في الوقت الذي يمكن أن يرى غالبيتنا أن وفاة شخص واحد تشكل مأساة تفطر القلوب، ربما سنعاني الأمريْن للشعور بالإحساس نفسه إزاء عدد كبير من حالات الوفاة لسبب أو لآخر، إذ قد ننظر إلى هذه الوفيات في أغلب الأحيان على أنها مجرد رقم لا أكثر...
بقلم: تيفاني وين-صحفية
"إذا نظرتُ إلى الجموع فلن أتصرف قط، أما إذا وجهت بصري نحو شخص واحد؛ فسأفعل". العبارة السابقة لسيدة أصبحت قديسة بفضل ما قامت به من أعمال خير وإحسان، وهي الأم تريزا.
وتجسد هذه العبارة أحد أكثر الجوانب المحيرة للاستجابات التي تصدر عن البشر حيال المحن التي يمر بها الآخرون. ففي الوقت الذي يمكن أن يرى غالبيتنا أن وفاة شخص واحد تشكل مأساة تفطر القلوب، ربما سنعاني الأمريْن للشعور بالإحساس نفسه إزاء عدد كبير من حالات الوفاة لسبب أو لآخر، إذ قد ننظر إلى هذه الوفيات -في أغلب الأحيان- على أنها مجرد رقم لا أكثر.
ومن هنا يمكن أن تبدو ملايين الأرواح، التي تُزهق جراء الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية، أشد وطأة وأوسع نطاقا على نحو يجعلها تستعصي على إدراكنا.
وفي الوقت الراهن، نشهد هذه الظاهرة الغريبة بأعيننا، وذلك في ظل الارتفاع المطرد في عدد الوفيات جراء وباء كورونا، الذي تجاوز نصف مليون شخص، جنبا إلى جنب مع وصول الإصابات إلى سبعة ملايين حالة سُجِلَت في 200 دولة حول العالم. وعلى الرغم من أن كل وفاة تمثل مأساة في حد ذاتها لكل أسرة مكلومة ومصدومة لفقد أحد أفرادها، إلا أن ابتعاد المرء عن التفاصيل وإلقاءه نظرة على الصورة الكلية للمشهد، قد يجعله يتساءل عما إذا كان هناك منّا من يستطيع بالفعل استيعاب معنى وفاة كل هذا العدد الهائل من البشر؟
ففي الولايات المتحدة، التي تجاوزت الوفيات فيها الشهر الماضي عتبة مأساوية بتخطيها 100 ألف وفاة، يسعى الصحفيون جاهدين لإيجاد سبل من شأنها مساعدة الأمريكيين على فهم حجم الكارثة. فمنهم من أشار إلى أن حصيلة وفيات كورونا تشكل "ضعف عدد الأمريكيين الذين فقدوا حياتهم خلال حرب فيتنام"، وتزيد "على عدد عناصر الجيش الأمريكي الذين لقوا حتفهم خلال مهام قتالية في كل النزاعات التي خاضتها البلاد منذ الحرب الكورية".
لكن عجزنا عن استيعاب حجم المعاناة الكامنة وراء الأرقام يمكن أن يؤثر سلبا على الطريقة التي نتعامل بها مع المآسي التي تسبب ذلك من الأصل. ففي حالة وباء كورونا مثلا، ثمة أدلة تفيد بأن الناس باتوا يشعرون بالضجر من الأخبار الخاصة بالوباء، بل وصاروا يطالعون أخبارا أقل بشأنه. وقد يعود ذلك جزئيا إلى ظاهرة تحمل اسم "الخدر النفسي"، وتتمحور حول فكرة أنه "كلما مات عدد أكبر، أصبحنا أقل اهتماما واكتراثا".
ويمكننا أن نستعين هنا برأي الخبير في علم النفس بجامعة أوريغون الأمريكية بول سلوفيتش، الذي أجرى على مدار عقود طويلة دراسات بشأن هذه الظاهرة. ويقول سلوفيتش في هذا الصدد: "الشعور الغريزي السريع أمر إعجازي من نواحٍ كثيرة، لكنه لا يخلو من العيوب كذلك.. أحدها أننا نعجز في ظله عن التعامل مع الأعداد الكبيرة بشكل جيد. فإذا كنا بصدد أرواح بشر مثلا، فإننا نرى أن روح إنسان واحد لها قيمة وأهمية بالغة، بما يجعلنا على استعداد لبذل قصارى جهدنا لحمايتها وإنقاذ صاحبها. في المقابل، لا يقود تزايد عدد من يفقدون حياتهم بالتبعية لزيادة تعاطفنا مع هؤلاء الضحايا".
