يا أخي اختصر قدر ما تستطيع في كتاباتك، فمقالاتك طويلة، ويتعذر علينا اكمالها حتى النهاية، ومع ان موضوعاتها واقعية وتشغل اهتمامات الرأي العام، لكن قراء اليوم يكتفون بأول ثلاثة أسطر ويهملون ما تبقى، مهما كان اسلوبك مشوقا ولغتك جذابة...
يا أخي اختصر قدر ما تستطيع في كتاباتك، فمقالاتك طويلة، ويتعذر علينا اكمالها حتى النهاية، ومع ان موضوعاتها واقعية وتشغل اهتمامات الرأي العام، لكن قراء اليوم يكتفون بأول ثلاثة أسطر ويهملون ما تبقى، مهما كان اسلوبك مشوقا ولغتك جذابة، هذا فحوى ما قاله صديقي الاستاذ الدكتور عامر فاضل المتخصص بعلم الكيمياء.
ما قاله صديقي ليس جديدا، بل من الظواهر اللافتة والمشّخصة بدقة حتى بتنا نسمع دائما: أن شباب اليوم لا يقرأ، لكن أحدهم خالف الجميع ونظر للموضوع من زاوية أخرى بقوله: ان الشباب يقرأون وعلى مدار الساعة، ألا تراهم مبحرين طوال ليلهم ونهارهم في المواقع الالكترونية، قراءة بوستات ومشاهدة فديوهات، بمعنى ان فعل القراءة والمشاهدة متواصل، لكن السؤال ماذا يشاهدون ويقرأون؟
طبعا لا يختلف اثنان على ان جيل اليوم غير جيل الأمس من حيث الاهتمامات والذائقة، وان مصادر المعلومات والقنوات الثقافية المتاحة لهم تعددت وتنوعت في فضاء اعلامي مفتوح، صار الحصول فيه على المعرفة فوريا ودون عوائق على عكس ما كان عليه الحال لدى جيل الأمس، وهذا يفترض أن تكون ثقافة اليوم أكثر عمقا وشمولا من ثقافة الأمس، لكن ما نراه شيوع ثقافة سطحية مرعبة، لا ندري أين ستفضي بنا؟
ان أكثر استخدامات شبابنا للمواقع الالكترونية يأتي بدافع التسلية والترفيه، لذا نجدهم يتهربون من المضامين الثقافية الجادة نحو المضامين الخفيفة والمسلية، ونسبة الذين يشذون عن هذه القاعدة ضئيلة جدا، وحضراتكم تعرفون ان مضامين الترفيه أصبحت متاحة بالمطلق عبر المواقع الالكترونية، ومع ذلك يتحتم علينا أن نسأل: لماذا يتقدم دافع التسلية والترفيه على الدوافع الثقافية والمعرفية في استخدام المواقع الالكترونية، وكذلك التعرض لمختلف وسائل الاعلام الأخرى؟، وقد يكون الجواب: ان هذا الدافع لم يُشبع واقعيا بسبب افتقاد حياتنا لما يوفر الراحة ويبدد الملل ويشيع البهجة ويحقق المتعة، لذلك يلجأ الناس الى اشباعه افتراضيا.
نشرت قبل أيام بوستا من تسع كلمات على صفحتي في الفيسبوك، فحصد من التعليقات ضعف ما حصدته مقالاتي المنشورة في الجريدة، وتتضاعف التعليقات عندما أنشر مقطعا فيديويا او صورة فوتوغرافية لفعالية قمت بها، ويعني ذلك عزوف غالبية المستخدمين عن قراءة النصوص الطويلة وان كانت مهمة، وهذا أمر طبيعي، ذلك ان الانسان بطبعه لا يميل الى النصوص والمضامين التي تتطلب منه جهدا ذهنيا، بخاصة عندما يكون تعرضه لما ينشر بلا أهداف محددة، ولذلك يكتفي بالعبارات والمقاطع الفيديوية القصيرة.
ان الاستخدامات العشوائية وغير المجدية لمختلف الوسائل الاعلامية تُبرز أهمية دعواتنا السابقة الى استحداث منهج التربية الاعلامية، وتطبيقه في مختلف المراحل الدراسية، لكي نعلم التلاميذ والطلبة كيفية التعامل مع وسائل الاعلام بجديدها وقديمها، وحثهم على التعرض للمضامين النافعة واهمال غير المفيد وغير الأخلاقي الذي يحط من قيمة الانسان.
ان اغراءات المواقع الالكترونية واتاحتها حرية الهروب من المضامين المتعبة ذهنيا للجمهور، ووسائل اعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة سائبة ويهيمن فيها الخاص على الرسمي، والكل يعمل على هواه كما في بلادنا، يجعل التعويل على الاعلام للقيام بأدوار تنموية أمرا متعذرا، وبهذا ليس أمامنا سوى المدرسة، ولكن ألا ترون معي ان الأدوار التثقيفية والتربوية لها قد تراجعت لحساب الدور التعليمي المتعلق بالمناهج الدراسية ؟، ولا أظنكم بحاجة الى دليل، فالواقع أمامكم خير شاهد وبرهان، من شيوع الروح العدوانية بين الناس الى تراجع الذوق العام، ويحضرني هنا ما سمعته من المعلم المتظاهر الذي أضحكني، بل قل أبكاني وهو يتحدث لفضائية الشرقية، منتقدا تعامل الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين بقوله: ان (المثل) يقول: قم للمعلم وفه التبجيلا..، يا استاذي الفاضل هذا بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي وليس مثلا، هذه ثقافة الذي كاد أن يكون رسولا، ولا يجوز التعميم، وأترك الحكم لكم.
اضف تعليق