نحن اليوم، نعيش هذا الواقع المزيف من قبل صانعي الصورة ومن وراءهم من الماسونية العالمية، التي باتت تزيّف الواقع للمخاطبين، وتجعلهم يعيشون في عالمٍ بأبعاد مرسومةٍ مسبقاً تسهل قَودَ القطيع نحو الاتجاهات التي ترتأيها المراكز الماسونية الغربية...

بادئ الامر، كما ترون، العنوان مستقىً من القرآن الكريم ــ الآية 29 من سورة غافر  قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ .

 كنا قد تحدثنا بالامس القريب عن (فنانيس الأم بي سي) في مقالنا الفائت ((هل سرقت منا (فنانيس الـ أم بي سي ) شهر رمضان بالفعل؟!! ))،  وكيف ان (مجموعة قنوات الام بي سي) تمكنت من فرض اجنداتها التعريفية على الشهر الفضيل، وكيف افلحت في استبدال الرموز التأريخية المعهودة كالهلال، وصور ورسوم صفحات القرآن الكريم، والمسبحة، وسواها من الدلالات البصرية الاخرى للمعطيات الروحانية لشهر رمضان الفضيل، إستبدلتها بتمثُّلَاتِهَا الغرافيكية البصرية (الفنانيس).

 وقد أبدينا بوضوحٍ تامٍ حجمَ التأثير على ملايين المتلقين في ارجاء العالم الإسلامي، حتى تمكنت تلك المجموعة من القنوات الفضائية من إحداث الاستجابة المطلوبة لها لدى المخاطبين طيلة اكثر من عقدٍ من السنين، وذلك عبر استمالتهم بواسطة تلك المؤثرات البصرية الغرافيكية (الانيميشنية ــ إذا جاز التعبيرــ)، حتى باتت مُتَقَبَّلةً مطلوبةً بشوقٍ خلال المواسم الرمضانية.

ولا غرو أنّ مُنَظِّري الام بي سي ــ المُندَكّين في المسار الماسوني ــ استطاعوا بما لديهم من (سحرٍ) بصريٍ ان يَسلَخُوا من ادمغة القوم الجَنبَةَ الروحيةَ لشهر رمضان، حتى غدى لا فضيلَ ولا مباركَ ، بل غدى في كل عام، شهراً (أم بي سي)ــــــاً بإمتياز.

ولعلنا سنحاول جُهدَاً من التفكيك في هذه العُجالة لبعضٍ من اشكال (الإلقاء والتلقين في اللاواعي) او ما يسمى بـ(الاقناع البصري) الذي تستخدمه وتتخذُهُ (مجموعة قنوات الأم بي سي) كإستراتيجيةٍ في (إستمالة القطيع)، وبالتالي إحداث التأثير المطلوب فيهم مرحلياً ، وصولاً لقَودِهِم بنهاية المطاف لِتَقَــبُّــلِ ما لم يكن يتقبلونه في الماضي، وان تَطَلَّبَ ذلكَ الامرُ ردحاً طويلاً من الزمن، بل ربما استغرق الامرُ زمنَ جيلٍ كاملٍ، كما رأينا في موضوعة (الفنانيس) التي تم تخليقها بداية عام 2015 فنجحت استراتيجيتهم نجاحاً منقطع النظير.

  وعلى ما يبدو فإنَّ التأثيرَ البصري وجهودَ التلقين في اللاوعي قد أحدَثَتْ التأثيرَ المطلوب لدى المُتلَقّين، فباتوا مذعنين منصاعين، فما رأينا القومَ إلاَّ وأصنامُ (الفنانيس) تقبعُ في زواياهم الرمضانية بالمنازل مُجَسَّدَةً بثلاثةِ ابعادٍ ، بهيئةِ مجسماتٍ وتماثيلَ وأصنامَ ماثلةً للعيان، فإذا هي تُباعُ وتشترى في معظم المتاجر وبأثمانٍ ليست بالزهيدة في أحيان، فضلاً عن أنَّهُ يُنظَرُ إليها بتحببٍ وشغفٍ وهي جامدة بأركان المنازل تارةً، وبلهفةٍ وشوقٍ تارةً أخرى وهي متحركةٌ نشطةٌ دؤوبةٌ في شاشات الهواتف الذكية والتلفاز والأجهزة اللوحية. 