في واقع الأمر، تشير دراسات أجراها سولفيتش إلى أنه كلما زادت الأرقام والإحصاءات المرتبطة بحجم الخسائر المترتبة على كارثة ما، أصبحنا أقل حساسية وتأثرا من الوجهة العاطفية بما حدث. ويؤدي ذلك إلى تقليل احتمالات قيامنا بردود فعل ضرورية في بعض المواقف، كأن نتحرك لوقف جرائم الإبادة الجماعية، أو أن نرسل مساعدات للأماكن المنكوبة بكوارث طبيعية، أو أن نسهم في استصدار قانون يحارب ارتفاع درجة حرارة الأرض. وفي حالة وقوع وباء، ربما تقود هذه الظاهرة إلى أن يشعر الناس بعدم اكتراث، من شأنه جعلهم لا يبالون بإجراءات احترازية أثبتت فعاليتها في تقليص انتشار العدوى، من قبيل غسل اليدين أو ارتداء أقنعة الوجه.
وقد يتمثل جزء من هذه المشكلة في أن ازدياد عدد الضحايا يجعل المأساة أقل مساسا بنا بشكل شخصي. فنحن -كما يقول علماء الاجتماع- نركز غالبا على الأمور التي تهدد حياتنا بشكل مباشر للغاية. كما أن الإنسان العادي لا يمتلك الأدوات التي تمنحه الفرصة لإصدار أحكام صائبة بشأن أمر هائل ومعقد مثل وباء كورونا، على عكس خبراء الإحصاء أو الأوبئة على سبيل المثال.
لكن هذا الشعور بعدم الاكتراث قد يجلب عواقب وخيمة بشأن كيفية تعاملنا مع مآسٍ واسعة النطاق. ففي عام 2014، أجرى سلوفيتش وزملاؤه سلسلة دراسات في السويد، أظهرت أن ظاهرة "الخدر النفسي" لا تصيبنا جراء الزيادة الكبيرة في عدد الضحايا فحسب، بل إنها قد تحدث بفعل أي تزايد في الأعداد، مهما كان طفيفا.
وفي إحدى الدراسات، تم تقسيم عينة البحث إلى مجموعتيْن؛ عُرِضَت على إحداهما صورة لطفل فقير، وأُطْلِعَت الأخرى على صورة تُظهر طفليْن فقيريْن، وسُئِل الجميع عن مدى استعدادهم للمساعدة. وأشارت النتائج إلى أن استعداد المجموعة التي رأت صورة الطفلين للمساعدة كان أقل من نظيره لدى من عُرِضَت عليهم الصورة التي كانت تُظهر طفلا واحدا.
ويفسر سولفيتش ذلك بالقول إن الفرد هو "أسهل وحدة يمكن للإنسان فهمها والتعاطف معها. إذا رأيت طفلا واحدا سيكون بوسعك التركيز عليه بشكل أعمق مما ستفعل مع طفليْن. ففي الحالة الثانية، سيبدأ مستوى انتباهك واهتمامك وكذلك كثافة مشاعرك في التراجع. ومشاعرنا هي التي تحرك سلوكنا".
بجانب ذلك، أشارت الدراسة إلى أن المشاعر الإيجابية المرتبطة بالرغبة في التبرع لمساعدة طفل واحد، والتي تُعرف باسم "الوهج الدافئ"، تقلصت عندما تم تذكير من ساورتهم تلك الأحاسيس بالأطفال الآخرين ممن لا يستطيعون مساعدتهم. في هذه الحالة تم تقسيم أفراد العينة إلى مجموعتين أيضا؛ عُرِضَت على إحداهما صورة الطفل الفقير وحدها. أما الثانية فقد أُطْلِعَ أفرادها كذلك على إحصاءات بشأن عدد من يتضورون جوعا في المنطقة التي أتى منها هذا الطفل، وهو ما يُذكِّر بالنهج الذي يراه الكثيرون منّا متبعا في المقاطع المصورة التي تعدها الجمعيات الخيرية بعد الكوارث الطبيعية، على سبيل المثال.
