q

بعد الوهن وعدم الجزالة اللذين أصابا النصوص المكتوبة بالعربية في العقود الماضية واللذين دفعا بأغلب الكتَّاب ومنهم الدكتور العلَّامة مصطفى جواد بالترحُّم على بلغاء وكتّاب القرون المنصرمة ولغتهم العالية والسامية التي لا يرقى إليها الطير.. جاء دور المواقع والوكالات الالكترونية لتجهز بالكامل على العربية وبدمٍ بارد. والحقّ أقول لا أعلم ما هم فاعلون لو كانوا الآن بيننا: هل سيطلقون حملة لإنقاذ اللغة أم سينصبون سرادق العزاء ويكتفون بالبكاء؟!!

فاتِّساع المواقع والوكالات الالكترونية بشكل فاق التوقع في غضون فترة قليلة كنتيجة لتطور الإعلام الالكتروني والتقدم الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات، فتح الباب على مصراعيه للجميع ومن كلِّ الفئات العمرية للكتابة والنشر، سواء كانت منشوراتهم أخبارية أو تقريرية أو تحقيقية أو أدبية أو نصوصاً قد لا تصنف تحت باب واسم معين..

والأمر بحدّ ذاته جيد لفسح المجال للشباب وغيرهم للتعبير عن آرائهم وإطلاق العنان لأقلامهم، وتقديم أفكار ورؤى ربّما هي بذور لمشاريع كبيرة تحتاج إلى تطوير واهتمام، كما أنَّها سترفد المواقع والوكالات بدماءٍ وأفكار جديدة تفيض بالحماسة والنشاط والحيوية.

لكن الملاحظ على أغلب هذه المواقع والوكالات الالكترونية لاسيما غير التابعة لمؤسسة الحكومية بأنَّها تبث الغث والسمين وتنشر كلَّ ما يصل إليها غير مهتمة بالمرَّة بالشأن اللغوي!

على العكس تماماً من صحف أيَّام زمان، وبعض الصحف والمواقع الحكومية الرصينة التي تملك مصحّحاً أو قسماً للتصحيح؛ فلا يفوتها شاردة ولا واردة إلَّا خضع لرقابة رقيب وتصحيح دقيق..

ومن العلل والأمراض التي ضربت بقوَّة لغة القرآن الكريم عدم التفريق بين الهاء والتاء المربوطة وبين همزة الوصل أو القطع، وبين الهمزة المكسورة والمفتوحة وبين الياء التي تلحق بفعل الأمر للمؤنث والكسرة التي تلحق بغير الأمر للمخاطبة! ناهيك عن نشر نصوص تزخر بكلمات مثل: (انشاء الله) أو (لاكن) أو (بناءا) أو (نرجوا) أو (أحسنتي) أو (البصره) أو (إليكي)

ونشرها دون مراجعة وتدقيق وتصحيح وتنبيه للكاتب والإعلامي المبتديء يجعله يعتقد بكمال قلمه، ويشجعه على المضي قدماً في النشر غير آبه بالنصائح أو غير مبال بتطوير أدواته.. ولا عجب إذا وجدناه مزهواً بقلمه ظانّاً أنَّه أصبح لا يقاوم وبات سحر مداده يرعب الأصدقاء قبل الأعداء!

والويل كلّ الويل إذا أبديت النصح لأحدهم، فعليك أن تتحمل النار التي ستفتح عليك، وأقلّها: أنت حقود وحسود ومغرور، بل عليك أن لا تنسَ أنك لست سيبويه لتدس أنفك وتصحّح!

لذا أدعو مخلصة أصحاب الوكالات والمواقع الالكترونية بضرورة قراءة المواضيع المرسلة إليهم وتصحيحها أو الاستعانة بمن لديه خبرة في هذا المجال.. كما أدعو الإعلاميين والصحفيين بالتأني في الكتابة والاستماع للنصح، فأحد أدوات الكاتب والإعلامي اللغة العربية والتمكن منها، فلا تجعلوا من أنفسكم أضحوكة..

كما أوجّه صرختي لإنقاذ اللغة العربية لكلِّ متخصص ومهتم بهذا الشأن بالسعي الجاد لتطوير مهارات العاملين لديهم والأخذ بيدهم إلى بر أمان اللغة السليمة، وأخصّ بالذكر المؤسّسات الإعلامية باتّحاداتها ونقاباتها لاسيما الاتّحاد العربي للإعلام الالكتروني لتنظيم آلية النشر، والتوجيه باحترام لغة القرآن والاهتمام بها كجزء من المهنية والرصانة المطلوبة.

اضف تعليق