جوليز مونتاغ-كاتبة علمية
تكشف صفحتك على موقع فيسبوك وصورك على انستغرام الكثير عن صحتك النفسية. وأصبح من الممكن رصد علامات الاضطرابات النفسية من خلال تتبع دلالات الصور والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد اتضح أن تشخيص الحالة النفسية من خلال تتبع النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي لا يقل دقة عن تشخيصها بقياس ضغط الدم، أو مراقبة سرعة ضربات القلب.
قد يبدو هذا مفاجئا لمن يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر مقاطع فيديو مضحكة، أو صور رحلاتهم، لأن هذا يعني أن هذه المنصات أصبح لها أهمية كبيرة، وربما تسهم في إنقاذ حياة البعض.
وتشهد الولايات المتحدة وحدها حالة انتحار واحدة كل 13 دقيقة. ورغم ذلك، فإن الأبحاث العلمية التي أجريت في هذا الصدد على مدار 50 عاما لم تنجح في تحسين قدرتنا على التنبؤ بالأفكار والسلوكيات التي تؤدي إلى الانتحار.
ولا نزال نواجه صعوبة أيضا في التنبؤ بمشكلات نفسية مثل الذهان، والاكتئاب. لكن الباحثين الآن يستعينون بتقنيات تعلم الآلة وتحليل البيانات، بحثا عن علامات تدل على الاضطرابات النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد استخدمت هذه الطرق بالفعل في الكشف عن تفشي مرض الأنفلونزا والتنبؤ به.
وكشفت دراسات عن أن حساب الشخص المصاب بالاكتئاب على موقع انستغرام قد يتضمن صورا يغلب عليها اللون الأزرق، أو اللون الرمادي، أو ألوان قاتمة، وتُظهر عددا أقل من الأشخاص. ومن المرجح أن يتفاعل معه الأصدقاء بالتعليق أكثر مما يتفاعلون معه بالإعجاب.
وربما يفضل هذا الشخص استخدام بعض مؤثرات الصور التي تحول لون الصورة إلى الأبيض والأسود، على المؤثرات التي تزيد من سطوع الصورة.
ولعل هذه الأنماط بمفردها، قد لا تكفي لتشخيص مرض الاكتئاب أو التنبؤ به، إلا أنها قد تسهم في بناء نموذج لتشخيص المرض والتنبؤ به بالاستعانة بخوارزميات تعلم الآلة.
واستعان باحثون من جامعة هارفارد وجامعة فيرمونت بالولايات المتحدة بهذه التقنيات في تحليلهم الأخير لنحو 44 ألف صورة على موقع انستغرام، ونجحت النماذج التي توصلوا إليها في التعرف على الأشخاص المصابين بالاكتئاب بدقة بلغت 70 في المئة، بينما بلغت دقة نتائج الأطباء الممارسين العموم في التشخيص 42 في المئة فقط.
وكانت علامات الاكتئاب واضحة في صفحات المستخدمين من قبل أن يشخصها الأطباء النفسيون، وهذا يعني أن موقع انستغرام أصبح نظام إنذار مبكر لرصد الاضطرابات النفسية.
وكثيرا ما ربط الأطباء النفسيون بين اللغة والصحة النفسية، إذ تدل مثلا اللغة غير المترابطة على الإصابة بانفصام الشخصية، بينما يدل الإكثار من ضمير المتكلم على الاكتئاب.
ويمكنك تجربة موقع "Analyzewords.com" لتحليل الكلمات بالانجليزية، والذي يوفر أداة مجانية لتحليل الكلمات الواردة في تغريداتنا على موقع تويتر، وتقييم الأنماط الانفعالية والفكرية التي تكشف عنها هذه الكلمات.
وعندما أدخلت اسم الرئيس دونالد ترامب على هذا الموقع، وجدت أن شخصيته تميل إلى التفاؤل والسعادة، وأقل عرضة من المتوسط للشعور بالقلق أو الغضب أو الاكتئاب.
ويستعين الباحثون في الوقت الحالي بوسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن إجابات لأسئلة محيرة حول الصحة النفسية.
ومن بين العلامات الدالة على الاكتئاب الإكثار من المفردات السلبية مثل "لا"، و"أبدا"، و"سجن"، و"قتل"، والتقليل من استخدام المفردات الإيجابية، مثل "سعيد" و"شاطئ" و"صور"، بالرغم من أن هذه العلامات لا تؤكد الإصابة بالمرض بالضرورة.
واستخرج الباحثون من جامعات هارفارد، وستانفورد، وفيرمونت بالولايات المتحدة طائفة عريضة من السمات الدالة على الإصابة بالاضطرابات النفسية، منها الحالة المزاجية، والمفردات والسياق، من خلال البحث في نحو 280 ألف تغريدة على موقع تويتر، وطوروا نماذج محاكاة حاسوبية تعتمد على تقنيات تعلم الآلة.
ونجحت النماذج في تمييز المصابين بالاكتئاب من غيرهم بدقة عالية، كما رصدت العلامات الأولى للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لدى تسعة من بين نحو عشرة حالات قبل تشخيصها بفترة طويلة.