ويشير سولفيتش في هذا الإطار إلى أن الباحثين كانوا يعتقدون أن "الناس سيصبحون أكثر حماسة للمساعدة، إذا أظهرنا لهم مدى خطورة المشكلة". لكن الأمر كان على العكس تماما، فالتبرعات انخفضت بواقع النصف عندما كانت صورة الطفل مصحوبة بإحصاءات، وهو ما يرجع جزئيا إلى أننا في الواقع مخلوقات أنانية في الأساس.
وبحسب سولفيتش "يتبرع الناس في مثل هذه المواقف، ليس لأنهم يريدون مساعدة الآخرين فقط، ولكن لأن ذلك يُشعرهم بالرضا أيضا. وهكذا قد لا يبدو جيدا بالنسبة لنا، أن نساعد طفلا واحدا فقط حينما ندرك أنه مجرد طفل من بين مليون من أقرانه ممن يحتاجون بدورهم للمساعدة". ويقول إن المرء "في هذه الحالة، سيشعر بالانزعاج لأنه ليس بمقدوره مد يد العون للجميع". ومن ثم يؤدي هذا الشعور السلبي إلى تقليص قوة نظيره الإيجابي المترتب على شعورك بالرضا لأنك قدمت مساعدة لطفل في حاجة لذلك.
بالإضافة إلى هذا، يشعر الناس بحماسة أكبر لمساعدة الآخرين عندما يشعرون بأن لذلك أثرا إيجابيا أكبر، وهو ما لا يحدث عادة عندما نكون بصدد كارثة طبيعية كبرى، أو وباء يروح ضحيته عدد هائل من الأشخاص. ففي هذه الحالة، تصبح تبرعاتنا وجهودنا وكأنها مجرد قطرة في بحر.
وفي تجربة أخرى أجراها سولفيتش وزملاؤه، طُلِبَ من عينة البحث تخيل أنهم متطوعون قَدِموا من دولة مجاورة لرواندا بعد جرائم الإبادة الجماعية التي شهدها هذا البلد الأفريقي في عام 1994، وقُتِلَ فيها 800 ألف شخص وشُرِدَ ملايين آخرون خلال مئة يوم لا أكثر. وقُسِّمَ المبحوثون إلى مجموعتين، قيل لأفرادهما إنهم سيساعدون 4500 من قاطني أحد مخيمات اللاجئين في الحصول على مياه نقية. لكن الباحثين أبلغوا مجموعة منهما بأن العدد الإجمالي لسكان المخيم يبلغ 11 ألف شخص، بينما أُعْلِمَت الأخرى بأن هذا المكان يأوي قرابة ربع مليون شخص.
وأظهرت النتائج أن الناس كانوا على استعداد أكبر للمساعدة في الحالة التي قيل لهم فيها إن المخيم يضم عددا أقل من الأشخاص، نظرا لأن العامل المؤثر في سلوكياتهم هنا تمثل في نسبة الأشخاص الذين سيمدون لهم يد المساعدة، وليس العدد الفعلي لهؤلاء. فوفقا لسولفيتش، لم يشعر المبحوثون بأن دورهم سيكون مجديا، حينما تصوروا أنهم سيساعدون شريحة محدودة من سكان المخيم، بعكس ما حدث عندما قيل لهم إن حجم من سيتلقون المساعدة يبلغ نصف السكان، وذلك على الرغم من أن عدد من ستُمد لهم يد العون واحد في الحالتين.
بطبيعة الحال، هناك أسباب لحالة اللامبالاة هذه، تتعلق برغبة البشر في تجنب التعرض للأخبار الحزينة، أو التفكير بعمق في المآسي والكوارث، وذلك في ضوء أن حدوث ذلك بشكل متكرر يرتبط بارتفاع مستويات التوتر الحاد، وهو ما قد يؤثر سلبا على صحتهم العقلية.
وقد بدا ذلك واضحا من خلال نتائج دراسة أُجريت عقب الهجمات التي ضربت ماراثون بوسطن في الولايات المتحدة في عام 2013، وأظهرت أن من تابعوا التغطية الإخبارية لهذه الأحداث الدموية لست ساعات أو أكثر يوميا في الأسبوع التالي لها مباشرة، قالوا إنهم عانوا من التوتر الحاد حتى بعد أسابيع مما حدث، وذلك أكثر بواقع تسع مرات من أقرانهم ممن لم يشاهدوا الأخبار الخاصة بالتفجيرات بهذه الكثافة.
