يتعين على القادة أن يفهموا بنحو كامل ديناميكيات فريقهم، وأن يكيفوا تعليمات العصف الذهني وفق ذلك للاستفادة إلى أقصى حدٍّ من بيئة المجموعة وسياقها. مثلاً إذا كان أعضاء الفريق متعاونين وداعمين بعضهم لبعض بوجه عام، من شأن تشجيع بعض النقد والمناقشة أن يساعد على إطلاق أفكار جديدة...

هل يساعد النقد على الإبداع في العصف الذهني أو يُعيقه؟ يعتمد الأمر على السياق.

يعرف أي شخص شارك في جلسة عصف ذهني Group brainstorming session القواعدَ الأساسية: التركيز على الكمية وليس الجودة. الانفتاح على أفكار غريبة بعيدة المنال. وفي المقام الأول من الأهمية عدم الانتقاد. 

وضع أليكس أوزبورن هذه المبادئ في أواخر أربعينات القرن العشرين، وهو شريك في وكالة الإعلان الرفيعة في مدينة نيويورك بي بي دي أو، والوالد الروحي غير الرسمي للعصف الذهني. كان أوزبورن يعتقد – وتدعمه عديد من الدراسات– أن على العصف الذهني، لكي يعزز الإبداع إلى الحد الأقصى، أن يكون حراً وغير مُصدر للأحكام. وقال إن ”الإبداع زهرة دقيقة إلى درجة أن الثناء يميل إلى جعلها تزهر في حين يقطعها التثبيط وهي برعم“.

بيد أن الأبحاث الأخيرة ألقت بظلال من الشك على قاعدة أوزبورن الخاصة بـ”عدم الانتقاد“. يُظهر عدد متزايد من الدراسات أن النقد قد يؤدي في واقع الأمر إلى زيادة الإبداع والخيال. وقد يؤدي إرغام المشاركين على تعليق الحكم على جودة الأفكار في أثناء العصف الذهني إلى خنق التفكير والتعبير الحر.

هل يساعد إذن النقدُ على الإبداع في العصف الذهني أو يعيقه؟ انخرطتُ أنا وزميلتاي تاتيانا لابوزوفا وأديتي ميهتا، في حل لهذه المناقشة. وتقترح أبحاثنا (Curhan, Labuzova, and Mehta, Organization Science, April 28, 2021) أن الإجابة تعتمد على سياق العصف الذهني– سواء كان تعاونياً أو تنافسياً.

تأثير النقد في العصف الذهني

أولاً، أجرينا تجربة ميدانية قيمنا فيها 100 جلسة عصف ذهني مع الأطراف المعنية في مشروع مثير للجدل لإعادة التطوير الحضري بالقرب من بوسطن. وخلال نصف الجلسات ثبَّط الميسرون النقد، وبالنسبة إلى النصف الآخر شجَّع الميسرون Facilitators المشاركين على نقد الأفكار في أثناء توليدها. ووجدنا أن تأثيرات كل نهج تتفاوت تفاوتاً كبيراً بحسب السياق.

من الممكن أن تزيد الانتقادات الإبداع في سياق تعاوني. في تجربتنا قيل لنصف مجموعات العصف الذهني إن كل الأفكار –بغض النظر عن الجدوى أو الجدارة– ستقدم إلى لجنة التخطيط. وأدت هذه التعليمات إلى إنشاء جو من التعاون، ووجدنا أن التعليمات التي تشجع الانتقاد داخل هذه المجموعات التعاونية لم تسفر عن مزيد من الأفكار فحسب، بل أيضاً عن أفكار أكثر إبداعاً. وعندما تتوافق أهداف أعضاء المجموعة، من المرجح أن تحفز الانتقاداتُ الإبداع.

في سياق تنافسي من الممكن أن يقلل النقد من الإبداع. طُلب إلى النصف الآخر من مجموعات العصف الذهني في دراستنا أن يختار أفضل فكرة لمجموعته لكي تعطَى أولوية على الأفكار الأخرى، مما أنشأ بيئة تنافسية. ووجدنا أن تشجيع الانتقادات في هذه المجموعات أسفر عن عدد أقل من الأفكار وأفكار أقل إبداعاً كما قيَّمها الحكام. ويشير هذا الاستنتاج إلى أن النقد يمكن أن يكون له بالفعل تأثير سلبي في الإبداع إذا كانت طبيعة المجموعة أو مهمتها تنافسية، ويرجع ذلك أساساً إلى أن النقد يمكن أن يفسَّر على أنه مدمر، ويمكن أن يؤدي إلى نزاع داخل المجموعة.