يقول كريس دانفورث، أحد الباحثين وأستاذ الرياضيات والعلوم الطبيعية والتقنية بجامعة فيرمونت، إن معدل استخدام المفردات الإيجابية والمفردات السلبية كان من أقوى المؤشرات التي اعتمد عليها النموذج للتنبؤ بالاكتئاب، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى مثل زيادة عدد الكلمات في التغريدات.
ويقول دانفورث إن هذه الدراسة أجريت على مجموعة قليلة وذات مواصفات محددة من المشاركين، ولكنها تثبت نجاح الفكرة مبدئيا.
ويضيف: "إن نتائج هذه الدراسة وغيرها من الدراسات المشابهة تدل على أن سلوكنا على الإنترنت قد يمثل مصدرا قيّما للمعلومات لأدوات التشخيص ورصد الأعراض".
وقد يُستعان أيضا بالمعلومات التي توفرها تطبيقات مثل ساعات تتبع النشاط البدني، وتطبيقات رصد حالة الجسد أثناء النوم، جنبا إلى جنب مع هذه الأدوات للحصول على نتائج أكثر دقة.
إلا أن الباحثين لم يتغلبوا بعد على الصعوبات اللغوية التي تواجه الآلة. فقد يذكر مثلا أحد مستخدمي تويتر كلمة "انفصام الشخصية"، في سياق مختلف عن سياقها المعتاد، كجزء من اقتباس أو عنوان لمقال.
ويطلق على هذه المعلومات وصف "بيانات مزعجة"، لأن الآلة ستعجز عن فهمها، ومن ثم سيصنف النموذج الحاسوبي قائلها تلقائيا ضمن المستخدمين المصابين بفصام الشخصية.
ولهذا، استعانت دراسة أمريكية حديثة بمتخصصين لفرز البيانات واستبعاد المعلومات المثيرة للالتباس من 671 حساب على موقع تويتر، ثم طورت نماذج حاسوبية تقوم على تقنية تعلم الآلة، ونجحت هذه النماذج في التنبؤ بأعراض فصام الشخصية بمعدل دقة بلغ 88 في المئة.
وتمكن فريق من الباحثين التابعين لشركة مايكروسوفت من تمييز الأمهات اللائي من المتوقع أن تطرأ عليهن تغيرات مزاجية وسلوكية، بناء على تعليقاتهن على موقع تويتر، قبل الولادة، وخلال الأسابيع الأولى بعدها.
ويؤكد الباحثون أن هذه الطرق لن تحل محل طرق التشخيص والتنبؤ التقليدية، لكنهم يأملون أن تتطور مستقبلا، بحيث تتعرف الأمهات، اللائي يوافقن على المشاركة في هذا النموذج من خلال هواتفهن الذكية، على فرص إصابتهن باكتئاب ما بعد الولادة، عبر تطبيق على الهاتف، ويحصلن على المعلومات التي يحتجن إليها، أو تقدم لهن المساعدة الفورية إذا لزم الأمر.
لكن ماذا لو أصبحت أنشطتك الرقمية التي تكشف عن حالتك النفسية متاحة للجميع؟ ففي هذه الحالة قد تطاردك شركات الأدوية، أو تواجه تمييزا من أرباب العمل وأصحاب شركات التأمين.
أضف إلى ذلك أن هذه المشروعات لا تخضع لرقابة أخلاقية صارمة كالتجارب السريرية، وكثيرا ما تُستغل بيانات المستخدمين في دراسات دون أن يدروا.
ويقول مايكل زيمر، باحث في أخلاقيات الإنترنت والخصوصية: "إن وضع البيانات الشخصية بأي طريقة كانت على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعني أن تصبح هدفا سهلا لكل من يريد استغلالها أو نشرها أمام الجميع".
ويُذكر أنه في عام 2013، اعتمدت خدمة غوغل لمراقبة انتشار الإنفلونزا على البيانات الضخمة على الإنترنت، وكانت النتيجة تقدير ذروة تفشي المرض بمعدلات أعلى بمراحل من المعدلات الحقيقية. وقالت مجموعة من باحثي هارفارد إن السبب وراء ذلك هو الاعتماد الكامل على البيانات الضخمة كبديل عن طرق جمع وتحليل البيانات التقليدية.
إن تقنيات تحليل البيانات وتعلم الآلة تتيح لنا فرصة للكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن الفترة ما بين ظهور العلامات الأولى للاكتئاب واللجوء إلى الطبيب قد تتراوح ما بين ست وثماني سنوات، أو ما بين تسع و23 عاما في حالة الإصابة بالقلق المرضي.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الآن وصل إلى ملياري مستخدم، أو يزيد.
وكتب مارك زوكربيرغ مؤخرا: "لقد شهدنا مؤخرا حوادث مأساوية، منها عمليات الانتحار، التي بُثّ بعضها عبر الإنترنت، وربما كان بإمكاننا منع وقوعها لو تمكن أحد ما من اكتشاف ملابساتها والإبلاغ عنها مبكرا".
وبين كل زيارة وأخرى للطبيب، تستمر أعراض الأمراض النفسية، وقد توجد في ثنايا تعليقاتنا وصورنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وربما من الأفضل أن توجد معها أيضا أدوات التنبؤ بها وتشخيصها وعلاجها.
اضف تعليق