ومن بين معدي الدراسة الأخيرة روكسان سيلفر خبيرة علم النفس بجامعة كاليفورنيا-إرفاين، التي تقول إن الأمر أشبه بدائرة مفرغة لا تنتهي "فكلما كنت متوترا، زادت فرص متابعتك لوسائل الإعلام، وقلت احتمالات توقفك عن ذلك، خاصة عندما تكون الأخبار الواردة إليك عبرها سيئة. وكلما تعرضت لأخبار أكثر من هذا النوع، أصبحت أشد توترا واهتماما بالتغطيات الإعلامية بالتبعية، وهكذا دواليك".
وهكذا، على الرغم من أن متابعة الأخبار للتعرف على أحدث تطورات قواعد الحجر الصحي وتفشي وباء كورونا كان أمرا مهما في الفترة الماضية، فإنها شكلت كذلك مصدرا للقلق بالنسبة لكثير من الأشخاص، وارتبطت أيضا بمشاعر القلق والخوف والحزن في بعض الأحوال.
وتقول سيلفر إنه يجدر بالناس في هذه الحالة اختيار بضعة مواقع إخبارية لمتابعتها وللاطلاع على المستجدات من خلالها، مرتين لا أكثر يوميا، بدلا من الانغماس في اللهاث وراء الأخبار طوال الوقت.
إذا، كيف يمكن أن نتفادى الشعور بـ "الخدر النفسي" حيال المآسي الإنسانية التي تتكشف ملامحها أمام أنظارنا؟
يقول سولفيتش إننا نصبح في بعض الحالات قادرين على فهم مدى الخطورة التي تشير إليها أرقام بعينها متعلقة بأعداد ضحايا أو حجم خسائر ناجمة عن كارثة ما. ومن بين هذه الحالات، تضاعف عدد القتلى مثلا، باعتبار أن ذلك كفيل بإثارة اهتمامنا، وكذلك أن تكون الأرقام المعطاة من فئة ما يُعرف بـ "الأرقام المستديرة"، مثل 100 و1000 أو 100 ألف أو مليون. إذ أن هذه الأرقام تبدو بمثابة نقاط تحول، تجعلنا نتوقف عندها للتأمل والتفكير.
من الشائع كذلك أن يضفي الصحفيون طابعا إنسانيا على الكوارث والمآسي التي يتناولونها، عبر إبراز تفاصيل قصص لبعض الأفراد المتضررين منها، وهو ما يفسر تركيز التغطيات الصحفية في كثير من الأحيان على تفاصيل قد لا تبدو مهمة مثل عمر الضحية ووظيفته وما إذا كان لديه أطفال. ويوضح ذلك أيضا سبب نشر صورة لمتعلقات شخصية، مثل زوج من الأحذية، أو لعبة أطفال ملقاة بإهمال. إذ تُستخدم أساليب مثل هذه في أغلب الأحيان لإضفاء لمسة إنسانية شخصية على مأساة كبيرة الحجم وواسعة النطاق.
وفي بعض الأحيان، يكون لمأساة واحدة تأثير عميق على نفسية المجتمعات بشكل عام، وذلك إذا ما نُظر إليها في سياق قضية أكبر. ويتجسد هذا في ما تشهده الولايات المتحدة ودول مختلفة حول العالم الآن من تظاهرات حاشدة ضد عنف الشرطة وتبني سياسات تنطوي على عنصرية ممنهجة، وذلك عقب مقتل جورج فلويد، ذاك الرجل أسود البشرة، الذي لقي حتفه خلال اعتقال الشرطة الأمريكية له في مايو/أيار الماضي.
ويعتبر سولفيتش ذلك نموذجا دراماتيكيا "لقوة الصورة التي جعلتنا نستفيق على واقع عنف ذي طابع عنصري يحدث منذ قرون، وكان مصحوبا في العقود الأخيرة بالكثير من الإحصاءات والأرقام بشأن ضحاياه، بما جعلنا نصاب بـ"الخدر النفسي" أو اللامبالاة حيال مثل هذه الممارسات".