حتى مع الحفاظ على صياغة النقد يشكل السياقُ أهمية كبرى. في حين أولي قدر كبير من الاهتمام لعبارات النقد والملاحظات السلبية، وجدنا في دراسة متابعة أن السياق الذي يحدث فيه النقد، سواء كان تعاونياً أو تنافسياً، يتسم في الواقع بقدر كبير من التأثير. في هذه التجربة استخدمنا سيناريو تفاوض عمالي. كان المشاركون دوماً في دور عضو نقابي يتفاوض مع الإدارة، وكانت الانتقادات التي تلقاها نفسها دوماً: ”هذه الفكرة غير منطقية“. واخترنا تلك العبارة بالتحديد بسبب غموضها. وقد تظهر كعبارة بنّاءة، كما هي الحال في ”الرجاء الاستفاضة“. أو قد تبدو مؤلمة كما هي الحال في ”هذه فكرة غبية“.

تبين لنا أن البيئة أثرت في كيفية نظر المشاركين إلى النقد المصوغ على نحو مماثل. عندما جاء الانتقاد من ”عضو نقابي“ زميل– سياق تعاوني– فُسر بنحو بناء وأدى إلى قدر أعظم من الإبداع. وعلى النقيض من ذلك، عندما جاء الانتقاد من ”الإدارة“– السياق التنافسي– فُسِّر الانتقاد نفسه باعتباره مدمراً، وأسفر عن قدر أقل من الإبداع.

تحديد سياق الإبداع

يتعين على القادة أن يفهموا بنحو كامل ديناميكيات فريقهم، وأن يكيفوا تعليمات العصف الذهني وفق ذلك للاستفادة إلى أقصى حدٍّ من بيئة المجموعة وسياقها. مثلاً إذا كان أعضاء الفريق متعاونين وداعمين بعضهم لبعض بوجه عام، من شأن تشجيع بعض النقد والمناقشة أن يساعد على إطلاق أفكار جديدة. لكن إذا كان أعضاء الفريق يميلون إلى التنافس فيما بينهم، فقد يؤدي تشجيع الانتقاد والمناقشة إلى نتائج عكسية. قد يضطلع أعضاء الفريق بتحرير ما يقولونه لتجنب التعرض للانتقاد من قبل زملائهم– ما يؤدي إلى تقويض العملية الإبداعية للمجموعة.

لا شك في أنه لا طريقة واحدة تناسب الجميع وفضلى لإجراء العصف الذهني. فكثير من الأمور يعتمد على السياق المؤسسي وطبيعة مهمة العصف الذهني. وفي بعض السيناريوهات قد يكون من الأفضل للمديرين تعيين فريق واحد لتوليد الأفكار بحرية (مع تشجيع النقد)، وفريق آخر لمراجعة تلك الأفكار واختيار أفضل الأفكار. ومع ذلك تشير الاستنتاجات التي توصلنا إليها مجتمعةً إلى أن السياق الأمثل للإبداع في العصف الذهني هو السياق التعاوني الذي يحدث فيه الانتقاد، لكن الانتقاد يفسَّر بنحوٍ بنَّاء من قِبل الأطراف التي تدرك أنها تعمل من أجل تحقيق الهدف نفسه.

يتعين على المديرين أن يأخذوا في اعتبارهم أن أوزبورن لم يكن سوى نصف مُحق في التأثير الذي قد يخلفه الانتقاد في العصف الذهني. في سياقات معينة قد تؤدي الانتقادات إلى ذبول “الزهرة الرقيقة” التي هي الإبداع. لكن في سياقات أخرى، يمكن أن تساعد على زرع بذور أفكار جديدة.

* بقلم: جاريد آر. كورهان، أستاذ كرسي غوردون كوفمان وأستاذ مشارك لدراسات المؤسسات لدى مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

** المصدر: مجلة إم آي تي سلون بالعربية

https://www.mitsloanar.com/

اضف تعليق