 لنعد لموضوعة (تفكيك المرأى البصري لبعض طروحات الفنانيس)، ففي احد الفواصل المقدمة لهذه الفنانيس (وهذا رابطه على اليوتيوب):

 https://www.youtube.com/watch?v=j2mk5kEG0S4

 يجتاز (الرجل البدين) حديقةً غناءَ على ميسرتها وميمنتها بركتي ماءٍ يتوسطُ في اليسرى منها (تمثالُ حوتٍ) ربما في إشارةٍ لإجتياز الرجل لمضيقٍ بين محيط وبحر (سندرك ماهيته لاحقاً)، ليدخلَ قصراً فخماً يوحي شكلُهُ الخارجي بأشكال الجوامع او المساجد، لما له من صفاتها كالمنائر المرافقة لقباب المساجد، ولكنَّ الشكلَ العام للقصر من الخارج يَشي بأنَّه كان قلعةً في السابق، ثم إستُكملَ البناءُ عليها لاحقاً لإنشاء ما يُشبه المنائر، وعلى ما يبدو يستبطن الامر إيحاءاً بـــ (غزو المسلمين للأندلس وفتحها) والذين حولوا بالفعل بعض الكنائس والقلاع الاسبانية والأوروبية الى مساجد خلال العصر الاندلسي، ولعل في ذلك اشارةً ممن هم وراء (الأم بي سي) الى عدم نسيان الثأر التأريخي من المسلمين (واحتلالهم لاجزاء من أوروبا في القرون الماضية).

 على اية حال، يدخل الرجل البدين هذا القصر الفخم الشبيه بالمسجد، وهو من الداخل يُظهرُ طرازاً شبيهاً بطراز الكاتدرائيات المسيحية (في تأكيدٍ بأنَّ هذا المبنى كان كنيسةً او كاتدرائيةً في الماضي)، وهو موشىً بالستائر الجميلة، وباحته خالية تماماً إلا من عددٍ كبيرٍ من (مرايا المرح) وهي مرايا مُمَوِّهة تغيرُ الصورةَ المنعكسة للشخص، كالتي نراها عادةً في مدن الألعاب والملاهي، ربما في اشارة الى نجاح الغرب في صناعة (إسلامٍ بصفاتٍ غربية، ومفصل وفقاً للمقاسات الغربية ومفرغاً من محتواه الحقيقي).

 المهم، يلتفت (الرجل البدين) ناظراً صورته المنعكسة في إحدى المرايا لتظهر له شكله الحقيقي البدين، ثم يلتفت الى مرآةٍ أخرى فتشوّهُ له وجهه فيستغرب ذلك، ثم يلتفت لأخرى تظهر له حجمَ بطنهِ العظيمة، فيطرق الرجل البدين بإحباطٍ ويأسٍ شديدين من مظهره البدين غير المرغوب.

ثم يلتفت الرجل الى يساره، ليجدَ إحدى المرايا تخفي له سمنته وبدانته المفرطة، وتُظهرُ له صورة جسمِه بهيئةٍ رشيقةٍ ومتناسقةٍ، فينتابه الفرح والسرور الكبيرين لهذا المرآى (المزيف طبعا) والمجانب للحقيقة والواقع، إذْ أنَّ تلك المرآة أخفت عيوبه الظاهرية المتمثلة بالبدانة المفرطة وعظم بطنه. حينها يقرر الرجل البدين ان يأخذ هذه المرآة الخادعة الى منزله إستحباباً للمرآى الزائف لشكله الذي تظهره له، فينطلق بها مسروراً صوب منزله.

 يصل الرجل الى غابة يتوسطُها منزلُه، والملفت أنَّ منزلَ الرجل البدين يتكون من جزءٍ كرويٍ يخفي على ميمنته جُزءاً كروياً آخر مشابهاً له، وهو ملتصقٌ بالاول، فيما تنتصب المدخنة بشكلٍ مائلٍ في مؤخرة الجزئين الكرويين من المنزل وبشكلٍ لا يفترق أبداً عن شكلِ (الأعضاء التناسلية الذكرية) والقضيبُ في حالة الانتصاب، في إيحاءٍ واضحٍ جداً بأن الرجل البدين – المفترض أنَّه يمثلُ رجال المجتمع الاسلامي - هو حبيسٌ في إطار (الشبق والجنس والشهوة)، وأنْ لا هَم له سواها، حتى غدت الشهوة والجنس هما بيته الذهني والواقعي معاً.

 وبالطبع، هذا هو التصور النمطي الذي يزرعهُ الغرب (الماسوني) للشخصية المسلمة، وللرجل المسلم او العربي في إذهان الغربيين، إذ انهم يظهروه على الدوام - سواءٌ في السينما او في رسوم الكاريكاتور او في الاعلام وغيره- على أنَّهُ شخصٌ شبقٌ وجنسيٌ لا هَمَّ له في الحياة سوى ممارسة الجنس بإفراط ونيل اللذة والشهوة لا غير.

 والملفت ايضاً، أنَّ نافذة منزل الرجل البدين (الشبيه بالأعضاء التناسلية الذكورية) رسمت بصورة ثمرة يقطين محفورة، يتوسطها صليب، في اشارة واضحة الى الرمزية الغربية للخصب والتكاثر، فضلاً عن الايحاء بانَّ الرجل البدين هو رجلٌ خرافيٌ وأرواحيّ يستخدم، ففي الثقافة الغربية القديمة تستخدم (ثمرة اليقطين المحفورة والمضاءة بنار الفحم) كتعويذة لطرد الارواح الشريرة، فضلاً عن أن اليقطين المحفور والمضاء يستخدم في الثقافة الاميركية بمعنى الترحيب بالأطفال الذين يرتدون اغطية رأسٍ او اقنعةٍ سخيفةٍ ومفضوحة. 

