيادة الفرح والعكس يصح لكن غير واقعي ولا منطقي، فرغم ما الم بنا من كوارث وحروب وفساد سياسي وتخبط في ادارة كل مفاصل الدولة الا اننا لا زلنا نخلق الفرح ونعيشه، بمعنى عدم الاستسلام لواقع شديد الجفاء وشديد الضغط على الإنسان بصورة عامة والانسان العراقي بصورة خاصة.
من الضروري ان نوظف قدراتنا العقلية والقلبية للتحكم في جميع مشاعرنا بهدوء يأخذ معها الإنسان برهة من واقعة الضاغط، ومن التعقل ان يخرج الفرح بوعي لكي نتمكن من الاستمتاع بجزئياته وبغياب الوعي تخرج معاني الفرح عن قواعدها وتصبح عشوائية لا تقف عند أعتاب الآخرين بالاحترام المرجو منها وبالتالي لا يحظى بالتفاعل، فالأجدر ان لا نبالغ فيه حتى لا يتصور الاخر بأنه مفتعل يفتقد الى المصداقية الوجدانية.
الاقتناع والرضا هما الدوافع الباعثة على اي فرح وبدونهما لا يشعر الانسان به، وبدونهما يكون التفاعل شكلياً لكي لا يحرج اصحاب الدعوة التي قد تكون مناسبة زواج او عيد ميلاد او حفل تخرج او ما شاكل ذلك الا انه غائب عن نفسه وبعيد عن مزاجه مما يجعل الفرح مصطنعاً غير حقيقياً.
وللصحة النفسية دوراً رئيس في اغلب سلوكياتنا ومنها الفرح الذي يفترض ان يكون جزءا من سلوكنا الانساني، فالأنسان الذي يرفض الفرح حتى مع وجود دواعيه يصنف بأنه شخص ذو شخصية (مغتربة) او (سوداوية) او (اكتئابية)، فالقدرة على الفرح وأيضاً المشاركة فيه هي من سمات الشخصيات المتزنة السوية التي تتفاعل مع كل المشاعر الإنسانية بالدرجة ذاتها تقريباً.
قدرتنا على الشعور بالفرح يعكس الرغبة القوية في تخطي المشكلات والازمات التي تحيط بنا وتجعلنا قادرين على ادارتها والابتعاد عنها، فبالفرح تستمر الحياة والانسان معاً مما يدلل على وجود العلاقة فيما بينهما.
سلوكية الفرح تدفع بصاحبها الى الابداع ولكل سلوك دافع داخلي يحركه ويصل به الى القمة، والوصول الى نظريات واهداف تخدم بني البشر في كافة المجالات، يغلف ذلك الابداع او الانجاز الشعور بالبهجة واستشعار الفرح.
في افراحنا غالباً ما نتعرض لمشاكل بسبب ضعف او غياب ثقافة الفرح في نفوسنا او لكونها منفصلة عن القيمة الوجدانية له، فالفرح سلوكية تترسخ في المجتمعات الاكثر تحضراً ووعياً من المجتمعات الاخرى فنوعية ودرجة الثقافة تتباين من مجتمع لآخر، وبذا نعتبر الفرح ضرورة حتمية والا غاب عن الكون التفاؤل والايجابية.
بدون الامل وتوقع قدوم الافضل الذي يؤدي الى الفرح قد نتحول الى اصنام ليس للحياة فينا معنى ولا تقدير وكل ما يحدث حولنا لا يحرك فينا ساكناً ولا يثير احساس، ونبقى ندور في دائرة مفرغة من كل المعاني المبهجة، والجنوح لانتظار المجهول الذي يقبل التأويل السلبي في اكثر الاحيان.
نظرية الفرح والتفاؤل هي احدى النظريات التي يقول بها علم النفس الحديث ان الفرح قد يكون سبباً في علاج العديد من الامراض النفسية كالانطواء والاكتئاب والرهاب والانعزال، والعلاج يتم عبر وضع المريض داخل مناخ تتوفر فيه مظاهر الفرح عن طريق توظيف مؤثرات موسيقية تؤثر في الدماغ او وضع زهور طبيعية تساعد المريض على استعادة الفرح الشعور.
للفرح بواعث عديدة مثل تخطينا لمرحلة دراسية او الحصول على لقب علمي والحصول على فرصة عمل نعتاش عليها او فوز فريقنا الذي نشجعه، كما يفرح الفلاح حين ترتفع مناسيب المياه او حين يجني ثمار زرعه، وعودة الانسان من غربة عاشها ايضاً تمثل له فرحة كبيرة.
ووحين يقدم الانسان خدمة لأشخاص يحتاجوها بشكل تطوعي مجاني يولد الفرح له، وتعمل ممارسة الرياضة، على تزويد الدماغ بمادة (الاندورفين) الذي يتسبب في الشعور بالفرح والى غير ذلك من الجزئيات التي تكون بمفردها او بمجموعها مدعاة للفرح عند الانسان.
في الخلاصة نقول ان للفرح اهمية بالغة في حياة الانسان فلابد من ان نتصيد اللحظات الجميلة ونعيشها، فليس الخبز وحده هو من يبقى الانسان على قيد الحياة انما نحتاج الى جرعات من السعادة والفرح نعيشها بكل ما أوتينا من قوة، فمشاعر الفرح هي من تبني منظومة الجمال الانساني وتديمها.
اضف تعليق