ويضرب الباحث مثالا آخر في هذا الصدد، يتعلق بصورة الطفل الكردي السوري آلان كردي، الذي لقي حتفه غرقا في البحر المتوسط في عام 2015 وعمره لا يتجاوز ثلاث سنوات، وذلك خلال محاولة أسرته الوصول إلى الشواطئ الأوروبية هربا من الحرب الأهلية السورية. ويشير إلى أن هذه الصورة أثارت موجة من التعاطف واسع النطاق على مستوى العالم، بشكل يناقض ما كان يسود المجتمع الدولي في الفترة السابقة لذلك من فتور، حيال ما كانت قد أدت إليه الحرب السورية نفسها بحلول ذلك التوقيت، من مقتل ربع مليون شخص، وتشريد ملايين آخرين.
ويوضح في هذا الإطار أن هذه الأرقام الهائلة لأعداد القتلى والمشردين ظلت مجرد إحصاءات بالنسبة للغالبية منا، أما صورة الطفل فكانت ذات طابع مروع ومؤلم، إلى حد جعلها توقظ الناس على حقيقة ما يجري، إذ "خلقت الصورة وعيا وقلقا، لم تُحدثه الإحصاءات التي أشارت قبل نشرها إلى أن هناك 250 ألف شخص" قتلوا جراء الحرب في سوريا.
ومن بين المؤشرات على التأثير الذي خلّفته تلك الصورة، ما رصده سولفيتش في الأسبوع التالي مباشرة لنشرها، من زيادة للتبرعات التي تدفقت على صندوق أنشأه الصليب الأحمر السويدي خصيصا لدعم السوريين، بواقع 100 مرة. ولم تعد التبرعات إلى مستوياتها السابقة سوى بعد ستة أسابيع كاملة من نشر الصورة.
لكن سولفيتش يرى أن طبيعة الأزمات تختلف، وهو ما يحدوه لتوقع ألا تنحسر بسرعة الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة، من جانب أنصار الحريات المدنية.
ويقول إن السبب الذي أدى إلى أن تصبح فترة التعاطف التي سادت العالم بعد نشر صورة الطفل آلان كردي قصيرة نسبيا هو أن "الناس لم يعرفوا وقتذاك ما الذي يمكنهم فعله، أكثر من التبرع للمنظمات الإغاثية التي تقدم المساعدة للاجئين السوريين"، باعتبار أننا عادة ما نحجم عن القيام بأي شيء عندما لا نعرف ما الذي يمكننا فعله.
لكنه يشير إلى أن الأمر مع الاحتجاجات الحالية في الولايات المتحدة يختلف، حيث "سنشهد جهدا هائلا من المواطنين وتقدما ملحوظا، من شأنهما الإبقاء على هذه الاحتجاجات" قائمة.
لكن ماذا لو لم تتوافر لدينا صورة أو قصة موجعة بشدة، بقدر لا يجعل بوسعنا سوى إبداء الاهتمام بهما وبالقصة الإنسانية الكامنة وراءهما؟ هل بمقدورنا في تلك الحالة السماح للأرقام المتزايدة لعدد من يفقدون حياتهم جراء إصابتهم بمرض كوفيد -19 بأن تشل تفكيرنا وتوصلنا إلى حد اللامبالاة وعدم الاكتراث بما يحدث؟
في هذا الشأن، ينصح الخبراء بأن تصيغ الحكومات والمسؤولون عن الصحة رسائلهم بشكل أكثر ذكاء. ويقولون إن التركيز مثلا على ارتفاع عدد حالات الإصابة من مليونيْ حالة إلى مليونيْن ومئة ألف، ربما لن يسترعي انتباه أحد، أو يحفز الناس على اتخاذ تدابير مثل تجنب الأماكن المزدحمة أو ارتداء أقنعة الوجه. الأفضل في هذا الصدد، وفقا لهؤلاء الخبراء، أن تكون الرسائل الموجهة للعامة أكثر جاذبية من الناحيتيْن الشخصية والعاطفية.
ويرى سولفيتش أنه يتعين علينا كأفراد أن نغير عقليتنا في التعامل مع مثل هذه الأمور، وأن ننخرط في تفكير متمهل بشأنها.
ويقول إنه لا يجب أن نكتفي بغض الطرف عن أيٍ من هذه الكوارث أو الأحداث المأساوية، مهما كانت مزعجة لنا. ويحذر من أن الإقدام على ذلك سيكون بمثابة دفن المرء رأسه في الرمال على مسؤوليته الخاصة.
اضف تعليق