انتهينا من الحرب، او هكذا نعتقد، وانتهى الدوران الطويل في ميادينها، بالنسبة للفنان والاديب، حيث توقفت الكثير من النصوص التي استحضرت اوجاعها ومآسيها، وان تراوحت بين التعبئة العابرة وبين الانتصار للإنسان بوصفه قيمة عليا، لكن اسقاطات الحروب التي تعددت اشكالها وميادينها التي باتت وسط الشوارع ولصق البيوت...
انتهينا من الحرب، او هكذا نعتقد، وانتهى الدوران الطويل في ميادينها، بالنسبة للفنان والاديب، حيث توقفت الكثير من النصوص التي استحضرت اوجاعها ومآسيها، وان تراوحت بين التعبئة العابرة وبين الانتصار للإنسان بوصفه قيمة عليا، لكن اسقاطات الحروب التي تعددت اشكالها وميادينها التي باتت وسط الشوارع ولصق البيوت!
لم تنته بعد ... مساء يوم 10-11-2023 كنا في مسرح الرشيد حيث عرض مسرحية ( c 4 كلواذا) للمخرج ابراهيم حنون .. الذي تجول بين الازمنة ليستقر في لحظتنا الراهنة متنقلا بين الوان الحروب التي تشابهت فيها صور الموت واشكال المآسي التي تعرف الأمهات اكثر من غيرهن ثقل وطأتها على النفوس والقلوب.
تبدا المسرحية بمشهد يؤسس لمناخ العمل وتنطلق منه الاحداث بطريقة فنية مثيرة .. تسير الام وهي تتحامل على اوجاعها الى المقبرة حيث الابن الشهيد هناك .. فيتبعها صوته وقد حضر هنا رمزيا وفنيا وراح ينادي عليها، يريد ان يكون معها في طريق اخرى مختلفة ليمارس الحياة بينما هي المتيقنة من رحيله تريد ان تذهب لتقف على قبره لتطفئ شيئا من ألم الفراق.ل
قد كان الحوار بين الأم والابن مدخلا لاستحضار الحقب والعصور الماضية التي تشابهت مع عصرنا في لون الدم والخراب الذي يصنعه المستبدون عبر التاريخ بحروبهم التي يؤطرونها بفائض لغوي لايوصل الى معنى غير تدمير الحياة واشاعة الألم.
الابن الشهيد الذي يقدم حياته للوطن، كان حلمه ان يعيش في وطن يحتفي بالحياة، والأم التي تعرف انه لم يعد حيا اثناء محاورتهما تستحضره رمزيا وقد اندمجت في حلم عابر وظفه المخرج بذكاء لترفض لاحقا ان يكون ابنها ميتا!
لتستعيد معه رغبتها في حياة تمتد به معها لتشبع رغبة الأم الازلية.. الام هي الارض وهي نفحة الحياة التي تمنح الارض ايضا خصبها .. وها هي امام الموت الذي جسده بطريقة مركبة، الممثل وكاتب المسرحية (ماجد درندش)، اي انه جسد دور الموت الذي يطوي الحياة وايضا رمز الاستبداد الذي يهمين بحضوره على مشهد الحياة ويحيلها الى صحراء من صمت وأسى.
لقد كان الممثل (سعد محسن) بارعا وهو يجسد شخصية الابن الشهيد او القتيل او الضحية التي اشتغل المخرج حنون على جعلها المحور الذي يتزاحم عنده التاريخ بويلاته منذ اكثر من الف عام واكثر! وسيجعل من (القبر) الذي يتوسط المسرح نافذة ضوء فنية مبهرة حين يستدعي الاف الضحايا ممن قبرهم رمز الموت والاستبداد (ماجد درندش) وهو يدخل في جدال عنيف ومعبّر مع الام التي تمثل رمز الحياة التي يريد لها الاستبداد والتسلط ان تتوقف.
يحلم الابن بان يكون له اولاد او ليلبي رغبة الام، ويرد عليها بانه سيتزوج من اربع نساء لينجبن له اربعة لتكون وسطهم .. وهنا يشتغل الحلم الفني هذه المرة، ليجعل من هؤلاء الاولاد الاربعة بمثابة الحلم المقموع والمجتث ليكون حضورهم الرمزي شاهدا على اجتثاث الحروب للحياة وما تورثه من جدب يحيل الامكنة الى مقابر تزدحم بالاف الضحايا الذين يستعرضهم الموت او الاستبداد ليوصل رسالة اخيرة .. ان لاشيء اسمى من حياة الانسان .. وان كل الشعارات ومبررات الحروب هي محض اوهام يتلهى بصناعتها الطغاة ليستمروا على حساب حلم الناس المذبوح ...!!!
لقد اجادت الممثلة (اسراء رفعت) دور الام الى جانب الابن (سعد محسن) وكان سعد درندش بادائه المميز اضاف نكهة للعمل الذي يستحق منا ان نقدم له هذه التحية السريعة.
اضف تعليق