مع الإقرار بوجود بعض التجارب الجيدة هنا وهناك لكن المنتج الرديء هو السائد للأسف الشديد، فقد سمعت شخصيا من بعض وجوه النخبة العربية أنّ هذا العام مثلا شهد انتاج وتوزيع عدد من المسلسلات المصرية يتناول بعضها مواضيع لا تليق بحرمة الشهر الفضيل كالشذوذ الجنسي وزنا المحارم...
ليس من شك (على الإطلاق) في مقولة أنّ الفنّ هو العنصر الأساسي في تشكيل الوعي الإنساني العام على طول الجغرافية البشرية. الفن والأدب يسيران في مضمار واحد تقريبًا، ويتحدان أحيانًا، ويعكسان "إجمالًا" صورة واضحة للفكر الإنساني.
الفن على وجه الخصوص هو تعبير إبداعي عن الفكرة والشعور باستعمال أدوات متنوعة كالصوت، والألوان والحركة، وغايته الرئيسية إيصال رسائله بعروض جمالية سواء أكان لإحراز محض التسلية أم التأمل أو التواصل الثقافي أو النقد بأنواعه.
والفنون الغنسانية بوجه عام يمكن أن تتبدّى بمظاهر مختلفة، ومن ثم فهي تنقسم إلى فنون بصرية، كالرسم، والنحت، والتصوير، والعمارة، وفنون أدائية، كالتمثيل وفنون أدبية، كالشعر، والقصة، والرواية، والنقد الأدبي، وفنون تطبيقية، كالتصميم، والأزياء، والأفلام المتحركة، وألعاب (الفيديو) ومعظم الفنون الحرفية...
والدراما التلفزيونية تقع ضمن خريطة الفنون الأدائية (السمعية البصرية)، إذ تجمع بين أداء الممثلين، وكتابة السيناريو والحوار، واختيار الموسيقى التصويرية إلى سائر مستلزمات الإخراج الاخرى، وهي بهذه الصيغة تمثّل امتدادًا لفني السينما والمسرح لكنّها تتميز عنهما بأنها الأكثر انتشارًا نظرًا لمخاطبتها جمهورًا واسعًا سواء عن طريق الشاشة التقليدية أم المنصّة الرقمية في عصرنا الحاضر هذا.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالمشاهد العربي فقد أسهمت الدراما العربية تاريخيا لاسيما المصرية منها برسم قسط وافر من معالم الوعي العام لديه، ومن الجدير بالذكر هنا الاستشهاد بالمسلسلات ذات الطابع الإنساني (الأخلاقي) التي أثّرت في وجدان المشاهد العربي تأثيرا بالغا، ولعب فيها دور البطولة فنانون مصريون غالبا، ومن أبرزهم محمود مرسي في أدوار (أبو العلا البشري، وبين القصرين، وزينب والعرش، مثلا)، ونور الشريف في أدوار (لن أعيش في جلباب أبي، والحاج متولي، والعطار والسبع بنات، مثلا)!
أما الدراما السورية فقد دخلت على خط (التواجد) في (السوق العربي) منذ سبعينيات القرن الماضي مع إنتاج مسلسلات (غوار الطوشة، أو الطوشي) التي أدّى دور البطولة فيها الفنان الكبير (دريد لحام)، لكنها أي الدراما السورية أصبحت منافسًا قويًا للدراما المصرية في فترة لاحقة من هذا التاريخ لتصبح جزءا مهما من الهوية التلفزيونية العربية منذ عام 2006 بمسلسل باب الحارة...
وعدا الدراما السورية فقد زاحمت الدراما المكسيكية الدراما المصرية أواسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أما الدراما التركية والإيرانية فقد ولجتا إلى العالم العربي (بشكل) واسع في مطلع الألفية الثالثة، وبالتزامن مع هذه الحقبة انتشرت إلى حد ما الدراما الخليجية أيضا في أرجاء واسعة من الوطن العربي بعد أن كانت هذه الدراما الفتية ذات تأثير محلي صرف، لاسيما في شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي أصبح ومنذ أمدّ بعيد موسما للتباري الدرامي العربي حتى ليمكن تسميته بسوق عكاظ الفن السمع بصري، كما يمكن تسمية الدراما الرمضانية بـ (إكسبو) معارض العرب، ولمن لم يسمع بكلمة (إكسبو) سابقا فإنها وباختصار مكثّف منصة عالمية لعرض أحدث الابتكارات والتقنيات التي تؤثر على مستقبل العالم عموما، ولكل موسم (إكسبو) موضوع رئيسي معين، و(إكسبو) بهذا المعنى يمثّل حدثا عالميا دوريا تستضيفه دولة مختلفة في كلّ مرة، وتُختار الدولة المضيفة عادة قبل سنوات من تنظيم هذا الحدث المهم!
وما دمنا في سياق الحديث عن الدراما الرمضانية العربية فقد شهدت هذه الدراما على وجه التحديد ارتفاعات وانخفاضات من حيث جودتها العامة على مدى السنوات القريبة الماضية، ومع الإقرار بوجود بعض التجارب الجيدة هنا وهناك لكن المنتج الرديء هو السائد للأسف الشديد، فقد سمعت شخصيا من بعض وجوه النخبة العربية أنّ هذا العام مثلا شهد انتاج وتوزيع عدد من المسلسلات المصرية يتناول بعضها مواضيع لا تليق بحرمة الشهر الفضيل كالشذوذ الجنسي وزنا المحارم!
وبحسب اطلاعي المحدود على الإنتاج العراقي في هذا المجال، فليست التجربة العراقية مدعاة للاعتزاز هي الأخرى فضلا عن الرضا، ولكن من الإنصاف أن يقال هنا: إن هذا الموسم تحديدا شهد مسلسلا عراقيا يمكن وصفه بالجيد بل فائق الجودة هو مسلسل (العشرين) الذي تفرّد بتحقيق أعلى مناسيب الرضا والقبول الجماهيري، ولم يكن نجاحه المدهش حكرا على مستوى القصة الإنسانية الفذة بما تتضمنه من سيناريو وحوار فحسب ولكن على مستوى أداء شخصية ( البطل) التي جسدتها بنجاح مبهر الفنانة العراقية القديرة (آلاء حسين)، فقد تقمصّت هذه الممثلة الموهوبة الدور المناط بها إلى الحدّ الذي تماهى فيه التمثيل بالحقيقة، أو تماهت الحقيقة فيه بالتمثيل!
اضف تعليق