 وفوق هذا وذاك يبدو منزل الرجل البدين بشكله الكلي وكأنه يرتدي قلنسوة كبيرة تغطيه شبيهة بقلنسوة المتصوفين، في إشارة واضحة الى الفهم الغربي في العصور القديمة لـ(قلنسوة الصوفيين) بأنها (القبعة الطويلة المصنوعة بشكل يشبه العضو التناسلي الذكري، وباعتباره عضواً مقدساً وفق الفهم الغربي القديم، إذْ أنَّهُ شعارٌ للفحولة لكونه كان يغطي رؤوس الآلهة الذكور)، ناهيك عن إرتباط قبعة التصوف وفق بعض المفاهيم الغربية الاخرى بالخرافة والشعوذة. 

ومن مجمل هذه الدلالات الموضوعة، يتقصّد، ويتعمّد، صانعو هذا الفاصل الغرافيكي عبر إيحاءاتهم للقول: بـأن الرجل المسلم او الرجل العربي او الشرقي، هو رجل لا هم له سوى الجنس ونيل الشهوة، وانه لا عقل له ولا حكمة يتمتع بها، لكونه مازال حبيسَ هذا الشعور البوهيمي الحيواني المتسافل.

 على اية حال، نكمل الفاصل الغرافيكي، يدخل الرجل منزله، ليضع بسرورٍ بالغٍ (المرآة المحتالة المُمَوِّهَة) في أحد أركان منزله، لينطلق مستعرضاً صورته المزيفة وعضلاته الخيالية التي تعكسها هذه المرآة، والتي تظهر له صورةً خياليةً غيرَ واقعيةٍ، وترسم له عضلاتٍ قويةً، خافيةً بدانةَ الرجل المفرطة، وبطنه العظيمة، حتى غدى شخصاً ذو رشاقةٍ وقوةٍ داخل الصورة المزيفة المنعكسة عن المرآة .

وبذا، فدور المرآة المحتالة في المشهد يمثل (الإعلام هنا)، وطبيعة دوره في تغيير الوقائع، وتزييفها، وبالتالي إراءة الصورة والمفهوم الذي يريد صانعو الاعلام ان يظهروه للآخر لزرع القناعات لديهم، وان تَطَلَّبَ الامرُ إعتماد التزييف والتحريف، وبالتالي ادخال القناعات لدى المتلقين والمخاطبين، وان كانت تخالف تلك القناعات متبنياتهم وثوابتهم ومعتقداتهم الاصلية، كما رأينا في حالة الرجل البدين المتخذ كرمزية (للرجل المسلم والشرقي، او المجتمع الاسلامي برمته).

وها نحن اليوم، نعيش هذا الواقع المزيف من قبل صانعي الصورة ومن وراءهم من الماسونية العالمية، التي باتت تزيّف الواقع للمخاطبين، وتجعلهم يعيشون في عالمٍ بأبعاد مرسومةٍ مسبقاً تسهل قَودَ القطيع نحو الاتجاهات التي ترتأيها المراكز الماسونية الغربية.

من هنا، فواقع حال المسلمين اليوم هو عرضة لحجم هائل من اسقاطات الماسونية الغربية عبر شتى وسائل الحرب الناعمة، وفي مقدمتها الاعلام، وذلك لبث العجز لدى الجيل المسلم، وتخديرهم واشغالهم بالتوافه وابعادهم عن الحكمة والجد، وإلهائهم بعمليات التجميل الجراحية والترويج لها تارةً، وإشغالهم ببرامج وتطبيقات (السناب شات) والعشرات من مثيلاتها تارةً أخرى، والتي تظهر لهذا الجيل انعكاسات صورهم في الهواتف باشكالٍ مزيفة منمقة محسنة تخفي عيوبهم الظاهرية، وتجمل وجوههم وتحسن مظهرهم كوسيلة اقناع مؤقت، وتخدير متواصل لأشغال القوم عن عظائم الامور، وابعادهم عن سبل الرشاد وتغييباً للحكمة، وتجهيلاً للعقل،

وتسطيحاً للأفكار، وإلزاماً لتقبلِ وعي (الريلز) ذو المتعة اللحظية، والذي هو (الأفيون التكنولوجي) الراهن للعقول، وتغييباً قسرياً لوعي الشعوب والمجتمع الاسلامي بالخصوص. 

وفي الختام، قنوات الأم بي سي عصا الماسونية لسحر أعين الناس، فهي ما تُريكم إلاّ ما ترى الماسونية ؛ فهل تَهدِيَكُمْ الى سبلِ الرشاد؟؟ تساؤل عريض نضعه امام ارباب الاسر، قبل اولو الحل والعقد في مجتمعاتنا. فهل من مُدَّكِر.

اضف تعليق