أحمد طقش

 

أقصر طريق للحصول على السعادة هو الإسعاد، وأقصر طريق للعيش بفرح دائم هو الإفراح، إن أردت أن تقيم في رحم المباهج، أبهج غيرك، وإن أردت توديع المنغصات إلى الأبد، أزح المكابدات والمشقات عن الأقارب والأباعد.

ضُخ المسرات في كل من حولك، كن أنت مهرجاناً للآخرين، زفافاً لأفراحهم، وبسمة لآمالهم، وضحكة لضحكاتهم.. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين} 97 - 99 الحجر.

الاكتئاب هو انقباض يصيب الروح (يضيق صدرك) لماذا؟ لمجموعة أسباب متعددة منها (بما يقولون) كلام الناس، والأخذ والصد والرد، المكتئب مشغول بكلام الآخرين، هل سيباركون نجاحاته أم سيحسدونه؟ هل سيحزنون لحزنه أم سيشمتون به؟ ترى هل ستعجبهم ثيابه أم سيسخرون منها؟ شغله الشاغل (ما يقولون)!.

حسناً، ما العلاج؟ الحل هو نقل دفة الاهتمام من (العمودي) إلى (الأفقي)، ارتفع قليلاً عن طريق توجيه وجهك للذي فطر السماوات والأرض، من ناحية السماوات: (سبح بحمد ربك)، ومن ناحية الأرض (كن من الساجدين)، ثم إن أرضتك النتيجة التصالحية مع الوجود وموجد الوجود جل جلاله -وهذا أكيد- داوم على تناول العلاج، لتستمر مبتهجاً وسعيداً و( اعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، لا تغادر هذا المقام المفرح، حتى تنتقل كلك إلى دار الأفراح، بعد اليقين: الموت.

قل لي بماذا يضيق صدرك؟ أقل لك من أنت، ضاق صدر حبيبك عليه الصلاة والسلام بتكذيب الكذابين لنور الدعوة المبين، أنت بماذا يضيق صدرك؟ هل تندم لمغادرة الملاهي والمشاغل والصارفات عن المنجيات؟ هل تشعر بالاكتئاب لخسارتك وجبة طعام لجسمك؟ أم لخسارتك وجبة إشعاع لروحك؟ هل تندم على عدم تمكنك من زيارة الكعبة؟ أم تندم على أنك أجبرت على الاستيقاظ فجراً لأداء الصلاة؟

قل لي بماذا يتسع صدرك؟ أقل لك من أنت، كان حبيبك المصطفى عليه الصلاة والسلام، يفرح لفرح العامة، يفرح للمجموع، يفرح لتخليص البشرية من الأكدار، بإخراجهم من الظلمات إلى الأنوار، أنت بماذا يتسع صدرك؟ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه.

هل تفرح لفرح أخيك أم تحسده؟ هل يعنيك تقدم الأسرة البشرية أم الأمر عندك سواء؟ هل تفرح بعودة الشباب للكتاب، وعودة البنات للحجاب أم آخر همك؟

إن انتصارك للمظلومين هو تفريج لك أولاً ثم لهم، وسعيك لتنفيس كروب المكروبين هو انتشال لك من بئر الهم ثم لهم، وخلاصك الأبدي من داء الاكتئاب مرهون بتوجهك نحو تخليص الآخرين من المتاعب والغموم والحسرات..

مع أن فاقد الشيء لا يعطيه، إلا أنك إن قررت أن تكون منارة بشر للآخرين، فسيكون هذا القرار -حتى قبل أن تشرع بتنفيذه- بشارة خير عليك، جرّب فعلاً أن تكون مصدر سرور للناس، لكل الناس، شاركهم احتفالاتهم، بل اصنعها، اعبد الله جل جلاله معهم، بل ادعهم للعبادة، ضمد جراحاتهم، بل طببها بكلامك المعسول وبأفعالك المعسولة..

لا اكتئاب بعد اليوم، إن تقدمت نحو التدين، ولن أقول إن رجعت إلى التدين، لأن التدين هو أمام وليس وراء..

لا اكتئاب بعد اليوم إن عشت القرآن متفاعلاً مع قصصه، متقناً تجويده، حاضّاً على حفظه ودراسته والعمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه..

لا اكتئاب بعد اليوم إن تتبعت حبيبنا المتفائل دائماً صلى الله عليه وسلم، في كل أحواله وأقواله وأفعاله..

لا اكتئاب بعد اليوم إن توسلت وتسولت من الباسط جل جلاله أن يبسط لك نفسيتك من الانقباض إلى الانشراح..

إن نفساً أشرقت بصحيح الإيمان ستودع الاكتئاب إلى لا رجعة.

اضف تعليق