ينعكس ضعف المنظمات المدنية على المجتمع كله، ويبان بصورة واضحة في الأداء الحكومي المؤسساتي، وعلى مستوى الأفراد لا يبالي الشخص بالقانون ولا بالقيم التي تديم الروابط الاجتماعية وتقويها، فتسود النزعة التفضيلية الأنانية عند الأفراد، ونصبح أمام مجتمع أناني متصارع بسبب قلة وعيه وثقافته...
يشير مصطلح المجتمع المدني إلى كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني لتقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. ففي إطار هذا النشاط الأخير مثلا، يجوز أن يجتمع مواطنون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر المعلومات حول السياسات، أو ممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها (معاقبة صانعي السياسات أو مكافأتهم).
يضم المجتمع المدني مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية، والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية.
ويشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى جمعيات يُنشئها أشخاص، وتعمل لنصرة قضية مشتركة. وهي تشمل المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري.
الميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني كافة، على شدة تنوعها، فهي تتمثل باستقلالها عن الحكومة والقطاع الخاص، أقلها من حيث المبدأ. ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لهذه المنظمات بأن تعمل على الأرض وتضطلع بدور هام في أي نظام ديمقراطي، وتكون مؤثرة.
أما الثقافة فهي بمثابة سلوك اجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية. وتعدّ الثقافة مفهومًا مركزيًا في الأنثروبولوجيا، يشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلّم الاجتماعي لبعض جوانب السلوك الإنساني كالعادات والتقاليد ونمط الحياة، والممارسات الاجتماعية.
ارتقاء الثقافة ارتقاء للمجتمع
الثقافة هنا تأخذ مكانتها ودورها من حجم أهميتها بالنسبة للمجتمع، فهناك نص يقول، كلما ارتقت ثقافة مجتمع ارتقى في التفكير والسلوك، وهذا يعني أن حياة الفرد والمجتمع تتوقف على طبيعة ودرجة ثقافته، هذا هو التأثير الحاسم لثقافة المجتمع في تطويره وتشذيبه، أو حدوث العكس.
متى ينحدر المجتمع في التفكير والسلوك؟، يحدث هذا عندما تنحدر ثقافته، وإذا سألنا لماذا تنحدر المجتمعات غير المثقفة أو ضعيفة الثقافة إلى الدرك الأسفل، فإن الجواب الحاسم هو ضعف الثقافة أو غيابها بشكل تام وخضوع الجماعة أو المجتمع إلى فوضى التشرذم والحياة العشوائية.
هنا يبرز دور المنظمات المدنية الذي يتلخص بالحرص على تطوير المجتمع، من خلال القيام بنشاطات وإجراءات وخطط عديدة ومتباينة الأهداف، وهذا يعني أن تثقيف الفرد والمجتمع يدخل في صُلب العمل المدني، بسبب تأثير الثقافة على الإنسان ونقله (فكريا وعمليا)، من حالة السبات والخمول أو الترهّل والتيه، إلى حالة من النشاط الفكري العملي المنتِج.
الدور التثقيفي لمنظمات المجتمع المدني لا يتناقض مع دورها الرقابي، بل يتّسق مع أهدافها التطويرية للتجمعات البشرية، فإذا تنصلت هذه المنظمات أو أهملت دورها التثقيفي، فكأنها أهملت دورها الرقابي أيضا، لأن الرقابة في مجتمع لا يتمتع بثقافة متينة لا تجدي نفعا، ولا يمكن قطف ثمارها دون الوعي.
الصحيح هو أن يكون هناك تزامن بين التثقيف والرقابة، أو التوعية ورصد المخالفات الحكومية، وتنصّل مؤسسات الدولة من مسؤولياتها، التلكّؤ المدني في تثقيف المجتمع يصنع الكثير من المشاكل، ويكون سببا في تعريض حياة المجتمع إلى نواقص عديدة، وتسمح للحكومة والجهات الرسمية بسلب حقوق الناس.
الحكومات دون رقابة مدنية منتظمة وفعالة وقوية، لا تنصاع للعمل الحكومي المقنن، ولا تبذل الجهد التخطيطي المطلوب، فيحدث الخلل في الأداء الحكومي، وتضعف المؤسسات، وتضيع الحدود بين الواجبات والحقوق، هنا يتحتم على المنظمات المدنية للنهوض بدورها التثقيفي.
خطوات للنهوض بدور المنظمات المدنية
ماذا ينتج في حالة حدوث العكس أي إذا تنصلت تلك المنظمات عن دورها؟
ينعكس ضعف المنظمات المدنية على المجتمع كله، ويبان بصورة واضحة في الأداء الحكومي المؤسساتي، وعلى مستوى الأفراد لا يبالي الشخص بالقانون ولا بالقيم التي تديم الروابط الاجتماعية وتقويها، فتسود النزعة التفضيلية الأنانية عند الأفراد، ونصبح أمام مجتمع أناني متصارع بسبب قلة وعيه وثقافته.
طبيعة المنظمات المدنية في العراق تسمح بالقول أنها ضعيفة، وبعض المتابعين يصفها بالوهمية، أو الشكلية، أو من مكملات النظام الديمقراطي في الشكل بعيدا عن التطبيق الحقيقي لدورها، وإذا صحت هذه التوصيفات، فما هو المطلوب، وكيف نرتقي بهذه المنظمات كي يرتقي عملها وأنشطتها؟
- أن لا تقع هذه المنظمات تحت سيطرة الأحزاب ومصالحها.
- أن يقودها أشخاص مشهود لهم بالمعرفة والتخصص والنزاهة والحرص.
- أن لا يكون الهدف الربحي المادي هاجس قادة أو إدارة هذه المنظمات.
- أن تضع المنظمة الخطط والبرامج العملية، وآليات تطبيقها، وكيفية تنفيذها بما يحقق النتائج المرجوة.
- أن يفهم أعضاؤها لاسيما المسؤول عن إدارتها، أهمية دور المنظمات المدنية الرقابية والتطويرية.
- إذا كان دورها تثقيفيا، فيجب أن ترتقي بهذا الدور وتنظر إليه على أنه حاجة حقيقية للفرد والمجتمع.
- أن يؤمن قادة وأعضاء المنظمات المدنية، بأن دورها التثقيفي لا يقل أهمية عن الرقابي.
- أن يسعى قادة ومدراء المنظمات إلى إدامة استقلالية المنظمات عن الجهات الرسمية (حكومية أو حزبية)، لأن استقلال المنظمة شرط لنجاحها.
- وأخيرا يجب أن تبتعد المنظمة المدنية عن الأداء الشكلي )إسقاط الفرض، وأن يثبت أعضاؤها أنها منظمة فعلية وليست (انتهازية ربحية).
الخلاصة نحن كعراقيين حديثي عهد بمعرفة المنظمات المدنية والتعامل معها، ولكن يجب أن نفهم أن دورها التثقيفي يشكل حجر الزاوية في تنمية النظام الديمقراطي، وإدامة خلوّه من الهفوات (الحقوقية) الحادة التي يمكن أن تطيح به، في حال فقد المجتمع ثقته بدور منظمات المجتمع المدني، لذلك يبقى الدور التثقيفي للمنظمة المدنية أساس نشاطها، ولا يتناقض مع دورها الرقابي الأول.
اضف تعليق